أخبار وتقاريرإختيار المحررالعرض في الرئيسةحوارات

النائب حاشد في حوار ضافي: مواجهة الظلم تحتاج احتشاد وارادة الفساد اصبحت اقوى من الارادة السياسية

يمنات 

أحمد سيف حاشد عنوان معارضة من الطراز الفريد والمتميز في الساحة السياسية اليمنية. يرفض عناوين الاصطفاف ويحلم بوطن للجميع. في حوار استثنائي أجرته معه شبكة “النقار” يتحدث النائب حاشد عن الحال الذي وصل إليه البلد ومؤسسات الدولة والمجلس البرلماني على وجه الخصوص، في ظل ما أسماها سلطة متوجسة خائفة، ومفتقدة للثقة بنفسها. في هذه المقابلة يتحدث القاضي حاشد عن الهامش الذي بقي من الدستور، وعن الفساد الذي أصبح العنوان الأبرز لحياة اليمنيين.

– حاولنا تشكيل إطار حقوقي مدني لمتابعة قضايا المخفيين قسراً لكن تم إجهاضه

– أتمنى أن يعيد محمد المقالح النظر في قراره ويعود إلى وسائل التواصل

– نحن نحتاج إلى احتشاد في مواجهة الظلم وتقويض ما بقي لنا من هوامش وبقايا دستور وقانون ومؤسسات

– هناك خلل تكويني في مجلس النواب وهيئة رئاسته وأمانته العامة

– نتعرّض في البرلمان للابتزاز واغتصاب ومصادرة حقوقنا الرقابية والمادية ويتم تمرير ما لا يمرر

– لجنتنا البرلمانية المختصة بالحريات وحقوق الإنسان تعمل بإذن الأمن والمخابرات

– سلطة الأمر الواقع في صنعاء تدأب على تغييب البرلمان والحكومة عن كثير من مخرجات مفاوضاتها مع السعودية

– نعيش حالاً بائساً وواقعاً مشوهاً يسوده غياب أو تغييب المؤسسات

– المؤشرات تشير إلى نية سلطة صنعاء لإخراس بقايا الأصوات المنتقدة في الداخل

– إرادة الفساد تحولت إلى سلوك وباتت أقوى من الإرادة السياسية

– لا توجد دولة في صنعاء والسلطات الثلاث في حقيقتها شكلية وديكورية

– سلطة صنعاء ترى أن أي تنظيم حقوقي أو سياسي مصدر تهديد لها ولممارساتها القمعية

النقار: لماذا لم يعد للبرلمان في صنعاء القدرة على الرقابة والمحاسبة؟

حاشد: يوجد خلل تكويني في المجلس وهيئة رئاسته وأمانته العامة استمر في الاتساع حتى اتسع الرقع على الراقع، وفي الموازاة استمر تراجع دوره الرقابي الذي شهد انحساراً مستمراً وصل، أو أوصلوه، إلى حد التلاشي والزوال. 

النقار: كيف أصبح مجلس النواب وهيئته الرئاسية يُداران من خارجه ما أحدث هذا الاختلال التكويني كما تصفه؟

حاشد: هيئة رئاسة المجلس جاءت واستمرت نتيجة صفقات سياسية معلولة، وعلى حساب “ألف باء” الديمقراطية، وقبله على حساب انتهاك واستباحة النصوص الدستورية والقانونية، وخضوع ظَلَّ يزداد ويستمر لصالح السلطة الخفية التي مارست أقصى عمليات التطويع والإخضاع ضد سلطته واستقلاليته، بل والنيل مما بقي له من هامش حسير، وصل حد تحويله إلى محلل سهل وطيِّع لرغبة وإرادة السلطة الخفية.

