فضاء حر

هل افلح الحزب الاشتراكي في تأطير تجربته الأنسانية حيال مهمشي جنوب ما قبل الوحدة؟! (3-2)

يمنات

محمد القيرعي

= عموما فأن ما اود قوله هنا تحديدا.. هو انه وقياسا بهذا الواقع المخزي والمخجل والمهين الذي بلغناه اليوم في بلادنا على صعيد العلاقات الاجتماعية والوطنية والطبقية والانسانية المسمومة والممزقة والمختلة ..

فان هذا لا ينفي بطبيعة الحال حقيقة انه ساد خلال فترة الحكم الشطري التقدمي للحزب الاشتراكي اليمني في جنوب ما قبل الوحدة كما اشرنا.. نوعا من مناخات العدالة الملموسة بالنظر الى مظاهر المساواة الانسانية الشكلية بين فئات المجتمع وطبقة الاخدام.. رغم أنها لم تكن كافية البتة بالتأكيد وكما اسلفنا للتخلص من رواسب العقلية النبذية والعنصرية المترسخة بثبات موروث لا يتزعزع في وعي وعقلية وثقافة المجتمع اليمني بمختلف فئاته ومكوناته العشائرثة واطيافه الاجتماعية.. والتي يمكن رؤية نتائجها المختزلة بوضوح .. ليس فحسب.. من خلال قياس مستوى التفاوتات الاجتماعية والعرقية اللصيقة بحياة الاخدام المنبوذة والمحتقرة.. بمستوياتها المعيشية والاقتصادية والتعليمية والمعرفية والانمائية المختلة والمتدنية جدا في نطاقهم الى حد العدم .. الخ

وانما ايضا من خلال الامعان بموضوعية فاحصة في فضاعة ووحشية الفرز الاجتماعي الذي لا يزال قائما ومستشريا بصورة متجددة حتى اللحظة وبدرجة تتيح للجميع الاستمرار بحرمان فئات الاخدام من ابسط شروط الأعتراف بالشخصية الوطنية والأنسانية وتجريدهم في الوقت ذاته.. وان بصورة مبهمة وغير مرئية او معلنة.. من ابسط اشكال وشروط الحماية القانونية والدستورية بالنظر الى أستشراء اعمال الظلم والقمع الاجتماعي الممنهج الذي يطال افرادهم وتجمعاتهم البشرية بانتظام ودون حسيب او رقيب .. وتواتر الأعتداءات العنصرية اليومية بما فيها اعمال القتل والسحل المجاني والأغتصابات المتصاعدة.. بالتوازي مع اعمال التّشريد الفردي والجماعي المستشري بثبات والذي لا تحجبه بطبيعة الحال مساحيق التجميل النظامية المغلفة بادعاءات المساواة والمواطنة الواحدة والمتساوية المعممة هنا.. وهناك.. في خطب وأدبيات انظمة الحكم الوطني المتعاقبة على امتداد مراحل العملية الثورية الوطنية.

ما يعني أنه ورغم تلك المكاسب المدنية التي تحققت والتي لا يمكن دحضها او انكارها..على الرغم من ضألة ومحدودية نتائجها بالنسبة لاخدام الجنوب خصوصا.. خلال الحقبة الشطرية.. الأ اننا ومع هذا لا نزال امة مأزومة ومقسمة ومممزقة بأمتياز.. بسبب أستفحال القيم والمعتقدات العنصرية.. والانعدام الكلي لمظاهر العدالة والمساواة الانسانية.. جراء أستشراء مظاهر الانقسام العرقي والكراهية العنصرية الموروثة والمتجددة بصورة لا تنبئ بزوالها.. او الحد من منطلقاتها على المدى الزمني الطويل.. الخ

