على هامش صراع الثورجية في تعز على المناصب .. العقل والثورة !!!

يمنات
أن بذور فشل ثورة ما أو قضية إنسانية عادلة تحملها في أحشاءها؛ ولعل واحدة من عوامل الفشل تتلخص في الاتي: عندما يحول ثوارها نضالاتهم المدفوعة مسبقاً إلى استحقاق ينبغي تحصيل ثمنه بعد الثورة , أي أن كل من قدم للثورة شبراً ينتظر أن تجازيه الثورة ذراعاً على فعله, وكل ثورة توطنت فيها ثقافة استحقاق الدفع المسبق, تزرع أسس فشلها اللاحق, بينما الثورات التي يجعل ثوارها فعلهم الثوري واضعين نصب أعينهم التأسيس للمستقبل, فإنها تكون ثورة أكثر نبلاً ونضجاً وتقي نفسها من الفشل. وهذا ينطبق على ثورة 11 فبراير الشبابية, كما ينطبق على القضية الجنوبية!
وأي ثورة تصبو نجاحها؛ عليها أن تفصل في نضال فاعليها" ثوارها" بين مرحلتين, مرحلة ما قبل الثورة هذه المرحلة تتطلب الإقدام ولا يتصدر صفوفها الأمامية إلاّ رجالها الشجعان وهي خاصية كل الثورات, لكن مرحلة ما بعد الثورة تتطلب أن تكون المعايير مختلفة, كما أنها تحتاج إلى ثقافة ثورية مختلفة, لأن الثورة حينها تحتاج إلى العقل والكفاءة, فلا توجد ثورة تنجح برامجها اللاحقة؛ إذا ما افتقرت للعقل وخلت من كفاءات تحقق لها ما تصبوا إليها..
وأكد تاريخ ممارسة الإنسان الثورية عبر التاريخ, أن كل الثورات تتسم بمرحلتين, المرحلة الأولى مرحلة إسقاط النظام القديم, والمرحلة الثانية مرحلة بناء النظام الجديد, وبناء النظام الجديد الذي ينبغي أن لا يركز على تغيير الشخوص مع ضرورته, بل عبر تغير القوانين والتشريعات الضامنة لقيام المجتمع الجديد, وهي مهمة لا تتصدى لها إلاّ عقول الثورة وكفاءتها, وحين لا تستطيع الثورة ان تفرق بين المرحلتين وخصائص كل مرحلة ومهامهما وينبري شجعانها ويتسابقون إلى قطف ثمار ما قدموه, ويجري التركيز على تغيير الشخوص وحسب, ويهمل الثوار تغيير القوانين والتشريعات أو ينظر إلى هذا الفعل باستخفاف أو غير ذات أهمية, حينها تبدأ الثورة والفعل الثوري بالانحسار وتبذر الثورة بذور فشلها اللاحق.
وأكبر عدو للثورات يظهر دائماً من داخلها, إما نتيجة حسن نية فاعليها وبسبب جهلهم أو بسبب اختراقها من بعض الانتهازيين أصحاب الصوت العالي والفعل الواطي في مقاصده, بعض من يظهرون شيئاً ويضمرون شيئاً أخراً, وجميعهم يمارسون على الثورة خناق بالعناق, وكلنا يعرف تلك القصة المتواترة حول ضابط المخابرات الروسي رفيع المستوى الذي جرى استقطابه من SIAأيام الحرب الباردة وطلب منه تنفيذ مهمة وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب؛ كي يقوض النظام.
وأثبتت الأيام الماضية في هذا البلد عدد من مؤشرات هذه النوع من الخناق بالعناق, ويمكن ملاحظته في حالة الصراع التي شهدتها محافظة تعز, وما أكثر الذين يضمرون لهذه الثورة الفشل, لهذا تجدهم يتصرفون على هذه الشاكلة, ولا ينبغي أن ننسى حقيقة مفادها: الثورة التي لا يكون من مهماتها الأساسية القضاء على كل فعل خرافي للماضي وتحدث قطيعة معه عبر محاكمة الأوضاع الاجتماعية باعتبارها سبب فساد الناس ـ علماً أن مهمة كهذه لا يستطيع أن يضطلع بها إلاّ العقل ـ, والثورة التي ترفع شعارات التطهير بوصفها أولوية في مهامها تفشل تتحول إلى فعل انتقامي يجهضها ويعرضها للخسران المبين, وخلاصة القول الثورة نشاط دؤوب يهدف إلى احداث قطيعة مع الماضي من أجل العبور إلى المستقبل, وهذه المهمة لا يمكن أن تنجز إلاّ بواسطة الكفاءات والعقول !!!
كما أن هناك مسألة أساسية بدونها لا يمكن معافاة السياسة , بدلاً من تركيز الثورة والثوار على وضع السؤال وفقاً للصيغة التالية: من ينبغي أن يحكم؟ عليهم أن يغيروه إلى الصيغة التالية: كيف ينبغي أن يحكم؟ السؤال بالصيغة الأولى يكون هدفه التفتيش عن الأفراد الثقاة, ويفترض مسبقاً أن الناس ينقسمون إلى أشرار وأخيار, ولا يعترف بأن الإنسان بطبيعته خير, وأن الشر مكتسب والقضاء على الشر لا يكون إلاّ بإصلاح المجتمع , بينما صيغة السؤال الثانية يركز على وضع القوانين والتشريعات المضبوطة التي تقي الناس من الفساد وتؤسس للمجتمع الذي يكون ناسه صالحين, كما أنه يركز على التأسيس القانوني والتشريعي المضبوط الذي يحمي الدولة من أن تقع في قبضة الاستبداد أو يستغلها الأشرار إن وجدوا, أي أن انحراف الناس وفسادهم لا يكون إلاّ في غياب التشريعات التي تحمي المجتمع !
وخلاصة القول أن معافاة السياسة لا يتأتى عن طريق انتهاج أسلوب التطهير الذي ينادي به البعض, لأن الثورة التي لا تركز على تغير الواقع الاجتماعي باعتباره أس وجذر البلاء التي أنتجت الوضع القديم, ثورة ترفع شعارات التطهير تحيد عن وظيفتها وتتحول إلى فعل انتقامي يخرجها عن هدفها الأساسي, وبذلك تفقد نُبل مقاصدها وقيمها وتنتحر !!