إعاقة أو خلل آخر ظل يكبر في أمانته العامة بعد فرضها على المجلس من خارجه، وبعيداً عنه، ثم تحوّلت هذه الإعاقة إلى ما يشبه العاهة بمساندة أو خضوع هيئة رئاسة المجلس بالموافقة والقبول، وهشاشة المجلس ذاته “يزيد الطين بلّة”. كل هذا جاء على حساب أداء المجلس ودوره الرقابي على نفسه، وما عدمُ إنجاز حساباته الختامية طوال سنواتٍ خلت سوى وجهٍ لهذا الخلل والانحسار الذي استمر.

إن التزاوج غير الشرعي بين هيئة رئاسة المجلس والأمانة العامة، وكلاهما تم فرضهما من الأعلى، قد أدى إلى علاقة مشوّهة وغير شرعية، تخلَّق منها مولود مسخ ومشوّه، جاء على حساب الدور الرقابي المناط بالمجلس، وبالنتيجة من لا يستطيع أن يراقب نفسه، لن يستطيع مراقبة غيره.

النقار: من المسؤول عن هذه الفوضى الدستورية التي تعبث بمجلس النواب ودوره التشريعي والرقابي؟

حاشد: هذا الانحسار أو التلاشي لما بقي من هامش دور رقابي للمجلس تتحمله في المقام الأول سلطة الغلبة التي مارست غلبتها وسلطتها على المجلس، تليها هيئة رئاسة المجلس، ثم الأمانة العامة للمجلس، ليصل الأمر إلى الأعضاء الذين اعتادوا على الطاعة والخضوع، والتفريط بما بقي لهم من هامش كان بالإمكان الحفاظ عليه، وبالتالي وجد المجلس نفسه أمام هامش لم يبق منه إلا ما هو صوري وزائف.

ومن الأسباب المهمة التي أفرغت ما بقي من هامش رقابي للمجلس أن الجهات التي تمارس السلطة، أو السلطة الخفية، تفرض سلطتها بغلبة من خارج المؤسسات والأطر الدستورية والقانونية، مثل اللجنة الاقتصادية العليا على سبيل المثال لا الحصر، فهي جهة تتخذ القرارات التنفيذية الاقتصادية الخطيرة بعيداً عن الحكومة، بل وبعيداً حتى عن رئيس وزرائها، ولا تتحمل تلك اللجنة أي مسؤولية جراء أي فساد أو فشل أو إخفاق.

كما أن رئاسة المجلس السياسي الأعلى، ومكتبها، وديوانها، نقلت بعض الجهات الإيرادية من هيكل الحكومة إلى الرئاسة، وتلك الجهات على سبيل المثال لا الحصر، الاوقاف والزكاة والتعاون الدولي والإنساني، وهذا أيضاً أضعف الدور الرقابي للمجلس على هذه الجهات.

النقار: ما هي جهات الضغط ووسائل إخضاع قرار المجلس وأعضائه؟

حاشد: لقد مارست الرئاسة ومكتبها وديوانها، مع هيئة الرئاسة وأمانتها العامة، كثيراً من سياسة وسلطة الإخضاع للمجلس، وابتزاز اعضاء المجلس بحقوقهم بما ينال من استقلالهم إلى حد بعيد، بل وصل الأمر إلى تعديلهم بعض النصوص القانونية التي يقرّها المجلس، حيث نتفاجأ بإصدارها خلاف ما تم إقرارها في المجلس، ودون العودة إليه، وتمرير ما تريده السلطة من تشريعات غير دستورية كالقانون الموجّه ضد البنوك وودائع المواطنين، والذي نال منها على نحو فاجع ومريع وغير مسبوق، ومثلها التعديلات القانونية المتعلقة بالجبايات والضرائب والجمارك وغيرها حيث جاءت بما يخدم الفساد والإحلال الاقتصادي، وعلى حساب الرأسمال الوطني، بعيداً عن رقابة مجلس النواب وسلطته.

