جريمة العديني المغلي بالزيت

يمنات
عبدالعزيز الويز
أكتم غلياناً لا يمكن أن تبدده الشتائم واللعن، ولا تطفأه الكتابة بدم حارق، غير أن جريان العدالة وحده ما يمكنه سبر الأغوار الفائرة كفوهة بركان، ورتق المشاعر المتشظية، العدالة التي بات عليها اليوم إيقاف نفوق الضعفاء على هذا النحو المُذل.
لا يمكن هذه المرة أن يحقن الناس كرامتهم المراقة بالمرق، أو يخدروا جلود آدميتهم (الممعولة) في الضحى بلعلعة بنادق التحكيم، وببضع كلمات تنفثها أشداق (مشلوقة) تسترهب أفئدة الضحايا، لتقبل رخصها تحت عباءة (القبيلة) السمجة، ليعيش الكل بعدها لحظة غيبوبة تحاذي النوم، الذي يُغرِق صاحبه، ويصحو كل مرة، على ضحية أخرى لبيادة متعجرفة، تجد شهيتها في إستباحة خلق الله في وضح الشمس.
منذ أكثر من 40 سنة، هي عهدي به مذ كنتُ صغيراً، والمواطن علي دبوان لطف الحذيفي بائع الزلابيا بقامته القصيرة، وأناقته المملوحة بعرق الكد اليومي، يغادر كل صباح صندقته الكائنة في حارة المدرسة، إحدى أبئس حواري مدينة العدين القديمة، كوظيفة يومية، يداوم عليها لإطعام نفسه وأسرته، باحثاً عن عزة وكفاف، في وطن أضحى فيه المشاؤون في طلب الرزق مطية سهلة لكل باغٍ، عليه أن يتزود يسحق أرواح ضحاياه لإستمرار جريانه منتشياً، ولو كان ذلك بشكل عارٍ ومخزٍ.
يحمل العم علي دبوان حِلته السوداء، وقِدر عجينته المخمرة بشكل متقن، ويحزم فوطته كل صباح، متكئاً على حكمة يردرها كثيراً : “الطيور المبكرة تحصل على الأشياء الجيدة”، وهو ما يفسر صحوه اليومي قبل آذان الفجر، غير أن صباح هذا الخميس لم يحمل سوى غراب شؤم أحال صباحه إلى حزن رائج، ودمعٍ مالح، وحمله إلى عيون العالم بتشوهات وإخضلالات، كشفت عن فوضى شاذة تغلغلت في أحشاء المرحلة، فلم تكف عن إنجاب البيض الفاسد، وجرائم لم يألف الناس مثلها، كجريمة الصباح العديني المغلي بالزيت.
عرفته يفترش ركن قصي في أحد شوارع العدين القديمة الضيقة، المؤدي إلى الجامع الكبير ، ويسند أدواته وكتفه الأيسر إلى جدار مبنى قديم، يحتمي فيه من حومة زبائنه ،وتجمعهم حوله، ويحمي به (تنكة الغِلة) من الأيدي الطويلة.
زرته ذات صباح بعد غياب طويل، فوجدته بنفس طباعه ونظامه الذي لم يتغير بتغير المكان، الذي أصبح يتواجد فيه ( على الشارع العام الرئيسي)، البيع نقداً، والإنتظار حسب الدور دون تمايز ، وهو نظام لا يمكن لأحدٍ من كان أن يخترقه، ولو هبط من السماء، فيذعن له الجميع، ولا يملون من زلابياه، وإستحلاء نظامه.
بعد ظهيرة اليوم الحارقة، والشمس ماتزال تنصب نفسها جلاداً لأجساد المارة بسياط أشعتها اللاهبة، بادرني أحد الاصدقاء ، بما تمور به وسائل السوشال ميديا، عن ركلة حادة صوب فيها أحمد عبده سعيد مسعد الطاهري (جندي في إدارة أمن العدين)، الشهير ب” أحمد الحلواني”، حِلة الزيت المغلي إلى جسد لا يحتمل كل هذا الغِل على حبة زلابيا، فأحرق جسده، وشوى جلده (كما ظهر في توثيق العدسات المتناقل بإنتشارٍ واسع) ، وربما أقعده عن عمله إلى الأبد، منهياً بركلته المحمومة علاقة وثيقة أمتدت لعقود من الزمن بين الرجل وحرفته، ومسدلاً الستار على مشهد مألوف، تعاقبت عليه أجيال، حتى غدا بوجوده الأصيل جزء من ذاكرتها الجميلة، التي تهبها البهجة كلما مرت منه.
حالياً يتلقى المجني عليه التطبيب اللازم في مستشفى جبلة بعناء شاق، بينما أفادت مصادر أمنية مسؤولة القبض على الجاني في مدينة إب، وإيداعه حجز مبنى أمن المحافظة.
وباشر أمن العدين التحقيق في الواقعة عقب وقوعها، وقام بجمع محاضر إستدلالاتها، ومعاينة مسرحها، ولم يتوان عن بذل جهوده في القبض على الجاني الذي فر إلى المحافظة.
كما أفادت ذات المصادر، أن توجيهات عاجلة صدرت من وكيل نيابة العدين الابتدائية القاضي همدان علي حسن يحيى شجاع الدين إلى أمن المديرية بالقبض القهري على الجاني.