فضاء حر

قراءة في خلفيات وأفاق المشهد المصري الراهن (2 – 2)

 يمنات

الجيش المصري بين الإطاحة بالإخوان وحماية امن مصر القومي

ثمة معادلة لا يمكن إنكارها اليوم وهي نشوء علاقة إستراتيجية بين جماعة الاخوان المسلمين وأمريكا بموجبها حصل الاخوان على الدعم الأمريكي السياسي والدبلوماسي على الصعيدين الإقليمي والدولي، والدعم اللوجستي على مستوى الداخل المحلي الذي أصبحت الجماعة حاكمه فيه، مقابل قيام الجماعة بصفتها -جماعة دينية -ونظام سياسي أيضا – بخدمة ومساندة المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة والتزامها ضمنا بأمن الدولة الإسرائيلية من خلال تطويع الخطاب الديني والثقافي والسياسي العربي المعادي لإسرائيل لصالح استيعاب الأخيرة مرحليا كدولة صديقة غير معادية في المنظومة الجيوسياسية الجديدة التي تشكلت عقب الثورات الأخيرة في المنطقة العربية، والعمل معا في إطار هذه المنظومة لمواجهة مد المشروع الايراني الصاعد بقوة في المنطقة وتدمير تحالفاته القائمة في سوريا ولبنان..

الآن وعلى ضوء ما استجد في مصر ضد الاخوان المسلمين وإخراجهم من السلطة بواسطة الجيش المصري المسنود بغطاء شعبي وديني (الأزهر – الكنيسة) فان سؤالا جوهريا عميقا لم يتطرق إليه احد يفرض نفسه على المشهد وهو: هل فعلا يستطيع الجيش المصري الذي يتلقى دعما أمريكيا قدره مليار وثلاث مائة مليون دولار سنويا أن ينفذ ما قام به تجاه الاخوان دون ضوء اخضر أو موافقة ضمنية أمريكية؟؟؟؟ ان القول بان جيش مصر قام بذلك الدور دون اكتراثه بأمر أمريكا وموقفها الداعم والمتحالف مع الاخوان أمرا لا يستطيع الغالبية الاقتناع به وأنا منهم..

وفي المقابل إذا كان هناك ضوء اخضر أمريكي للجيش المصري فهذا معناه إن أمريكا قد قررت فك تحالفها الاستراتيجي مع الاخوان المسلمين ليس في مصر فحسب وإنما في كل بلدان المنطقة وهذا أمرا يستحيل تصديقه إطلاقا، لان أمريكا وبعد دراسات بحثية طويلة لتاريخ الشعوب العربية وقراءات متتالية لواقع منطقة الشرق الأوسط الذي أوشك أن يقع تحت نفوذ المشروع الايراني..

خلصت إلى أن الأنسب لحفظ وتحقيق مصالحها في المنطقة مستقبلا هو وصول جماعات الإسلام السياسي إلى سدة الحكم تفاديا لأخطار تلك الجماعات التي إن ظلت مقموعة سياسيا في ظل سيطرتها علي الشارع المجتمعي المعادي للمصالح الامريكية فستقود المنطقة كلها إلى هاوية سحيقة وان بعد حين وهذا لا يخدم مصالح الغرب هذا من ناحية ومن ناحية أخرى كون هذه الجماعات الدينية هي القادرة بنفس الوقت وعبر خطابها الديني على اختزال وإلغاء الخطاب التاريخي التعبوي المعادي لإسرائيل و الذي يغذي فكر وأدبيات المقاومة المسلحة ضد إسرائيل وأمريكا أحيانا وكذلك قدرتها على تحشيد الشعوب العربية لمواجهة المشروع الايراني اعتمادا على الخلافات التاريخية والتباينات العقائدية والمذهبية القائمة بين الشيعة والسنة.