والأهم عدم تقديم الحكومة موازناتها وحساباتها الختامية للمجلس طوال سنوات هذا المجلس في عهد سلطة الغلبة والأمر الواقع، وقد تسبب هذا بشلل الدور الرقابي للمجلس، واستلاب اختصاصاته، وأهم سلطاته الرقابية الدستورية، ما أدّى إلى تحويل رقابة هذا المجلس إلى حالة صورية كاذبة وخادعة، إن لم يكن قد أدى إلى شلل تام وموت صارخ للرقابة المرجوة حتى في إطار هامشها.

ملاحظة أخرى جديرة بالإشارة، هي أننا نحن الأعضاء في هذا المجلس نتعرّض لكثير من الابتزاز واغتصاب ومصادرة حقوقنا الرقابية والمادية، ليجري تمرير ما لا يُمرَّر من خلال هذا الابتزاز الصارخ وغير المعلن، ومن أمثلة اغتصاب حقوقنا الرقابية تعطيل دور لجان المجلس في النزول الميداني وتغيير إدارة اللجان دون العودة إليها، أو حتى علمها بما يخالف “قانون المجلس” اللائحة الداخلية للمجلس.

فمثلاً لجنة الحريات وحقوق الإنسان في المجلس والتي أشغل موقع مقررها منذ عامين، يتم رفض نزولنا الميداني للسجون ومراكز التوقيف والاحتجاز بعد أن تم منعنا وقطع نزولنا الميداني السابق في أوله قبل حوالي عامين.

لأول مرة أعرف أن نزولنا الميداني في لجنة الحريات وحقوق الإنسان للسجون يحتاج إذناً من جهاز الأمن والمخابرات الذي ينتهك، بل ويستبيح كل يوم الدستور والقانون والحقوق.

أن تعمل لجنتنا البرلمانية المختصة بالحريات وحقوق الإنسان بإذن الأمن والمخابرات ليس فقط بالأمر المزري أو حتى أكثر من المزري، بل هو كارثي بكل المقاييس، ونحن نتحدث عن الدور الرقابي للمجلس، وعن الحريات وحقوق الإنسان، وما يطالها من انتهاكات واستباحة.

النقار: في العام 2017 قدم البرلمان في صنعاء مبادرة لوقف الحرب في اليمن وحينها شن أنصار الله هجوماً على البرلمان وعلى المبادرة واتهموا البرلمان بالخيانة وبيع “دماء الشهداء” والتفريط في السيادة وغيرها من التهم، هل ما يحدث اليوم هو تناقض لما حدث في العام 2017؟

حاشد: المبادرة لم تكن لوقف الحرب، وإنما كانت بصدد وضع الموانئ تحت إدارة الأمم المتحدة بمبرر استخدام إيراداتها في صرف المرتبات.

كان موقف الجماعة في البداية ملتبساً، ولكن في النهاية ذهبوا منفردين للموافقة على تسليم ميناء الحديدة، فيما يعرف باتفاق “ستوكهولم” وبنفس ذريعة صرف المرتبات. ويبدو أن المؤتمر كان رافضاً هذه المبادرة، فعمل كما يبدو على الالتفاف على ما هو مطروح، لتشمل المبادرة كل الموانئ اليمنية تحت الإدارة الاممية، ما سيؤدي للحيلولة دون مرور هذه أو تلك.

أنا كنت العضو الوحيد ضد هذه الخطوة وتلك، والتي لا تخلو من مغامرة ومقامرة. كان موقفي منفرداً داخل البرلمان لكونها انتهاكاً للسيادة الوطنية سيجري تشريعه عبر البرلمان، ولمعرفتي المسبقة بأن مبرر صرف المرتبات هو مجرد ذريعة لتبرير هذا التشريع، ودون أن يتم صرف المرتبات التي تم استخدامها كطُعم لتمرير هكذا تشريع يصل حدَّ التفريط و”الخيانة”. علماً بأننا تقدمنا بمبادرة من خلال الإعلام تتضمن تسليم إدارة الميناء لإدارة وطنية محايدة لتقوم بهذه المهمة، ولكن تم رفضها من قبل الجماعة، وتم شن هجوم إعلامي ضدنا من قِبَلها.

