في محراب الجريمة… حين تُغتَصَب العدالة باسم الجنون

يمنات
سنان بيرق
من المؤسف والمؤلم أن تتحوَّل بعض الجرائم البشعة، التي تُرتكب بدم بارد وتخطيط شيطاني، إلى مجرد “حوادث نفسية” في نظر الرأي العام، بفعل آلة إعلامية باتت تمارس – بوعي أو من دونه – تضليلًا خطيرًا للعدالة.
فما حدث اليوم في قرية قرن الأسد بمحافظة البيضاء ليس جريمة عادية، بل مجزرة مروعة داخل بيت من بيوت الله، راح ضحيتها أكثر من سبعة عشر نفسًا بريئة، سُفك دمها في حضرة الصلاة والسكينة. ورغم فظاعة المشهد، خرجت بعض الأصوات تروّج، بسطحية قاتلة، أن القاتل “مريض نفسي”… أو “فاقد للعقل”!
أي منطق هذا؟
منذ متى كان المجنون يخطط؟
منذ متى كان يحمل السلاح، ويعرف الطريق إلى المسجد، ويميز الضحية من غيرها؟
المجنون – في حالته الحقيقية – لا يملك أدوات القتل، ولا يُحسن ترتيب المجازر، ولا يُتقن انتقاء الزمان والمكان.
تشخيص القاتل بالمجنون هنا ليس مجرد انحياز خاطئ، بل هو تواطؤ – حتى وإن لم يكن مقصودًا – مع الجريمة نفسها.
فنحن بهذا الوصف نرسل رسالة ضمنية إلى القضاء:
“يا قاضينا، هذا القاتل لا يُسأل، القلم مرفوع عنه… أطلقوا سراحه، فقد فعلها وهو لا يدري.”
وهكذا، تُختزل الأرواح، وتُضرب العدالة في مقتل.
وغدًا… سيخرج من بيننا قاتل آخر، مدفوعًا بنفس الفكرة:
“اقتل، ثم تظاهر بالجنون.”
إن هذه الجريمة، بكل تفاصيلها المرعبة، لا يمكن أن تُفهم بمعزل عن خلفياتها التنظيمية والعقدية.
فالقاتل ليس شخصًا فقط، بل أداة في يد منظومة، وخنجرًا في خاصرة الوطن.
ولذلك، فإن أولى خطوات العدالة ليست فقط المحاكمة، بل التحقيق العميق في خلفيات الجريمة، لكشف من يقف وراءها، من يحرض، ومن يموّل، ومن يضلّل.
وحين تُستكمل الحقيقة… فالعدالة لا تكون إلا بالقصاص.
فمن ذبح المصلّين لا يجب أن يُمنح فرصة أخرى للقتل، بل يجب أن يُحاسب بما تفرضه القوانين، وما تقتضيه العدالة، وما تستوجبه أرواح الضحايا.
هذه ليست دعوة للانتقام، بل نداء لحماية المجتمع من التبرير والتضليل، ومن إعفاء المجرمين من المسؤولية تحت غطاء “الجنون المصنّع”.
العدالة لا تعرف الرحمة مع القتلة.
والتاريخ لا يرحم المجتمعات التي تغفر لذئابها باسم التعاطف.