فضاء حر

ياسين .. سنبكيك كما يبكي الشيعة الحسين

 

ماذا لو كان المستهدف في جولة سبأ واحدا من عتاولة النظام السابق ، بشقيه الموالي والمعارض  ، اي واحد من فصيلة دم علي عبد الله صالح او فصيلة دم علي محسن الأحمر ، ثم ماذا لو كان هذا المستهدف هو واحد من اولاد الشيخ عبد الله الأحمراو الشيخ الشايف ، او احد ابنائه اوغيرهم من اعفاط القبيلة ومن عتاولتها ممن دوخوا هذا البلد على امتداد ثلث قرن من الزمن وما زالوا حتى هذه اللحظة.

هو مجرد افتراض فقط ان يكون واحدا من هؤلاء هو من مر بسيارته من جولة سبأ، دون موكبه الجرار والمعتاد معتمدا على سائقه ، وحارسه الشخصي فقط ، وحصل له ما حصل للدكتور ياسين سعيد نعمان ، السؤال هنا ما ذا كان سيحل بصنعاء وبالبلد في ظل بقاء مفاصل القوة والثورة في ايدي هؤلاء العتاولة ممن كانوا شركاء الأمس في السلطة ، وفي الثروة خصوم اليوم  ، على هذه المغريات ذانها … الله وحده كان يعلم ماذا كان سيحل بالعباد وبالبلاد.

حين كنت افكر بما سيكون عليه الرد من قبل الدكتور ياسين ، وبالتحديد فيما اذا كان سيفكر بمغادرة صنعاء الى عدن كورقة ضغط على الرئيس هادي، كي يلتفت الى ضبط سوقه المنفلت امنيا على الآخر، بفعل تعدد مراكز القوى التي تحكم سيطرتها وقبضتها على ما يقع تحت يدها من مساحات جغرافيه في اطار جغرافية العاصمة ، فوجئت بهذا الرد في صدر الصفحة الأولى من صحيفة الأولى الصادر يوم الأربعاء الموافق 29 /8/2012م ، من خلال صورة ظهر فيها الدكتور ياسين وهو منهمك في تحريك قطعة من قطع الشطرنج الى الأمام ، ربما ايحاء منه لمن يفترض ان تصله هذه الرسالة ، بأن عجلة التغيير دارت وان البلد ماض في هذا التغيير الى الأمام ، مهما بلغ الطيش بالمتضررين من هذا التغيير.

رسالته الأخرى ان معارك البشرية التي تدار حاليا على الأرض ، ويفترض به ان تكون معارك فكر، واحدة من اهم ساحاتها هي مساحة هذهاللعبة الشطرنجية التي اتقن فنها الكثير من ملوك الأرض القدامى ، وقادتها النبلاء ممن لم يعرف الغدر، وخسة الفعل طريقا الى عقولهم ، والى نفوسهم ، والى سلوكهم كما هي خسة وسلوك الكثير من جبناء هذا الزمن الذي نعيشه ممن لا معارك لهم من خصومهم في الرأي غير تلك التي تزهق فيها الأرواح وتسترخص فيها الدماء ، وتعلي فيها آلة القتل والذبح ، على مكانة العقل ، وعلى الحجة التي يجب ان تقارع باالحجة لا بوسيلة اخرى قاتلة وربما مدمرة لبلد وشعب برمته.

من فكر بإغتيال الدكتور ياسين ، لا شك انه قرن اغتياله هذا بإغتيال الوطن ، وبالزج  بالناس في طول هذا الوطن وعرضه بصدامات دموية لا يعرف منتهاها غير الله وحده . اذ ما من شخصية وطنية يلتقي عندها الناس في هذا البلد وعلى مختلف وعيهم ، وثقافاتهم ، وتوجهاتهم السياسية اكثر من التقائهم ، والتفافهم حول شخصية الدكتور ياسين ، الذي يمثل لهذا البلد ولقاطنية قاسما مشتركا ، وصمام امان من اية مخاطر او مؤامرات تتهددهما ، نا هيك عن كونه بلسما طالما وجد فيه الناس شفائهم لحظة ان خفف من آلام جراحاتهم ، ومن اوجاعهم منذ تحقيق الوحدة قبل عشرين عاما ، وحتى لحظة استهدافه التي ايقضت الكثير من سباتهم لحظة استشعارهم بالخطر الذي يهدد حياة هذا المناظل ، والذي يعد تهديدا لحياتهم والموطن على حد سواء.

