صوت من همدان… نداء للضمير قبل القبيلة

يمنات
عبدالوهاب قطران
في مقيل يمنيٍّ يغلّفه القلق وتثقله الأسئلة، قصدتُ مع عدد من رجال همدان عصر اليوم ،دار شيخ مشايخ حاشد الشيخ حمير بن عبدالله بن حسين الأحمر في الحصبة بصنعاء، ليس على سبيل الاصطفاف القبلي أو المباهاة الاجتماعية، بل على سبيل الاستغاثة حين تضيق السبل، وطلب العون حين تستنفد كل الطرق الرسمية بلا جدوى.
لقد بدأنا طريقنا من أبواب الدولة لا من بوابات القبيلة.
طرقنا كل باب يُفترض بالدستور والقانون أن يكون ملاذ المظلوم وملجأ المواطن المغيب المقهور.
منذ قرابة ثلاثة اشهر قدّمنا الشكاوى والعرائض والتظلمات والطلبات القانونية إلى النائب العام في صنعاء، وإلى رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، ووزارة الداخلية، والمفتش العام. كل ذلك ابتغاء الإفراج عن المختطفين من اخوننا أبناء همدان الذين أُخذوا من منازلهم دون مسوّغ شرعي أو قانوني، ودون أوامر ضبط أو إجراءات قضائية، ودون إحالة للقضاء المختص خلال المدة القانونية البالغة 24 ساعة.
لم يُمكَّن المعتقلون من أبسط حقوقهم الدستورية:
معرفة التهمة، الاتصال بذويهم، توكيل محامٍ، أو حضور محامٍ أثناء التحقيق.
وهي حقوق ليست فضلاً من أحد، بل نصوصًا واضحة لا يختلف حولها قانون ولا عرف ولا قيم إنسانية.
بعد ذلك قصدنا بعض مشايخ همدان، ومنهم الشيخ يحيى علي عايض، الذي تواصل بدوره مع محافظ محافظة صنعاء ،الاخ عبدالباسط الهادي. وأبدى الرجل استعداده للضمان ، وطلب الإفراج عن أبناء همدان، لكن الرد كان… الصمت.
ولا شيء أثقل على قلب الإنسان من الصمت حين يتعلق الأمر بمصير اخوان و أبناءٍ مخفيين قسريا منذ خمسين يومًا، لا يُعرف عنهم شيء: أأحياء هم أم في دائرة الخطر؟
لا اتصال، لا زيارة، ولا حتى معلومة تطمئن بها الأم على ولدها أو الأخ على أخيه.
حينها فقط…
وحين أقفلت أمامنا كل الطرق المؤسسية، ولم نجد أي تجاوب، توجهنا عصر اليوم إلى الشيخ حمير الأحمر، لابصفته يمثل رمزا سياسيا ،بل بصفته كبير قبيلة حاشد، وهمدان احدى قبل حاشد السبع .
والاحمر شيخ مشائخها ..
وهو أحد أهل الحكمة الذين يلجأ إليهم الناس تقليديًا في مثل هذه الملمات حين تستغلِق الأبواب. ذهبنا إليه طلبًا للمساعي الخيرة، لا أكثر.
وكان مما شجعنا على زيارة الشيخ حمير أننا تابعنا ما نُشر قبل قرابة عشرون يوما وتحديد في 19 نوفمبر الماضي عن اجتماع عُقد في منزله بصنعاء، وجمع عددًا من مشايخ قبيلتي حاشد وبكيل وعددًا من ومشايخ ووجاهات اليمن، لمناقشة قضية المعتقلين، وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور حمود العودي والمهندس عبدالرحمن العلفي. وقد خرج ذلك الاجتماع ببيان دعا سلطة صنعاء إلى سرعة الإفراج عنهما وعن كل المعتقلين اصحاب الرأي.
وبعد يومين فقط من ذلك اللقاء وما صدر عنه من مناشدات ومساعٍ خيّرة، تم الإفراج عن العودي والعلفي بعد نصف شهر من الاعتقال.
هذه التجربة أكدت لنا أن صوت الحكمة والمساعي الهادئة يمكن أن يُثمر، وأن معالجة مثل هذه القضايا بروح مسؤولة يختصر الكثير من الآلام وسوء الفهم، لذلك قصدناه اليوم نلتمس ذات الدور، ونرجو أن تثمر الجهود كما أثمرت من قبل.
وقد شرحنا له اخفاء اخواننا من أبناء همدان قسريا ، وفي مقدمتهم أخي عارف محمد قطران ونجله عبدالسلام، المختطفين منذ 21 سبتمبر على خلفية نية الاحتفال بالذكرى الثالثة والستين لثورة 26 سبتمبر.
وهي التهمة التي اعتُقل بسببها المئات، ثم أُفرج عن آخر دفعاتهم قبل قرابة شهر…
إلا أبناء همدان، الذين بدلاً من الإفراج عنهم تم إخفاؤهم قسريًا. وهذا ما لا ينسجم مع أي نهج قانوني ولا مع التقاليد الوطنية ولا مع قيم الدولة مهما اختلفت الظروف.
لقد أكدنا للشيخ حمير أن مقصدنا ليس التصعيد، ولا الاصطفاف، ولا الإحراج السياسي. غايتنا واضحة وبسيطة:
أن نطمئن على أخوننا، وأن يعودوا إلى منازلهم كما عاد غيرهم ممن اعتُقلوا في اليوم نفسه وبالظروف نفسها.
اللقاء كان هادئًا ومسؤولًا، هدفه البحث عن حلّ يحفظ كرامة الجميع، ويعيد الأمور إلى نصابها بعيدًا عن التوتر أو التأويلات.
لم نذهب لنخاصم أحدًا، ولا لنناكف سلطة، بل لنطالب بحق إنساني وقانوني مكفول، ولنعبر عن قلق تضاعف مع طول الغياب وانقطاع الأخبار.
نثق بأن الجهود الخيّرة لا تضيع، وأن سلامة الناس ليست مجالًا للمساومات، وأن صوت الحكمة سيبقى أقوى من أي توتر أو سوء فهم. ونأمل أن يكلل هذا المسعى بإعادة المختفين إلى ذويهم، وأن تتضح الحقائق بأسرع وقت، لتطوى صفحة مؤلمة ما كان لها أن تطول.
فاليمن اليوم بحاجة إلى التهدئة لا التصعيد، وإلى الحكمة لا التعنت، وإلى صون كرامة أبنائه لا تركهم في دائرة الغياب.
إننا لا نطلب أكثر من حق، ولا نبتغي إلا الطمأنينة، وسرعة الافراج عن معتقلينا المخفيين قسريا ..
والله المستعان.