ثمن إعاقة قيام الدولة

يمنات
من الخطأ القول بفشل ثورة 2011؛ بالنظر إلى سيطرة جماعة ما عليها، أو بقاء “صالح”، أو بعض رموز نظامه، أو فشل حكومة الوفاق، وما لحقه من فساد وتصاعد الفوضى. نجاح الثورات لا يُقاس بالنتائج ذات الثمار السريعة، بل بالنظر إلى قدرتها على مباغتة الماضي، وخلخلته. بعدها، يحتاج المجتمع لإنضاج الشروط للمضي بثورته ومراقبة مسارها، عبر تصحيحها، أو القيام بثورة جديدة.
ما يحدث حالياً من توسع لجماعة الحوثي داخل “قبيلة حاشد”، والقتال العنيف الجاري معها هناك، يأتي ضمن سياق التغيرات التي أحدثتها ثورة 2011؛ إذ لو لم تكن هذه الثورة قد حدثت لما كانت القوى القبلية، التي ظلت شريكة ل “صالح” في نهب البلاد وتدميرها طوال العقود الماضية، تقف اليوم على كرسي الاحتضار. رحيل “صالح” من السلطة جعل القوى القبلية، ممثلة بأولاد الأحمر، يواجهون بمفردهم جماعة الحوثي. ويدرك أولاد الأحمر أنه لو كان “صالح” مازال على رأس الحكم لما كان تركهم بمفردهم في مواجهة الحوثي، ولكان دفع بالجيش للقتال معهم، في معركة للدفاع عن سلطة القبيلة داخل “حاشد”.
انتعاش الحوثي يأتي كارتداد لضعف مراكز القوى السابقة، لأسباب عدة، بينها رحيل “صالح” من كرسي الرجل الأول في البلاد، الذي كان يدفع الدولة نحو تمثيل مصالح مراكز القوى هذه، والدفاع عنها.
لم يكن هذا هو المسار الطبيعي لثورة 2011؛ إلا أن عملية احتوائها والسيطرة عليها من قبل مراكز القوى التقليدية، جعلها (الثورة) تستكمل دورتها ضمن سياق آخر خارج عن هويتها؛ وهو صراع سيطرة يقوم بين مراكز القوى الصاعدة والآفلة، التي كانت تظن أنها قفزت من السفينة، وجعلت “صالح” يغرق بمفرده مع عائلته.
حركة الثورة الآن متوقفة كحدث عام؛ إلا أنها تجري في الوعي العام لإنضاج شروطها، بالتزامن مع صراع موازٍ تخوضه جماعة الحوثي مع مراكز القوى القبلية والدينية. أتوقع أن تستكمل هذه الدورة المشوهة للثورة مسيرتها عبر تكسير بقية أبطال “العهد القديم”؛ شركاء “صالح” في الحكم، ورفاقه في الفيد والنهب. بعدها، سيجد اليمنيون أنفسهم في مواجهة جماعة الحوثي، حيث ستعود الثورة إلى سياقها الطبيعي وستخوض صراعاً مع سلاح الحوثي، وهي متخففة من مراكز القوى التقليدية. لا يُمكن على وجه التحديد معرفة المدى الزمني لهذه الصراعات؛ إلا أن مصدر الخوف الحقيقي أن يبقى الصراع القائم اليوم في “حاشد” و”أرحب”، وبقية جبهات الصراع القبلي الديني/ الطائفي، معلقاً دون حسم. وإذا ما حسمه أيٌّ من طرفي الصراع، فسيكون اليمنيون في مواجهة مهمة وطنية حقيقية لتأسيس دولة وطنية حقيقية على أنقاض الصراع المذهبي.
عندما تم إعاقة قيام دولة النظام والقانون، ما بعد ثورة 2011، كان البديل هو الفوضى، وازدهار السلاح، والعصبويات القبلية والمذهبية. ويبدو كما لو أن مراكز القوى القبلية والدينية تدفع، اليوم، في الحرب التي تخوضها مع الحوثيين، ثمن إعاقتها لقيام دولة وطنية قوية وحقيقية في البلاد. هناك ثمن للفساد، والسيطرة على الوظيفة العامة وتقاسمها، وهذا الثمن يتمثل في الحرب المفتوحة الآن على أكثر من جبهة مع جماعة الحوثي.
عن: الشارع