النقار: ماذا عن الوقت الراهن، هل لدى مجلس النواب في صنعاء علم بتفاصيل التقارب الأخير بين أنصار الله والسعودية؟

حاشد: لا نعلم في مجلس النواب ما هو هذا التقارب بين أنصار الله والسعودية، وما هي محدداته، حيث يتم تعمُّد تعميتنا، وعدم إعلامنا أو إطلاعنا بما يدور خلف الكواليس من مفاوضات تجريها سلطة الأمر الواقع في صنعاء، والتي تدأب على تغييبنا في المجلس عن كثير من مجريات ومخرجات مفاوضاتها مع المملكة ومع غيرها. نعم، لا يجري إطلاعنا كمجلس نواب عن هذا التقارب أو الاتفاق، ولا حتى عن محددات رئيسية لأي اتفاق قادم.

وهذا لا ينطبق علينا فقط، بل وأيضاً على وزير خارجية حكومة صنعاء الذي لا يتم إطلاعه على ما يجري من مفاوضات، وهو أمر يدخل في نطاق دهشة اللامعقول واللاممكن، الأمر الذي يكشف مدى تغييب الحكومة، وتغييب المؤسسات، وتغييب الوزارة التي يجب أن تكون معنيّة بالمفاوضات، علماً بأن هناك مفاوضات يجريها الوفد الذي يرأسه محمد عبدالسلام، وهو الوفد المحصور في فئة معينة بالجماعة، وهناك من جهة أخرى مفاوضات الرزامي وقرشة، حيث يتواصلون ويفاوضون المملكة دون أن نعلم ويعلم وزير الخارجية شيئاً عنها. وهما أيضاً من نفس الفئة في الجماعة، وهناك “وزير خارجية” الجماعة في صنعاء حسين العزي، الذي يشغل نائب وزير الخارجية في الحكومة، فيما وزير الخارجية الرسمي في حكومة الإنقاذ هشام شرف، وهو يمني ومن خارج الفئة، ومن خارج إطار الجماعة، لا يتم إعلامه أو إطلاعه عما يحدث من مفاوضات هي أصلاً من صُلب اختصاصه. إنه وضع وحال يمكن وصفه بالخاص و”المكركب” بعيداً عن أي مؤسسية أو تراتبية رسمية.

إننا نعيش حالاً بائساً وواقعاً مشوهاً يسوده غياب أو تغييب المؤسسات، والتراتبيات، والأطر الدستورية والقانونية، وتحل محلّها سلطات معلنة وغير معلنة، خفية وظاهرة، دون أن نعلم كثيراً مما كان يجب أن نعلمه ونعرفه كنواب للشعب، أو كمواطنين وكشعب عريض يزيد عدد سكانه على الثلاثين مليون إنسان لا يعرف بما يطبخون له.

النقار: هناك أصوات معارضة سكتت فجأة كالبرلماني عبده بشر والسياسي محمد المقالح وغيرهما، برأيك ما سبب هذا السكوت؟ وهل ترون في سكوت أي صوت معارض خسارة للبلد؟

حاشد: نعم بالتأكيد خسارة، ويترك فراغاً بيّناً في ظل ما نعيشه من انحسار وتلاشٍ، ومع ذلك شخصياً أقدّر ظروف كل شخص، وما تحيطه من ضغوط أو ظروف، وألتمس لهما العذر.

نحن نحتاج إلى احتشاد في مواجهة الظلم وتقويض ما بقي لنا من هوامش وبقايا دستور وقانون ومؤسسات. نحتاج إلى الاحتشاد في وجه الفساد المتغوّل والمهول، والانتهاكات الفظيعة المستمرة والمتضاعفة، ومقاومة الاستبداد الذي بات يكبر ويتسع، والحيلولة دون الذهاب نحو الطغيان المريع.