وعلى ضوء هذه الاعتبارات مجتمعة ساندت أمريكا والمنظومة الغربية جماعة الاخوان المسلمين للوصول إلى سدة الحكم عقب ثورات الربيع العربي ومن ثم بنت إستراتيجيتها المستقبلية في المنطقة على أساس هذا التحالف القائم بينها وبين الاخوان المسلمين وفقا للمحددات السابقة.

لذلك يصعب القول تماما بان أمريكا قد ضحت بالاخوان في مصر وفكت تحالفها معهم، كما يصعب التصديق بان أمريكا لا تملك الأدوات التي تمكنها من الضغط على الجيش المصري، ليقدم هذا الجيش بالإطاحة بالاخوان متحديا للموقف الأمريكي..

إذن أين يكمن الخلل وعلى ضوء أي معادلة يمكن قراءة معطيات الواقع ومواقف كل الأطراف الفاعلة فيه لاسيما في ظل المعطيات التي طفت واضحة في الواقع وأهمها : سرعة تدخل الجيش المصري وإصراره على مواصله ما يقوم به بشي من الثقة، وكذلك موقف ممالك النفط المساند للجيش المصري وضخ تلك الممالك لمبلغ 12 مليار دولار إلى الخزينة المصرية دعما لمصر ومباركه لإسقاط الاخوان إضافة إلى تلكؤ الإدارة الأمريكية في صياغة موقف واضح تجاه ما يحصل في مصر؟؟؟؟

إن قراءة موضوعية للأحداث في سياقها الاستراتيجي العميق المتمفصل في طبيعة علاقة جماعه الإخوان بأمريكا و الذي يتجاوز المحددات الظاهرية للمشهد الواقعي كفيله لان تقود إلى استنتاجات وحقائق تقف وراء المشهد المصري وتصاعده الدراماتيكي القوي و تنطوي على تقديم تفسيرات دقيقة وصارمة لموقف الجيش المصري ودوره في الإطاحة بالاخوان دون اكتراثه لموقف أمريكا وبسرعة فائقة..

 تلك الحقائق التي لم يصدرها المشهد السياسي والإعلامي بعد (باستثناء ما نشرته صحيفة الوطن المصرية قبل أيام لما دار من حديث بين مرسي والسيسي في أخر لقاء بينهما قبل اندلاع الثورة في 30 يونيو ذلك اللقاء الذي قال فيه السيسي لمرسي حرفيا في سياق حديث طويل: أنت متهم بقضايا تمس الأمن القومي المصري وتفرط بحقوق ومكتسبات شعب مصر ولدينا الأدلة التي تدينك بذلك .. وأنت تعرف هذا جيدا.. الخ…) وهذه المسائل هي بطبيعتها معطيات ومحددات بالغة الخطورة متعلقة بقضايا تمس وتهدد الأمن القومي المصري وتنال من الإرث التاريخي والحضاري والحقوق الجغرافية للدولة المصرية.. تلك المسائل والقضايا المحاطة بسياج استخباراتي شديد التكتم طرحت على طاولة الصفقات المعقودة بين الاخوان المسلمين والإدارة الأمريكية وإسرائيل والتي تنتظم بطبيعتها الجيو أمنية في سياق تلبيه متطلبات المشروع الأمريكي – الصهيوني – الإسلامي الخلافوي في المنطقة والرامي إلى تفكيك الأنساق التاريخية والسياسية للمنطقة وإعادة صياغتها جغرافيا وسياسيا بإطار مرجعي اقتصادي وبكيفية تضمن سلامه منظومة الأمن القومي لدولة إسرائيل وتصون مصالح أمريكا والغرب في المنطقة وتمكن أيضا جماعه الاخوان بصفتهم شريك أساسي من تنفيذ مشروعها الخلافوي المسنود بدعم لوجستي أمريكي والمتنازل عن الحقوق التاريخية والحضارية لدول وشعوب المنطقة..

