فضائِل الذكريات .. محمد بن محمد الكباب

يمنات
فاروق الظرافي
عم الدكتور القدير/محمد الكباب…وزير الصحة الأسبق…شقيق والده
أقدم مَنْ ارتَبَطَتْ أسمائهم من أعيان ذبحان محافظة تعز بكلمة دكتور وإنسان في آنٍ واحد…لا أدري ماهي مؤهلاته التعليميه لكن الجميع كان يطلق عليه اسم..الدكتور/ محمد بن محمد..أذكر وأنا طفل في الثانيه عشرةَ من العمر أنه كان أبرز مَنْ يتواجد في مستشفى الأنبار في التربه..أقدم مستشفى منذ الستينات تحت حصبره…في التربه…كان أي ولد في أية قريه يعتبر إبن القرية كلها..وكانت النساء معضمهن يعشن في القرى تحت مطرقة الكفاح وسندان الصبر على أزواج معظمهم في الغربه…كانت الواحده إذا أصابها مرض وليس لديها أولاد تصطحب أحد ابناء القريه معها إلى المستشفى المذكور التي كانت تبعد عن كل قرى ذبحان بمسافات متقاربه…كنت واحدًا من هؤلاء الأبناء الذي يعتبر محرم القرية وأنا في سن ١٢سنه..كنت إذا اصطحبت امي رحمها الله أو إحدى خالاتي أو إحدى أمهات القريه الى المستشفى المذكور تقل لي ادخل اسأل على الدكتور/ محمد بن محمد..اذا هو غير موجود نعود دون معاينه..كنت ألمس من خلال تعامله مع الأمهات كأنه يعرف الجميع وكأن كل واحده هي عرضه وشرفه..يعاين ويصرف العلاج من صيدلية المستشفى وإذا كانت حالة المريضه تستدعي الرقود يرسلني للقريه استدعي بنتها أو قريبتها للبقاء معها..وإن كانت حالتها متعبه يكلف سيارة المستشفى بايصالها للبيت..كان اذا استدعي الى اية قرية ياتي بحقيبته مجهزه بكل المستلزمات وكأنه مستشفى ميداني..كان الناس إذا اغتربوا يدركون بأنهم تركوا زوجاتهم واطفالهم في قرى متشبعةٌ بالشرفِ والفضيله..لم تفسدها مغريات العصر والسلوكيات المستورده..كان الرجل في القريه يرفع عصاته في وجه زوجة جاره المغترب إن ارتفع صوتها أو كانت مخطئه في شجارها مع أحد…لم تكن القرى بحاجة إلى أقسام شرطة أو محاكم في زمن سادت فيه المُثُلُ والقِيَمْ…
كان الناس يعيشون في ظلام إلَّا أنَّ قلوبهم كانت تمتلئُ بالأنوار…كانوا جياعًا ولكن نفوسهم كانت مُشْبَعَةٌ بمكارم الأخلاق..كانوا بدون وسائل اتصال لكن أواصر الرَّحِمِ والقُربى لم تُقْطع بينهم.
حياةٌ تشدني ابجديات فضائلها إلى الإستشهاد بقصة قديمه وهي أنَّ رجلًا كان له جارًا ميسورًا اسمه ابن عبيد الله فأصاب الناس قحطًا رحل بسببه الكثير عن مواطنهم… وكان جار ابن عبيد الله واحدًا ممن عزموا على الخروج من البلاد في طلب المعيشة.. وكانت له زوجةٌ لا تقدر على السفر فلما رأت زوجها تهيأ للسفر قالت له إذا سافَرْتَ مَنِ الذي ينفق علينا ؟ قال: إنَّ لي على ابن عبيد الله دَيْنًا…ومعي به عليه إِشهادٌ شرعي…أي سند.. فخذي الإِشهاد وقدميه إليه فإذا قرأه أنفق عليك مما عنده .
حتى أعود من سفري ثم ناولها رقعةً كتب فيها هذه الأبيات يقول :
( قالت وقد رأَتِ الأحمالَ مُحْدِجَةً *
والبين قد جمع المشكو والشاكي *
من لي إذا غِبْتَ في ذا المَحْلِ قُلْتُ لها*
الله وابن عبيد الله مولاكي *
فمضتِ المرأة إلى ابن عبيد الله وحكت له ما قال زوجها وأخبرته بسفره وناولته الرقعة فقرأها وقال صدق زوجك ..إنَّ له ديْنًا عليَّ واجب السداد…واستمر في الإنفاق عليها حتى عاد زوجها..وهو ليس له شيء عند إبن عبيد الله غير المروءه وحق الجوار…الله المستعان