يوجد فراغ كبير لا يوجد من يشغله، لاسيما في ما هو مناهض للفساد والظلم والاستبداد، وما يزيد مخاوفنا أن المؤشرات تشير إلى نية إخراس بقايا الأصوات المنتقدة في الداخل، والأخطر أن هذا يجري على نحو ممنهج ومتزايد وبما يستهدف ما بقي من هامش حقوق وحريات ليسود ويحل محله الصوت الواحد، واللون الواحد، والسلطة المطلقة. ما يجري هو قمع وإخراس الأصوات المعارضة في الداخل على قلَّتها، بخيارات الترغيب والترهيب.

أما بخصوص الأستاذ محمد المقالح فقد أعلن في آخر تغريدة له عن السبب، مقروناً ببطاقة حمراء. ونصَّت التغريدة: “سأغلق تويتر حتى نرى مشهداً آخر غير الذي نحن فيه”.

موقف محمد المقالح هو بتقديري موقف احتجاجي سجَّله عقب اعتقال القاضي عبدالوهاب قطران. عموماً ما أتمناه هو عودته عاجلاً، وإعادة النظر في قراره، ونحن نعيش الشهر الثالث من غيابه؛ لأن سلطة الغلبة تستمري مثل هذا الاحتجاج والاحتجاب، بل وترتاح له، وتتمناه منذ زمن، وتريده أن يكون إلى الأبد. أتمنى أن يكون هذا الغياب أو يتحول إلى استراحة محارب مازلنا ننتظر عودته أو لا يطول غيابه.

أما زميلي عبده بشر عضو مجلس النواب، فيبدو لي أنه قد عاد بعد انقطاع لا أظنه إلا استراحة محارب.

النقار: بصفتك نائباً في البرلمان وتعرف كيف يُدير أصحاب القرار في صنعاء الدولة، يتساءل الشارع لماذا تتعامل الحكومة ومُشرفوها بشكل سلبي مع توجيهات قائد جماعة “أنصار الله” فيما يخص الإصلاحات الإدارية ومحاسبة المسؤولين في إطار مكافحة الفساد، بينما يكون التجاوب سريعاً وفاعلاً في غير ذلك؟

حاشد: إذا كنا لا نريد أن نزيّف الوعي في ما يجري فيمكن القول: في الحقيقة والواقع لا توجد دولة. الحكومة لا تحكم، والنافذون فيها أقل من عدد أصابع اليد الواحدة من قوام يزيد عن الأربعين وزيراً. السلطات الثلاث التي نراها على السطح في حقيقتها شكلية وديكورية، ولا تتمتع بصلاحيات وسلطات حقيقية في الواقع، وتجري إدارتها من قبل السلطة الخفية التي بيدها الزمام واللجام، بل وكل السلطات والصلاحيات المطلقة.

أظن أن غياب الإرادة السياسية هي السبب الأول في تغوّل الفساد واستشرائه، وكلما تأخر قرار المكافحة وغابت الإرادة السياسية في مكافحة الفساد، كلّما اتسع اليأس في مكافحته، واستحال ليصل الأمر إلى الحد الذي يطيح الفساد بمن يريد أو يحاول أن يكافحه.

الإرادة السياسية حيال الفساد بدأت بمقولة “مش وقته”، فوجد الفساد في الحرب ضالَّته واستمر وكبر وتربرب في أكناف الحرب، حتى بات مهولاً وعصياً على المكافحة بالوسائل التقليدية.

باتت إرادة الفساد أقوى من الإرادة السياسية إن أرادت مكافحته، هذا إن لم تصر هي الأخرى على بعض منه. بات الفساد السياسي يتربع ويهيمن وله سلطة بمخالب وأنياب. تحوَّل الفساد الإداري إلى عُرف وسلوك مدعوم بالفساد السياسي، وبات الفساد المالي معتاداً وعريضاً ومتمكناً. صارت الإرادة داعمة لمزيد من الفساد والإفساد الذي يقوّض ما بقي من إدارة ومؤسسات ودستور وقانون ومواطنة.

