الشاعر اليمني ضياف البراق: لا أملك صورًا شخصية .. إنما قصائد ودموعًا كثيرة
يمنات – صنعاء
بعيداً عن شبحية الحرب وأشلاء الذين يتناثرون في جبهات عدة مفتوحة للقتال بين الأطراف اليمنية المتصارعة، منذ ثلاثة أعوام ونيف، تقترب صحيفة “بين نهرين” الثقافية العراقية في عددها رقم (81)، من عوالم الشاعر اليمني ضياف عبدالجليل البرّاق (23 سنة) الذي عدّه نقاد ومهتمون، واحداً من أهم الأصوات الشعرية الجديدة التي تكتب قصيدة الحرب في اليمن؛ عندما يحيل “ليل صنعاء” وهي المدينة المشلولة ثقافياً، الآن، كل شيءٍ إلى حطام!
حاوره: صدام الزيدي
*أيهما أقرب.. المنفى أم الوطن؟
– كلاهما بعيدٌ للأسف.. تمامًا، كالحياة في هذا البلد المأزوم دومًا: المسقوف بالظلام/الرصاص، المرصوف بالشلل و أعقاب السجائر.
*كم عمر هذا الشجن؟
– لا يهمني كم يكون عمر هذا الشجن. كعادتي، لا يعجبني معرفة أعمار المجاهيل التي تطوي حياة الإنسان. يهمني فقط: معرفة نهاية هذا الشجن الموجع. على العموم: سيبقى هذا الشجن، يلازم خطواتنا، حتى نعرف!
*الكتابة.. هل من خيار آخر؟
– الكتابة أو الكتابة. تعرف: بتُّ لا أريد أكثر من هذه الحياة الكلبة: الكتابة. هي وحدها تكفيني، ربما.
بالطبع، ليس لي من حياة أجمل منها!
*وماذا عن القراءة؟
– ليس للغريب من أرض سوى القراءة. إنها خُبزي والناي، في هذا الطريق المُخيف كثيرًا – الذي أركضُ فيه الآن، و لكن دون ظل.
*الحداثة.. ما تداعياتها الآن؟
– تداعيات الحداثة الآن: العصر ومتطلباته،
الالكترون الذي يقود البشرية.
*العنونة؟
-مشكلتي يا صديقي أنني لا أجيد فن عنونة النصوص.. أهمل هذا الأمر عادةً؛ فأترك نصوصي دون عنوان.
العنوان مهم للغاية، لأنه الطريق الضروري للدخول إلى أعماق النص.. وهو من يجذب القارئ إذا كان لافتا ومتوافقًا مع ثيمات هذا النص.
*ليل صنعاء…؟
– آهٍ من ليل صنعاء!
باختصار: ليل صنعاء، يعضني ككلب، بحسب تعبير الشاعر الجميل فتحي أبو النصر.
*ضياف البرّاق.. ما هي أغواره؟
– بالنسبة لضياف و أغواره: هو، كائنٌ غريب، تنتابه فوبيا الوحدة حتى بين الجماعة. كائن بعيد عن ذاته جدًا، مُبَعثَر دومًا كذكرى تائهة في الريح؛ لا تجمعه سوى المتناقضات أو الوجع. ما زلتُ أبحثُ عنه.
*العيد…. ماذا يعني لك؟
– وجعي الشديد علينا وعلى أولئك الذين لا عيد لهم. آه، يا صديقي.. هذه الحياة ليست من نصيب المساكين ولا الرائعين أيضًا.
*في الطريق إلى فيس بوك.. ما الذي تحمله لهذا العالم؟
– بات يزعجني جدًا، هذا العالم الأزرق! طبعًا، لا أحمل له أيّ شيء غير حزمة كبيرة من الوجع الباعث على الضوء والتعافي.
*بين الشعر والحرب ويوميات اليمني.. أين يمكن لنا أن نكون؟
– حاليًا، ها نحن نرزح تحت دوامة الموت الكاثِر، وإذا أردنا أن نكون في مكان آخر، لن يكون -هذا المكان- سوى الهامش الهشّ.
*الثقافة في بلدٍ أوشكت الغيبوبة أن تجهز عليه؟
– هذه الثقافة تسعى -الآن- نحو مجاهيل كثيرة ومخيفة في آن. البعض أصبح يخشى على جيوبها الأنفية من الانسداد!
*النص الجديد.. هل سينتصر على فلول السفح البعيد؟
– أكيد، سينتصر النص الجديد، لكن: حينما يأتي ناقد حر ومحترم. من جهة أخرى: سينتصر عندما نرى ونلمس لغة نقدية تتسع لأكثر من دهشة ومعنى، لغة منهجية وخلّاقة معًا.
*الغياب والحزن.. كيف لو اتحدا مع الليل الحالك والشغف الفاتك؟
– إذا تحقق هذا الاتحاد الكاسر، يتحقق معه موتنا الآخر. أعني: ذلك الموت الذي يستوطن كل تفاصيلنا.
