يمنات
رحل ابن الشعب الرئيس الشاب ذو ال36 ربيعاً وبقي أبو الشعب مقيماً في أفئدة الناس العاديين الذين طردوا مجدداً إلى الهامش ليعيشون أحزانهم ويستجرون مشاعر الفقد والتيتم، مؤكدين حقيقة أن الشعب اليمني لما يبارح بعد مرحلة طفولته التي طالت، وما تعكسه من احتياج نفسي دائم إلى الأب الراعي والبطل المنقذ.
وهكذا ما يزال أنصار الحمدي يندبونه بدلاً من أن يقرأونه، يحنوِّن إليه بدلاً من أن يستزيدون من تجربته وهم يتطلعون إلى المستقبل، يتذوتون فيه حد الانسحاق عوض استنهاض ذواتهم. وفي النتيجة الصافية هم في حالة لجوء دائم إليه، تماماً كما أن خصومه في حالة هروب أبدى منه.
حركة 13 يونيو التي يصادف هذه الأيام ذكراها ال31، تلوح لي، ومن المرجح لعديدين سواي، لحظة فريدة في سجل اليمن المعاصر، تقدم فيها مطلبا الدولة المركزية والمشاركة الشعبية سوياً على ما بينهما من تناقض صوري، فكاد الهامش أن يطبق على المتن لأول مرة منذ قرون.
من هنا، من شرفة التاريخ حيث نطل عليها، تتراءى لنا حركة يونيو فترة انقطاع لا استمرارية لما سبقها أو تلاها من عهود. هذا الانقطاع وهاتيك الفرادة نلتقطهما في المراجع والسير والمذكرات والدراسات، التي نشرت منذ نهاية السبعينيات، فالقاعدة المعتمدة لدى المتذكرين والباحثين والمؤرخين، هي السير على خط الاتجاه العام زهداً بقيمه الشاذة (!) ونتوءاته الشائكة، طلباً للسلامة أو هروباً من تداعي ذكريات الأيام الموحشة بذريعة أنه “قد كان ما كان من جريمة مخزية”، كما يرد في أغلب مذكرات رجال ما قبل يونيو وما بعدها. ولعلي أزيد بأن القفز على منطقة الانقطاع (74-77) في خط التاريخ مردها تفادي السقوط في هاوية موحشة لنفوس أوغلت في دم ابراهيم الحمدي، كانت، وماتزال، في حالة هروب كبير من أطيافه، تكثيفها مثل دارج هو ” من أساء أستوحش”.
*الفقرات من مقال مطول بعنوان “عالم سنان”, نشرته “النداء” في صيف 20005 على 4 حلقات, تعليقا على الجزء الثالث من مذكرات الشيخ سنان أبو لحوم.
من حائط الكاتب على الفيس بوك