تغوَّل الفساد ثم توحش، وبات مطلق اليد والقرار، متسلطاً ومستبداً ويشتد في قمع خصومه مع كل خطوة يخطوها نحو مزيد من التمكين. يركض حثيثاً نحو الطغيان. كلما مر مزيد من الوقت كلما بات الفساد مستعصياً ليس اجتثاثه، بل حتى وقفه عند حده. بات الفساد يستأثر بكل شيء.

النقار: ماذا حدث للأجهزة الرقابية؟

حاشد: جميع الأجهزة الرقابية وبمختلف مسمياتها إما تم إفسادها هي الأخرى، أو تم إخضاعها وتدجينها، أو تقييدها إلى حد بعيد. أظن أن الكلمة العليا اليوم قد باتت للفساد لا لغيره، وأي محاولة للإطاحة بالفساد أتوقع أن الفساد والمصالح التي تكونت خلال تسع سنوات قادرة على أن تطيح بمن يحاول أن يطيح به وبها، أو هكذا أتصور الأمر.

اليوم الفساد لا يحتاج إلى إصلاح، بل يحتاج إلى ثورة عميقة وعريضة للإطاحة به. لم يعد ما هو تقليدي قادراً على وقف الفساد أو تقويضه. الهروب إلى الأمام بأي ذريعة أو سبب مهما كان كبيراً، ربما يؤجل الاستحقاق أو الانفجار، ولكنه لا ينزع الفتيل، صار الفساد اليوم أقوى على ما عداه.

النقار: لماذا لا نجد حتى الآن تكتلاً سياسياً أو حقوقياً للأصوات المعارضة في الداخل، حيث ما زالت تلك الأصوات متفرقة وفردية؟

حاشد: سلطة صنعاء تمنع ذلك، فمجرد ما يجري أي تجمع منظم أو حتى تنسيق لمثل هكذا تكتل لن تتردد في سحقه بدكاكة من حديد، وفي أفضل حال ستقوم بتوجيه كل أشكال القمع والقسوة ضده؛ فهي ترى أن أي تنظيم حقوقي أو سياسي مصدر تهديد لها ولممارساتها القمعية، ولن تتردد في سحقه أو وأده.

لقد حاولنا في صنعاء تشكيل إطار حقوقي مدني لمتابعة قضايا المخفيين قسراً ليكون نطاق عمله شاملاً اليمن كله لا صنعاء فقط، وبعد ثلاثة أو أربعة اجتماعات في مقر الحزب الاشتراكي تمهيداً لإعلانه؛ تفاجأنا على نحو صادم بإجهاض تلك المحاولة قبل أن تبدأ، أو يبدأ الإعلان عنه، وبالتالي حال تدخل السلطة دون استكمال ما بدأناه.

النقار: وما الذي يجعل السلطة في صنعاء تخاف من نشاط حقوقي قد يعالج الاختلال الذي تعانيه؟

حاشد: إننا نعيش في ظل سلطة متوجسة، خائفة، ومفتقدة الثقة بنفسها، لا تريد وجوداً لغيرها معها، ولا تريد أن يكون لها منافس محتمل في المستقبل على الأرض والسكان الذين تفرض سلطتها عليهم، وكلما زاد تمكينها زادت شراستها وتوحشها واستفرادها، وزاد إقصاؤها للمغاير أو المختلف معها، مهما كان وزن هذا الاختلاف ضئيلاً، فيظل توجسها أشد وأثقل لا تهدأ حياله حتى تقطع دابره.

صنعاء لم تسمح بمنظمة حقوقية للأطفال استمررتُ في متابعتها قرابة العام دون فائدة. تريد كل مُستحدَث في صنعاء وما والاها أن ينتمي لها فقط، أو يصب في مصلحتها مهما كان صغيراً ومحدوداً. إنها تنظر لكل شيء خارجها بعين الشك والريبة والممنوع.