*تدرس القانون في جامعة صنعاء… بينما الكلاشينكوف على الأبواب والنوافذ وفي قلب كل شيء.. من سينجز مدونة الضوء، إذاً؟
– كل هذه الحرب الملعونة، لا تستطيع أن تصرفني عن تحقيق أحلامي، إطلاقًا. سأواصل دراستي للقانون وسط زحمة الرصاص، وسأكتب مدونة الضوء بنفسي.
*القرية.. الصباحات النقية التي نهرب منها باتجاه حياة المدينة في اللامدينة… هل عثرنا علينا؟
– في زمن الحرب، لا أعرف كيف أفرق بين القرية والمدينة. لا صباحات لنا في هذا الزمن الكابوسي.
*(السكارى الذين لا يرقصون مع الشمس أو مع إيماءات السكون).. اقتبستها من آخر كتاباتك. لكن: ماذا عنهم….؟
– هؤلاء السكارى، إذا لم تستيقظ ملامحهم من سباتها العميق، فإن مآلهم إلى زوال نهائي. إنهم لا شيء حتى الآن.
*(الكآبة أجمل أغنيات الوجود بعد الكتابة) يحلو لي أن أقتبسها، أيضاً، من انفعالةٍ لأناملك. وهي “الرفيقة الدافئة”، بناءً على تدوينة رؤوس أنامل محمومة تنقر في ليل مدينة موحشة تعيش الحرب ولا تخوضها بعد كتابات مجنونة تدون لهذا الضياع الحصري؟ ماذا عن الكآبة….؟
– الكآبة ستبقى ترافقني ما حييتُ، وفي هذا البلد الكابوسي تحديدًا. لا أريدها أن تفارقني؛ إنني لا أقوى على العيش بلا ابتسامة حافية.
*متى ترى النور، كتابات ضياف البرّاق، في المطبعة؟
– لا أدري، حتى الآن.. ما هو مصير كتاباتي. لكنني، أتمنى لها أن ترى النور ولو بعد حين طويل. أعدُكَ أنني سأكون كما أشاء، وعلى الوجه المُشرِّف.
*هل دُعيت إلى فعاليات شعرية أدبية؟
– دعيتُ ولم أحضر، لأنني أنزعج من هذا الأمر..
لعدة أسباب؟…
*الحب.. حين يكون فعلاً لا قولاً ووهماً؟
– الحب جميلٌ في جميع حالاته الطبيعية، لكنه يفقد ثقله العظيم ليصبح بلا قيمة عندما يقوم على أسس ضيقة أو نحو ذلك. الحب، لا يكون حبًا بالمعنى الحقيقي إذا لم يرتفع إلى مستوى النضوج. الحب العقلاني هو الحب الحقيقي.
*لا صور شخصية كثيرة لك.. ما السبب؟
– صحيح، لا يوجد لديّ صور شخصية كثيرة، كما ترى، لكن: لا أدري لمَ هذا الأمر لا يهمني إطلاقًا. يكفي أن لي قصائد ودموع كثيرة.
*حياة بلا فن.. هل هي ممكنة؟
– أن يعيش المرء بمعزل عن الفن، يعني: أن يصرف حياته في مقبرة مظلمة. الفن روح الإنسان الجميل. فأنت كائن بدائي وظلامي إذا لم تعش حياتك بالفن. إنها غير ممكنة بلا فن، بالتأكيد.
*إلى أين يا ضياف؟
– أحيانًا أفكر أن أظهر كروائي.. لذا أسعى نحو كتابة رواية، هي الآن شبه جاهزة في رأسي، لكن وقتي لا يسعفني لذلك بسبب ضغوط دراستي الجامعية. ستكون هي أولى إصداراتي.. لأن الطلب على الشعر بات خافتًا ومُهَمَّشًا من جهات كثيرة.
*هل ما تزال هنا؟
– نعم ما زلتُ هنا، رغم وجودي شبه الميت، وسأبقى ما دمتُ أكتبُ للمسحوقين وأحبهم.
_______________
“إنه ليس منّي
ليس لي
هو مثل شيء لا أعرفه
مثل حلم لا يطيقه قلبي
مثل وطن مكسور يمشي على الأنف
مثل حزن يحاول أن يبتسم في مِرآة مشروخة
مثل طفلة مشلولة؛ أكلَ الغيابُ رأسها في دفتر الرسم..
هو الفراغ أو أنا!”.
_______________
“علاقتي بالكآبة جيدة. هي رفيقتي الدافئة التي لا تخونني البتة، وأنا ظِلّها البنفسجي -هذا الذي كلما حاول أن يرفعَ رأسه مزّقتْهُ الحربُ وخذلتْهُ الأقنعة والمساحيق الناعمة. الكآبة أجمل أغنيات الوجود بعد الكتابة”.
_______________
“بالكتابة أستطيع أن أنجو من شر نفسي، ومن شر ما ليس لي. و بها أيضًا: أخفي هشاشتي من ضحكة السقوط و أدفنُ أحلامي التي لا تتحقق”.