يمنات
أرسل لي صديقي سامي نعمان هذه الصورة التي التقطها بكاميرته قبل نحو 6 سنوات في جونية، شمال بيروت، لبنان.
قبل ساعتين لم اتمكن من الرد على اتصال من العزيز فكري قاسم. تفاديت حتى الرد على رسالة منه على الخاص.
فقدنا، فكري وانا، صديقا عزيزا قبل ساعات.
لم احتمل أن اسمع صوت فكري باكيا.
اعرف انه سيبكي لمجرد ان يسمع صوتي
وقد جبنت.
لكن سامي نعمان، ارسل لي قبل نصف ساعة مجموعة صور تجمعني بعبدالكريم الخيواني، بينها الصورة المرفقة حيث نظهر معا في لحظة انعتاق كريم من محنة سجن استمرت شهور.
***
نعرف بعضنا بأكثر مما يجب.
نعرف أكثر مما نعتقد.
نعرف اكثر مما يظنه الآخرون.
***
في السنوات الأربع الماضية فقدت أشياء كثيرة بينها البومات صور التقطت خلال العقد الماضي، وفيها عشرات الصور التي تلخص عقدا من المعارك بين الصحافة المستقلة والمعارضة وبين السلطة.
كان عبدالكريم الخيواتي في المقدمة.
وقد كنت أداعب الزملاء عادة بالقول باننا محظوظون ولن نتأذى من الأجهزة كثيرا بفضل صديقنا هذا الذي يرقع سقف نقده للسلطات عاليا إلى الحد الذي يشكل حصانة لنا جميعا، وأقله يظهرنا في عدسات الانظمة معتدلين.
كان الخيواني في المقدمة على الدوام.
كريما.
جسورا.
عنيدا.
كان على الدوام قريبا منا.
قريبا حتى في نأيه.
وفي غضبه.
وفي حنقه لاننا لا نقف على الضفة نفسها.
وفي انزعاجه لأننا لا نقاسمه الرأي نفسه بشان سلوك جماعة الحوثيين.
وفي تموضعه الجديد كصحفي موال لجماعة “أنصار الله” رغم إلحاحه المستدام على استقلاليته، وعلى أنه _ على عهده_ الصحفي المستقل، تماما كما كان في صحيفتي “الامة” و”الشورى” الحزبيتين. تماما كما كنا نراه دائما؛ حرا، أبيا، منشقا، محاربا.
***
اتصل بي فكري قاسم ولم ارد عليه.
الحق انني لم أرد على عشرات المتصلين في الساعات الماضية.
ألوذ بالصمت حيال فاجعة كهذه التي نزلت علينا جميعا.
استشهد عبدالكريم الخيواني في ذكرى جمعة الكرامة.
ليس علينا ان نسعد.
أن نعيد تأويل فاجعتنا على أنها مصادفة سارة
أن ندعي أنه ترجل كما كان يرجو.
***
فقدنا صديقا اشكاليا
شكا مرارا من خذلاننا لأننا لا نقره على بعض مواقفه
وشكونا من خذلانه لأنه ابتعد في اللحظة التي أردناه أقرب.
قسا وقسونا.
لكنه بفي الرفيق والصديق والزميل الذي نعرف اننا، لا شك، ملاقوه.
***
رحل كريم
لا أظنه أراد نهاية كهذه لرحلته في “متاع الغرور”؛ هذه الدنيا الفانية.
الأكيد أننا، أحبته واصدقاؤه الذين تبادلنا النأي معه مؤخرا، لم نردها كذلك على الاطلاق.
كان مهجوسا بالشهادة.
ويعرف ان مبغضيه لن يرحموه.
وقد خبرنا معه “بغض” الرؤساء والجنرالات والنافذين من كل صنف.
شريط من الاحداث والأجزان والمفارقات والعزاءات يمرق سريعا في الخاطر.
شريط يمرق سريعا.
يمرق
ثم لا يلبث أن يعود
يعود، محملا بالتفاصيل: احلام وزفرات وقفشات وعذابات ومحن.
يعود محملا بلحظات عاصفة ومواقف فارقة وآراء مشوبة بعنف مغاضبة وحنق من افتراق وروع من فراق.
يستحضر الموت كثيرا هذا الذي أردته رصاصات حاقدة ظهر الأربعاء.
قال لي في آخر اتصال هاتفي بينا منذ شهور، إنه لم يكن ليقبل قط ان اغادر قبله.
لم يكن ليصدق انني _ في فاصلة زمنية_ كنت أقرب منه، إلى السماء جراء المرض.
كانت حرفته الأثيرة ان يتقدم بصدره العاري للذود عنا.
أن يتألم هو أولا.
أن يناله التنكيل قبل الجميع.
لم يكن يقامر لينال هذا السبق.
كانت طبيعته كفيلة بان تضعه في الصدارة.
كان أسلوبه في النقد والاعتراض يضعه أولا.
يضعه في الصف الأول كهذف مطلوب للسلطات وللعصابات وللجماعات الانتهازية وللوصوليين الذين لا يطيقون وجوده في الجوار.
***
لم اتمكن من الرد على اتصال من فكري قاسم.
من يملك ان يفوت فرصة الجديث مع صديق يقطر عذوبة كفكري.
من؟
لقد فعلت.
جبنت!
لم يكن لدي ما اقوله
لكن Sami Noamanارسل لي قبل نصف ساعة مجموعة صور بينها هذه الصورة لثلاثتنا، كريم وفكري وانا، أثناء زيارة إلى بيروت للمشاركة في المنتدى العربي الثالث لحرية الصحافة في عام 2009 كما أرجح. وقد وجدتها عذرا لكي اعتذر لصديقي فكري قاسم ولكل من اتصل بي منذ الظهيرة ولم يجد ردا.
رحم الله كريم، الصديق والرفيق والزميل … والشهيد.
من حائط الكاتب على الفيس بوك