لقد تقدمت للجنة شؤون الأحزاب عام ٢٠١٥ لتشكيل حزب الإنقاذ دون جدوى، وتابعت مع أصدقاء لتشكيل وإعلان حزب آخر بعد ٢٠٢٠، وتفاجأنا بإبلاغنا بوجود تعميم يمنع ذلك.

إذا كان هذا يحدث على الصعيد المدني والحقوقي، فكيف يكون الحال على الصعيد السياسي؟ اليوم نرى الجماعة تدأب على تضييق ما هو موجود على كافة الأصعدة والمستويات، ويصب في نفس الاتجاه، وما يحدث ونراه من إحلال في الاقتصاد والتجارة، وما يقوم به وزير التجارة والصناعة منذ تعيينه لا يخرج عن هذا الإطار.

النقار: إذن هل الشراكة السياسية القائمة اليوم في صنعاء هي شراكة حقيقية أم صورية، ولماذا؟

حاشد: انتهت شراكة الجماعة مع المؤتمر بقتلها لصالح، وهي اليوم شراكة صورية إلى حد بعيد، ولن تتردد الجماعة في إخضاع الشريك الصوري إذا ما حاول أن يكون له رأي مستقل ومغاير، أو موقف متصادم مع موقفها الذي تعتبره من ثوابتها ومحددات سياساتها.

إن إبقاء حزب المؤتمر على حاله إلى موعد انفراجة ربما تأتي، ويستطيع من خلالها بعدها أن يمارس وجوده وخياراته وتحرره من ربقة الحال الذي يعيشه لاسيما في مثل هذا الضيق والظروف الثقيلة التي تعيشها صنعاء وتحيط به، أظنه مكسباً للمؤتمر في الحفاظ على ما تبقَّى، بل ومعجزة كبيرة يجترحها رئيسه صادق أمين أبو راس، ومع ذلك يجب ألا يذهب الأمر إلى حد التماهي مع سياسات الجماعة التي يمكن أن تفقده كل شيء، فشيءٌ يظل أفضل من لا شيء.

إذا كان رئيس حزب المؤتمر صادق أمين أبو راس بمجرد إلقاء كلمة أشار فيها إلى موضوع المرتبات، وقضايا أخرى من الأهمية أن يكون له فيها رأي أو كلمة أو موقف، ماذا حدث بسببها؟! لقد أقاموا عليه قيامة، وداهمته التهديدات المرعبة والتخوينات الكبيرة، في إطار حملة إعلامية شرسة، كثر فيها السب واللعن والشتائم. لقد تم رميه بأغلظ التهم جزافاً، بما فيها تهم التخوين، وما كانت لتنتهي تلك الحملة إلا بحياته، أو بتقسيم وإضعاف الحزب، أو بوضع نهاية له في صنعاء وما والاها، لولا تدخل زعيم الجماعة.

النقار: ما الفرق بين العام 2015 والعام 2024 على المستوى الحقوقي والسياسي في صنعاء؟

– ما كان متاحاً في ٢٠١٥ بات أضيق أو غير متاح في العام ٢٠٢٠، وما كان متاحاً في العام ٢٠٢٠ بات أضيق أو منعدماً في العام ٢٠٢٤، وكلما مضينا نحو المستقبل نجد مزيداً من التضييق والتشدد والاستفراد بالسلطة.

كلما مضينا نحو المستقبل كلما اشتدت القبضة الأمنية حتى بلغت حد التنكيل والعقاب للصوت الفرد، وما حدث للقاضي عبدالوهاب قطران خير شاهد ودليل.

النقار: كنت في السابق من المؤيدين لأنصار الله، واليوم أصبحت من معارضيهم، ما هو السبب وراء تغيير موقفك منهم؟ 

حاشد: كنا مع المظالم لا معها، وعندما بدأت الجماعة تتمكن باتت تنكشف أكثر فأكثر مع كل تمكين. لقد مارست معنا “التُّقية”، وعندما تمكنت اكتشفنا مشروعها الذي لا يؤدي إلا إلى استبداد وطغيان.

