أرشيف

وجدوا صورة حبيبها بين أوراقها فحبسوها إلى أجل غير مسمى

كانت "س" شعلة من النشاط والحيوية تبدأ يومها قبل كل الناس، وللصباح عندها معنى مختلف وإشراقات أخرى أكثر جمالاً وبهاءً وسحراً .. كانت تقضي يومها متنقلة من مكان لآخر بعد أعمالها مثل نحلة تطوف الأزهار دون كلل أو ملل، يدفعها حب الحياة والأمل الطويل العريض الذي رسمته على واجهة المستقبل.

ومرت الأيام وتوالت الأعوام واتسعت مساحة الحب والأمل وبدأت اهتماماتها تأخذ اتجاهات جديدة غير مسبوقة، وأخذت عواطفها شكلاً جديداً، ودقات القلب أصبح إيقاعها مختلفاً، معلنة عن قصة حب ولدت ذات صباح من دون سابق إنذار ومن دون مقدمات.. لم يكن أحد يعلم بقصة الحب الجميل التي دارت بين "س" ومن رأت فيه فارس أحلامها، واستمرت الحكاية محاطة بالسرية المطلقة حتى لا تُقتل المحبة بالقيل والقال، وكم قتلت ألسن الناس حكايات من هذا النوع في مجتمع لا يعترف أكثر الناس فيه بالحب والمحبة والعواطف البريئة، وينظرون بعين الظن السيئ لكل قصة حب وكأنها جريمة تستحق العقاب، ولطالما عوقب المحبون بسبب الحب، وهذا ما حدث بالفعل لـ: "س" التي أحبت شاباً من جيلها حباً عفيفاً طاهراً، تكتفي منه بنظره كلما سمحت لها الظروف بذلك، وكثيراً ما منعت الظروف عنها مجرد نظرة تحكي من خلالها ما يدور في القلب من شجون المحبة، وهكذا هي الفطرة الإنسانية وهكذا يفعل الحب عندما يتمكن من قلب العاشق، ومع كل هذا أصبحت النظرات نادرة إلى حد العدم لأن الحبيب من منطقة أخرى مجاورة، وهي ليست بعيدة لكن المسافات والعوائق تصبح كثيرة بين المحبين، وهذا السبب يبدو هو من دفع بـ: "س" للتفكير بوسيلة أخرى تستطيع من خلالها رؤية حبيبها بعيداً عن عيون الناس، وانتهى بها التفكير لأن تأخذ صورة شخصية للمحبوب وتحتفظ بها لتعود إليها كلما هز قلبها الشوق لرؤية الحبيب، وكانت هذه هي الوسيلة المناسبة والملائمة والأسهل من وجهة نظرها، غير أن الأمور جرت على غير ما كانت تتوقع، فاكتشف الأهل أمر هذه الصورة الملعونة من وجهة نظرها والملعون صاحبها لا لشيء سوى أن صورته وُجدت بين أوراق وأدوات "س" وهي تهمة كافية لإدانتها وإدانة صاحب الصورة، وفي وقت قصير نُصبت المحكمة وصدر الحكم غير القابل للاستئناف قضى منطوقه ،من غير مقدمات، بإحراق الصورة وكل الأوراق التي وجدت إلى جانبها وإن لم تكن لها علاقة بالحكاية، وحبس "س" في المنزل إلى أجل غير مسمى ومنعها من الخروج لأي سبب كان، مع تعريضها لضغوط نفسية شاقة وضرب وتأنيب واحتقار وسخرية جراء جريمتها التي وصفوها بالشنعاء، وبذلك تحولت حياة "س" إلى ليل مظلم.

زر الذهاب إلى الأعلى