تعصب في غير موضعه

يمنات
لم يكن الأستاذ مطهر الإرياني موفقاً في المقدمة التي كتبها لمذكرات الرئيس عبد الرحمن الإرياني.
أظهر مطهر تعصباً للقحطانية ضد العدنانية بشكل عام, والأئمة بشكل خاص, وهو تعصب مبالغ فيه, وفي غير موضعه.
حاول مطهر الإرياني التأسيس للحركة الوطنية فعاد الى الحسن بن احمد الهمداني باعتباره "المؤسس الأول للمنطلقات الفكرية الوطنية للحركة التحررية اليمنية, ودفعته, كما يبدو ضرورة البحث عن النقيض للوطنية إلى تنصيب الهادي يحيى بن الحسين ليس كمؤسس للإمامة, بل كقائد للغزاة العدنانيين في اليمن, وتعبيراً عن "موجة من موجات التعصب القبلي الشمالي ضد اليمانية"!
لا خلاف حول يمنية الهمداني (ولد في 893- وتوفي في 947م) ورئسّيه الإمام الهادي (ولد في 859 وتوفي في 19 أغسطس 910م), كما لا خلاف حول الصراع العدناني القحطاني ذي الطبيعة العصبوية السلالية.
لكن الوطنية مفهوم حديث ظهر بعد ظهور فكرة الحدود, والوطن بمفهومه الحديث, وما بعد قيام الثورة الفرنسية, إثر إعلان بيان حقوق الإنسان والمواطن عام 1789م’ ثم بإعلان الدستور الفرنسي في 1791م. لهذا؛ فاستخدام الوطنية للمقارنة بين الهمداني والإمام الهادي أمر يفتقد للدقة, ويتضمن قدراً كبيراً من التجديف. ثم إن الصراع العدناني القحطاني كان قائما, ومازال, على النقيض من الوطنية, الوطن؛ إذ اعتمد, وقام على عصيبة النسب, وكل نسب وهم" كما يقول ابن خلدون.
الحديث عن الوطنية, دفع مطهر الإرياني إلى إجلاس الإمام على كرسي قائد الأئمة الغزاة لليمن, مع أن الهادي جاء الى صعدة كمصلح ديني واجتماعي, ثم أقام وأسس نظام الأئمة اعتمادا على شطر من أهل اليمن. ولتأسيسه دولته؛ فالدول لم تكن قائمة, حينها, على أساس وطني, بل على أساس شخصي, وسلالي, وعائلي, يديرها وارثون للسلطة, أو يؤسسها من لديه القدرة وأينما استطاع.
اتفق مع مطهر الإرياني في أن نظام الأئمة كان كارثياً على اليمن, غير أني اعتقد أن المبالغة في العصبوية ضد الأئمة ليس في صالح القراءة الموضوعية التاريخية للأحداث, فضلا عندما تكون مقدمة لمذكرات رجل بحجم عبد الرحمن الإرياني.
شرعت, مساء الخميس, في قراءة هذه المذكرات, واقتضى الأمر أن أبدأ بمقدمة مطهر, التي تخلق بسبب حدتها, وارتفاع نبرتها, تحيزاً وانطباعاً, مسبقاً على مذكرات القاضي ككل.
لقد وضع مطهر هذه المذكرات في زاوية هذا الاحتشاد العصبوي ذي الخلقية السلالية, وفي هذا ظلم للقاضي عبد الرحمن الإرياني ومذكراته, وهو يُعد من الشخصيات المهمة في التاريخ الحديث لليمن.
كان بإمكان الأستاذ مطهر أن يقول موقفه هذا في مكان آخر, ومناسبة آخري, غير تصدير مذكرات الرئيس الإرياني.
واللافت أنه رغم عصبوية مطهر الإرياني؛ إلا أن القاضي عبد الرحمن كان رصيناً لم يظهر تحاملاً وهو يذكر, في الفصل الأول, عند حديثه عن الغزو التركي لليمن, الإمام شرف الدين يحيى وأولاده, والإمام القاسم بن محمد وأولاده, إذ قال ما نصه: "وعلى أيديهم وبالسيوف اليمانية تم جلاء الأتراك من اليمن".
كذلك؛ وقع الأستاذ مطهر في فخ تبجيل هذه المذكرات, وهي مهمة بالفعل, غير أنه تجاوز ذلك إلى اعتبار ما ورد فيها مسلمات وحقائق, مع أنه لا يجري التعامل مع التاريخ بهذه الطريقة, وتخضع شهادات ومذكرات السياسيين للفحص والمراجعة والتدقيق دون أن يعني هذا التقليل من شأنهم, والملاحظ أن القاضي عبد الرحمن أبدى تواضعاً, في مقدمته, وأشار الى الضياع الذي لحق قسماً من مذكراته هذه, جراء الملاحقات التي كان يتعرض لها, بينها دخول القبائل إلى منزلهم في "إريان" وأكد أنه أعاد كتابة قسم منها من الذاكرة".
عن: الشارع