لقد جاءت الجماعة إلى السلطة تحت عنوان الجرعة والمظلومية ومكافحة الفساد، ثم بدأت تفقد حساسيتها من الفساد، ثم تعايشت معه وتواطأت حياله، ثم انتقلت إلى الفساد المهول، مع قمعها لمناهضيه بقسوة وتسفيه، وتخوين كاشفيه.

لقد كان لي حيال الجماعة باكراً تحفظاتي المستمرة وعلى الدوام. صحيح أننا عملنا على مشتركات فيما سميناها “حملة ١١ فبراير ثورة ضد الفساد”، وكانت لدينا أهداف محددة، وميثاق شرف التزمنا به، غير أن أول انقلاب للجماعة تم تنفيذه في صنعاء هو الانقلاب علينا أو ضدنا، وضد ما اتفقنا عليه من أهداف، وضد ميثاق شرف كان بالنسبة لنا بمقام عهد وميثاق، فتم الانقلاب والفراق والافتراق قبل ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ وتحديداً في تاريخ ٥ أغسطس ٢٠١٤.

مواقفي واختلافي مع الآخرين كانوا أفراداً أو مكونات سواء بالتقارب أو التباعد أو الاختلاف، تتعلق بالسياسات العامة، وليس بالأشخاص.

النقار: لننتقل إلى قضية اعتقال القاضي قطران، ما الجديد بشأنها؟ وما مبرر رفع الحصانة عنه، وهل مازال جهاز المخابرات متمسكاً بتهمته للقاضي بتجارة الخمور؟

حاشد: لا جديد لديَّ في الأمر. لقد تم اعتقال القاضي عبدالوهاب قطران على خلفية آرائه ومواقفه السياسية، وهو أمر واضح كالشمس. تم استباحة حقوقه الدستورية والقانونية على خلفية تلك المواقف والآراء لا غيرها، وما عدا هذا كان مجرد ذرائع ومبررات كلنا صرنا نعرفها.

النقار: بعد اعتقال القاضي قطران والاعتداء على مجلي الصمدي وكذلك الدكتور إبراهيم الكبسي، هل تتوقع أن يأتي الدور عليك؟

حاشد: كل الاحتمالات، بما فيها أسوأها، واردة بالنسبة لي، وأتوقعها في كل حين.

النقار: إذا عدنا إلى محمد المقالح، قلت إن غيابه مرتبط باعتقال قطران، لماذا؟

حاشد: ربما كان احتجاجاً أو تضامناً مع القاضي عبدالوهاب قطران الذي تم اعتقاله بتلك الطريقة، وما ساد ذلك الاعتقال من انتهاك واستباحة وتلفيق وإجرام.

النقار: وماذا عن الأكاديمي في جامعة صنعاء الدكتور إبراهيم الكبسي؟ أين اختفى؟

حاشد: بحسب علمي أنه تم الاعتداء عليه بقسوة وانتقام صارخ قبل عام تقريباً، وحالما ذهب ليشتكي لقسم الشرطة وهو يمضغ قهره وجروحه، تدخلت جهات أمنية أخرى، وتم احتجازه وإلزامه بتعهد بعدم الكتابة، وتم الإفراج عنه بضمانة كبيرة تمنعه من الكتابة والنشر، وحق الرأي والتعبير.

النقار: لو عُرض عليك تولي منصب في حكومة صنعاء، هل ستقبل؟ ولماذا في حال القبول أو الرفض؟

حاشد: لن أقبل.. وكفى.

النقار: سيادة النائب، بعد ما قلته في هذا الحوار، هل هناك أمور لم يستطع أحمد سيف حاشد كشفها؟

حاشد: أشير بكل تأكيد إلى أن هناك أموراً أخرى أشد وطأة لا أستطيع الإعلان أو التحدث عنها.

المصدر: شبكة النقار

زر الذهاب إلى الأعلى