الموقف: بين المبادئ والمصالح

يمنات
محمد الصهباني
لا أجيد التماهي مع مصطلح “مسك العصا من الوسط”، ولا المشي على الحبلين، أو اللعب عليهما. بل أجيد وضع النقاط على الحروف منذ عرفت نفسي صحڤياً وكاتباً يسارياً، والكمال لله، طبعاً. لم أكن يوماً ممن يميلون إلى المراوغة أو عدم الوضوح في آرائهم. إن مسك العصا من الوسط يبدو لي خياراً سيئاً للغاية، خصوصاً في القضايا الوطنية التي لا تحتمل أنصاف الحلول أو الاصطفاف في منطقة رمادية.
أتفهم أن على الكاتب والسياسي أن يتحلى بالرصانة في التعامل مع الخصوم السياسيين، وفق مبدأ “السياسة فن الممكن” أو القاعدة القائلة: “في السياسة، لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة”. لكن من المعيب أخلاقياً التفريط في المبادئ والقيم الوطنية تحت أي ذريعة، سواء كانت مصلحة شخصية أو تكتيكاً سياسياً.
المواقف الوطنية ليست مجالاً للمساومة أو المراوغة، بل يجب أن تبقى ثابتة وصلبة، لأنها تشكل جوهر الانتماء والالتزام بالقضية التي ندافع عنها. إن الانحراف عنها تحت أي ضغط أو مغريات لا يعني سوى سقوط في مستنقع الانتهازية.
هناك خيط رفيع بين المرونة السياسية التي تتيح تحقيق مكاسب تكتيكية دون التفريط في الثوابت، وبين الانتهازية السياسية التي تبرر كل أشكال التلون والتبدل وفق المصالح الآنية. الفارق الجوهري بينهما يكمن في النية والهدف: هل هو تعزيز المشروع الوطني أم مجرد البقاء في المشهد السياسي بأي ثمن؟
الكاتب أو السياسي الذي يسعى إلى إرضاء الجميع، غالباً ما ينتهي إلى فقدان احترام الجميع. فالموقف الواضح والصريح، حتى وإن كان مكلفاً، يظل أكثر نبلاً من الانزلاق في منطقة رمادية تُفقد صاحبها مصداقيته.
قد يكون الحذر والتكتيك مطلوبين في بعض المراحل، لكنهما لا يجب أن يتحولا إلى تبرير للتخاذل أو الخيانة. فالمواقف الصلبة ليست خياراً بل ضرورة، لأنها تعكس الالتزام الحقيقي بالقيم والمبادئ، وليس مجرد شعارات ترفع عند الحاجة وتُلقى جانباً عند تبدل المصالح.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليغرام انقر هنا
للاشتراك في قناة موقع يمنات على الواتساب انقر هنا