تلك المسائل والصفقات بين الاخوان وأمريكا كانت المخابرات المصرية قد رصدتها ووثقتها وبحكم العلاقة العضوية القوية بين جهاز المخابرات المصري والمؤسسة العسكرية، إضافة إلى أن الاخوان لم يكونوا قد تمنوا بعد من السيطرة على جهاز المخابرات..

استطاعت قيادة الجيش المصري من الاطلاع على تلك الصفقات ومن ثم رصدها وتوثيقها، وبالتالي وعلى ضوء ذلك قام الجيش المصري وبعد أن قام بترتيب كافة الأوراق مع مختلف النخب السياسية والمرجعيات الدينية والشخصيات والمراجع الفكرية أيضا بدوره الصارم في الإطاحة بالرئيس المصري ونظام الاخوان انطلاقا من الحفاظ على الأمن القومي المصري وبدافع حماية الحقوق التاريخية والحضارية والجغرافية للدولة المصرية التي بدا الاخوان يفرطوا بها ويبيعوا ما على طاولة قمار المشروع الخلافوي الذي يسعوا إليه..

وأمام تمكن الجيش المصري وجهاز الاستخبارات من رصد وتوثيق تلك الصفقات لم تتمكن أمريكا من ممارسه أي ضغط على الجيش المصري الذي بدأ واثق مما يقوم به، أو حتى وصف عمل الجيش بالانقلاب العسكري. وبنفس الوقت لم تستطع الإدارة الأمريكية أيضا تأييد خطوة الإطاحة بالاخوان لأنهم الحلفاء الاستراتيجيين الجدد والذين أصبحوا احد محددات المشروع الأمريكي الجديد في المنطق..

وهكذا بدا الموقف الأمريكي مراوغ ومتلكئ.. وهكذا صار الجيش المصري المسنود شعبيا هو الطرف الفاعل في سياق معادلة الواقع .. لا تستطيع أمريكا أو الاخوان تركيعه طالما وان بيديه أدلة ضد الطرفين كفيلة في حال كشفها لان تطيح بالمشروع الأمريكي ومشروع الاخوان في المنطقة تماما لاسيما وان تلك الأدلة تشير بصورة أولية وغير مباشرة إلى اندراج المستقبل السياسي لممالك الخليج العربي في أجندات تلك الصفقات. وهو ما يفسر موقف تلك الممالك من مساندتها الجيش وضخها لـ 12 مليار دولار للخزينة المصرية مع إنها لا تملك أن تقدم مليون واحدا مساعدة لأحد إلا بعد الحصول على إذن من الإدارة الأمريكية..

و رغم ما سبق إلا أن المشهد لن ينتهي عند هذا الحد، فأمريكا لن تتخلى عن الاخوان بهذه السرعة في ظل عدم وجود بديل سياسي يوفر لها كل التنازلات التي وفرها وسيوفرها الاخوان، لذلك فإنها ستدفع بهذه الجماعة للعودة إلى الحياة السياسية من جديد وعلى ضوء المستجدات الحاصلة مع الاستمرار في استحضار أدوات الخطاب الديني داخل مصر وخارجها وكذلك استمرار تحشيد الشارع المصري بهدف الضغط على الجيش المصري تمهيدا لجره إلى عقد صفقة يتنازل بموجبها بأي شكل أو سيناريو عن ملاحقة ومحاكمة مرسي وقياده الجماعة بتهم الخيانة العظمي لقاء عوده الاخوان للحياة السياسية وتهدئه الشارع الموالي لهم، بينما ستمضي العملية السياسية في إطار الفترة الانتقالية وفق ما سيتم الاتفاق عليه بين مختلف القوي المصرية دون أن يكون للجيش أي نزوع انقلابي أو استحواذي علي مجريات العملية السياسية، إلا من زاوية كونه الضمانة الوحيدة لحمايهةمصر وشعبها وأمنها القومي ومكتسباتها الحضارية والوطنية..

صنعاء 10-7-2013م

زر الذهاب إلى الأعلى