أرشيف

أطفال اليمن يدفعون ثمن الصراع السياسي

تحجرت عينا فاطمة الأقرع للحظة فيما جذبها صغيرها الهزيل أنس الذي لم يتجاوز عمره 14 شهراً من حجابها الأسود الممزق.

قالت الأم الشابة التي ألقت بضع حبيبات من السكر في عجينة بنية اللون من فتات الخبز والماء الساخن «إنه يفعل هذا لأنه يعلم أن الطعام في الطريق اليه، ستكون هذه وجبته الوحيدة هذا اليوم».

ودفع الاضطراب السياسي اليمن وهو من أفقر الدول العربية إلى شفا أزمة إنسانية تنافس تلك التي مرت بها منطقة القرن الإفريقي العام الماضي.

وقال صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، إن 57? من أطفال اليمن البالغ عددهم 12 مليوناً يعانون سوء تغذية مزمناً، وهي أعلى نسبة لسوء التغذية المزمن على مستوى العالم بعد أفغانستان.

وقال ممثل «اليونيسيف» في اليمن جيرت كابيلاري، إنه في عام 2012 سيواجه ما يقدر بنحو 750 ألف طفل ما وصفه بسوء تغذية حاد وسيتعرض ثلثاهم لخطر الوفاة او المعاناة من خلل جسماني أو ذهني مدى الحياة.

والآن قرابة ربع سكان اليمن البالغ عددهم 28 مليون نسمة، أي نحو سبعة ملايين، بحاجة ماسة الى الطعام.

وقال امين محمد (45 عاماً) وهو أب لثمانية يعيشون في كوخ من حجرتين على مشارف العاصمة «لا نستطيع شراء السكر أو الأرز أو الفول، آخر مرة تناول فيها اطفالي الدجاج كانت منذ أكثر من عام ونصف العام».

وعلى غرار الكثير من الأسر تعيش عائلة محمد على الغلة والخضراوات التي تزرعها في رقعة صغيرة من الأرض وراء منزلها، والمؤن المتوافرة لهذه الأسرة الآن ضئيلة جداً. ويقول محمد إنه يتناول وجبة وحيدة في اليوم، وإن كل أطفاله ناموا بلا عشاء على مدى الأسبوع المنصرم.

وقال وهو يضع طفله البالغ من العمر ستة أشهر على حجره «أهم شيء في حياتنا الآن هو الطحين (الدقيق)، إذا فقدنا هذا سنتضور جوعاً».

ويجري اليمن انتخابات في 21 فبراير الجاري لاختيار خليفة للرئيس علي عبدالله صالح الذي نقل صلاحياته لنائبه في نوفمبر بعد احتجاجات استمرت أشهراً عدة وأضعفت الحكومة المركزية في صنعاء الى حد كبير.

وساعدت الاحتجاجات على إنهاء حكم صالح الذي استمر 33 عاماً، وزادت من اضطراب الأوضاع، فقد ارتفعت أسعار الطعام وتجاوز معدل البطالة نحو نصف القوة العاملة عام ،2011 بعد أن بلغ نحو 35? عام ،2010 اذ يقول اقتصاديون ومنظمات إغاثة إن المساعدات الخارجية تقلصت بشدة.

ويقول الاقتصادي بجامعة صنعاء محمد الميتمي، إن عشرات الآلاف من اليمنيين فقدوا وظائفهم عام ،2011 وارتفعت أسعار السلع الرئيسة مثل الأرز بما يصل الى 60?.

ويتجول محمد والد أنس في شوارع الحي يفتش في صناديق القمامة عن زجاجات بلاستيكية ليبيعها للمتاجر مقابل الخبز.

وقبل انتفاضة عام 2011 كان محمد يعمل في خلط الخرسانة لحساب مصنع للبلاط، لكن انقطاع التيار الكهربائي المتكرر وارتفاع أسعار الديزل بسبب قيام رجال قبائل مناهضين للحكومة بتخريب خطوط لأنابيب النفط أديا الى إغلاق المصنع. وتزداد المشكلة تعقيداً بسبب سحب منظمات الإغاثة موظفيها من البلاد خوفاً من تردي الأوضاع الأمنية، ما أوقف عشرات من مشروعات الرعاية الاجتماعية التي كان يعتمد عليها آلاف اليمنيين. وخفضت منظمات أخرى عملياتها بدرجة كبيرة بسبب العنف الذي تبع الاحتجاجات التي اندلعت في يناير الماضي.

وفي حين أن بعض المنظمات مثل البنك الدولي عادت الى اليمن، فإن غيرها مازالت في انتظار مزيد من المؤشرات إلى الاستقرار.

وتقول منظمة اوكسفام، إنها تتعشم أن تشجع الانتخابات دول الخليج المجاورة على دعم اليمن، وتقدم بعض هذه الدول حالياً مساعدات محدودة في صورة نفط وغاز.

وقالت مديرة اوكسفام باليمن، كوليت فيرون «لم تكن الحكومات تدعم اليمن (مالياً) بسبب الوضع السياسي، لهذا نريد أن يتغير هذا».

«ما فعله النظام ليس خطأ (الشعب) لهذا يجب ألا يعاقب، حين يتعلق الأمر بأزمة انسانية ينبغي تجاوز السياسة مهما كان الوضع».

وتقول المسؤولة الإعلامية لبرنامج الأغذية العالمي في اليمن جورجيا وارنر، إن أسراً كثيرة الآن تنفق نصف دخلها الشهري على الخبز وحده. وقال الميتمي «إن شراء الماء النقي قد يستهلك الـ30-40? المتبقية من دخل الأسرة».

ويصنف برنامج الأغذية العالمي اليمن في المركز الـ11 بين أكثر دول العالم التي تعاني تزعزع الأمن الغذائي.

وتعهد اليمن بالتصدي للتهديد المتزايد للامن الغذائي، لكن اقتصاديين محليين يقولون إن هذه الوعود لم تنفذ وإن حكومة صالح وجهت الأموال لقتال المتمردين.

وقال نائب وزير الصحة ماجد الجنيد لـ«رويترز»، إن «الوزارة بالتعاون مع الأمم المتحدة وضعت خطة طوارئ للتغلب على سوء التغذية بين الأطفال من خلال التدخل الطبي والصحي». وقال الخبير الاقتصادي الميتمي، إن الكثير من الأجهزة الحكومية لم تحصل على ميزانية في عام .2011 وأضاف أن الكثير من الأموال المحددة في الميزانية لم تستخدم لتخفيف معاناة اليمنيين بل لشراء الأسلحة.

وفيما يمر الوقت دون اتخاذ خطوات ملموسة لمساعدتها بدأت أسر يمنية تفقد الأمل.

وقالت فاطمة «لن نعيش لعام آخر مثل الذي مضى». كانت ست لقيمات من العصيدة هي كل ما استطاعت فاطمة إطعامها لابنها الهزيل هذا اليوم. وأضافت «على غرار جميع اليمنيين ندعو الله ان يخرجنا من هذا البؤس».

زر الذهاب إلى الأعلى