وهذا مرده بطبيعة الحال.. الى غياب وانتفاء الطابع التشريعي الكفيل بأحداث التقدم الأيجابي المامول في التعاطي مع جذور المعضلة العنصرية، فدستور جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.. لم يتضمن البتة اي بند تشريعي يتيح الاقرار الوطني الدستوري الصريح بواقع المعضلة العنصرية.. بكل ارثها ومساوئها ونتائجها التاريخية المخجلة والمختزلة عميقا في حياة الأخدام عبر اسواء اشكال الفاقة والفقر المدقع المغروس دون فكاك في حياتهم المغلفة بأسواء اشكال العزلة الاجتماعية.. والأمية والتخلف العلمي والمعرفي والسياسي المصحوب في الوقت ذاته بافتقار طبقة الاخدام اجمالا «كافراد _وتجمعات» لابسط شروط ومقومات النماء الحضاري والتطور الانساني المفترض.. مثل تملك وسائل وادوات الانتاج..كالتجارة وامتلاك الاراضي الزراعية والمساكن الامنة والوظيفة المتساوية والحقوق المهنية العادلة والمتساوية.. بالاضافة الى افتقارهم الكلي في الوقت ذاته لأبسط شروط ومقومات البقاء الطبقي والانساني الأمن والمفترض.. الخ

= مثلما لم يتضمن ايضا دستور اليمن الديمقراطية الشعبية.. اي التزام وطني اخلاقي ودستوري صريح حيال ضحايا التمييز والعنف العرقي بطريقة تجيز على سبيل المثال منحهم التعويض الوطني التاريخي العادل.. وعلى اساس دستوري كما هو مفترض.. والذي كان من شانه تمكينهم على الاقل «كضحايا تاريخيين» من تخطي اسوار خمسة عشرة قرنا زمنية مظلمة من الكبت والقهر والأذلال والعزل الاجتماعي والحرمان القهري العنصري الذي طال كل مناحي حياتهم الانسانية في سياق موروث الأزدراء والكراهية القومية التي تطالهم حتى اللحظة وبنفس وتيرتها التاريخية الموغلة في التطرف والوحشية، وذلك على غرار الوضع التشريعي الذي كفلته حكومة الأستقلال الهندية اوائل خمسينيات القرن العشرين حيال الحقوق المدنية والوطنية والطبقية والانسانية لضحايا التمييز العنصري الطويل والمضني هناك « طبقة منبوذي الهند ( الداليت) والذين تمكنوا خلال العقود السبعة الفائتة من عمر استقلال جمهوريتهم _العام _1948م ومع المصداقية الوطنية والدستورية التي تعاطت بها انظمة الحكم الوطني الهندية المتعاقبة منذ الاستقلال.. من تخطي حدود العزلة والفقر والتخلف التاريخي بفعل الحقوق الدستورية التعويضية التي كفلت لهم.. او ضمنت حصولهم.. كطبقة مقصية ومحرومة.. على حصص وطنية ثابتة في الرعاية الصحية والتعليم والوظيفة العامة والمشاركة المتكافئة في ادارة الشؤون العامة للبلاد.. وبالشكل الذي ادى الى نشوء حركة احتجاج اجتماعي منطلقة اواخر القرن العشرين من حواصل الطبقات السيادية في المجتمع تطالب بالحصول على ذات الحصص الوطنية الأستثنائية التي يحظى ويتمتع بها منبوذيهم ..

مثلما لم يتضمن ايضا «اي دستور جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية» اية نصوص تشريعية وقانونية تتضمن ترسيخ وكفالة أسس ومبادئ العدالة الكاملة والمطلقة لطبقة الاخدام اسوة بباقي فئات المجتمع السيادي.. على غرار قانون الحقوق المدنية الاميركي.. المقترح في العام _1963م من قبل الرئيس/ الشهيد/جون اف كنيدي _والمقر من قبل الكونجرس الامريكي العام_1964م..عقب استشهاده وفي عهد خلفه الرئيس ليندون جونسون.. وهو القانون الذي وبقدر ما كفل ضمان مبداء المساواة الانسانية الكاملة والمتكافئة لزنوج الولايات المتحدة في سياق واحدية الهوية الوطنية .. بقدر ما مهد السبيل ايضا _ لصدور قانون الأسكان والذي اقره الكونجرس الاميركي بدوره بعد اربع سنوات على اقرار الاول _اي في العام _1968م.. والذي ضمن لزنوج الولايات المتحدة الاميركية حق المساواة الكاملة والمطلقة فيما يخص الحق في الأسكان واكتساب المساكن الحضرية اللائقة للعيش الانساني.. اسوة بباقي طبقات المجتمع الاميركي الابيض ..

يتبع..

زر الذهاب إلى الأعلى