نقول لمن يتآمر على هذا الوطن ، وعلى قاطنية من خلال استهداف الرموز الوطنية على طريقة الإستهداف الذي عم البلد ، خلال 1993م ، ليطال الكثير من القادة السياسيين كمقدمة آنذاك – لحرب 1994م ، ولفرض الأمر الواقع المتمثل في هيمنة حكام صنعاء على الشمال وعلى الجنوب على السواء ، نقول له ، لقد تغيرت ارقام المعامه برمتها ولقد اضحت الرؤية اليوم اكثر وضوحا بعد انقشاع غمة هذا الوطن ، نحن اليوم امام فعل ثوري شعبي متناغم في اتجاه التغيير ، وفي اتجاه تصحيح ما افسده النظام السابق خلال عقود من الزمن ، وفي اتجاه احلال الدولة المدنية الحديثة محل حكم الأسرة والاستأثار بالثروة والسلطة ، استهداف الدكتور ياسين ، او الدكتور باذيب ، لن يعيد عجلة التغيير الى الوراء ، حتى لو اشرقت الشمس من الغرب ، وغربت من الشرق ، استهداف كهذا سيعجل فقط بزلزلة الأرض من تحت اقدام الفاسدين والمتآمرين على هذا البلد ، وببزوغ فجر يوم جديد ، وبثورة مختلفة كل الاختلاف عن ثورة فبراير2011م.

كم كنت اتمنى على فرقاء هذا الوطن من سياسيين ، وعسكريين ، وقبليين ، ان يترفعوا عن الصغائر ، وان يرتقوا الى المكانة التي وصل اليها فرقاء لبنان إبان الحرب الاهلية التي استمرت من 1976وحتى 1990م، هذه الحرب وعلى الرغم من شراستها ومن فضاعاتها ومن الدمار الذي الحقته بالأرض ، وباالإنسان ، الا انها اتسمت في محطة من محطاتها ، برقي الأنسان اللبناني حين اثبت انه لم يفقد كل شئ خلال حربه ، اذ ظلت كل مكوناته المتحاربة تحتفظ بقاسم مشترك بينها .. حتى وهي تدفع اثمانا باهظة لهذه الحرب الملعونه من دمائها ، ومن مستقبلها ، ومستقبل أجيالنا.

في يوم من الأيام ، وفي منطقة من مناطق الاتماس بين بيروت الشرقيه والغربية التي شاهدت انا شخصيا في نهاية تسعينيات القرن الماضي ، عند زيارتي لبيروت ، آثار الدمار الذي حل بمناطق التماس هذه . يقال وفي حكاية يتداولها اللبنانيون ان السيدة فيروز حين توقفت بها سيارتها في احدى هذه المناطق الخطرة نتيجة خلل في احد اطاراتها ، وحين تبين لفرقاء الحرب المتخندقين خلف المتاريس ان من يقف في هذا المكان هي السيدة فيروز بالفعل تدافعوا في اتجاهها للقيام من منطق انها قاسمهم المشترك الذي لم يختلفوا عليه يوما … كم اتمنى في هذا البلد ان تختلف على اي شئ يحكم تركيبتها الإجتماعية المعقدة ، وبحكم وعي بعضنا المتدني ، وبحكم ما تختزنه من سلاح ومن ذخائر ، تفوق ما بحوزتها من طعام ، لكن شريطة ان لا نختلف على رموزنا الوطنية ، وبالذات ممن افرزت الأحداث خلال عقدين من الزمن وطنيتهم ، وطهارة ايديهم من النلوث بسرقة ونهب المال العام او بدماء الأبرياء من ابناء هذا الوطن .

وما اخشاه في ظل محاولات الاغتيال هذه ، وفي ظل تقاعس الدولة عن القيام بمسؤولياتها الأمنية ان يصاب هذا الرجل العظيم بمكروه لا قدر الله ، عندها ما ذا يفيدنا ان تبكي عليه كما يبكي الشيعة الحسين في العراق وفي لبنان وايران ؟ ماذا يفيدنا ان نجلد ذاتنا  وظهورنا ذات يوم حزنا على هذا القائد والفيلسوف والثائر الوطني كما يجلد الشيعة ظهورهم، وكا يدمون رؤوسهم دون ذنب اقترفوه بحق الحسين … ما اخشاه ان يأتي يوم نجد فيه انفسنا في اطار نسيجنا الوطني المتحرر من الفرز المذهبي امام مشهد كهذا . ننتظر فيه موسمنا لنبكي فيه ونجلد فيه ذاتنا وانفسنا على الدكتور ياسين كما هو انتظار الشيعة لموسمهم السنوي الذي يجلدون فيه انفسهم على سيدهم الحسين.

صحيفة – الأولى

زر الذهاب إلى الأعلى