أخبار وتقاريرأهم الأخبارالعرض في الرئيسةتحليلات

اللعبة الطويلة: أهداف وحسابات المجلس الانتقالي الجنوبي

يمنات

حسام ردمان

بالنسبة لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، يبدأ استقلال الدولة الجنوبية، من الناحية العملية، بالسيطرة العسكرية الكاملة على جميع المحافظات، الممتدة من عدن إلى المهرة. وبعد ذلك، يتم تأمين الاستقلال رسمياً عبر الاعتراف الدولي.

ولهذا السبب، كان الحشد السياسي والعسكري لـ “تحرير حضرموت والمهرة” دائماً هدفاً رئيسياً لقيادة المجلس الانتقالي، وهو بمثابة الحدود النهائية. يأتي هذا الطموح نحو الشرق رغم المكاسب السياسية الكبيرة وتقاسم السلطة التي حققها المجلس الانتقالي منذ اتفاق الرياض عام 2019، والتي رسخت دوره كفاعل رئيسي داخل الحكومة المعترف بها دولياً.

في عام 2022، شهد المجلس الانتقالي أولى نجاحاته في التوسع شرقاً، حيث تحركت قواته إلى أبين وشبوة، مستغلة التحولات في التوازنات الاستراتيجية في الجنوب عقب الإطاحة بالرئيس السابق عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر، وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وتراجع نفوذ حزب الإصلاح.

مع بداية عام 2023، بدأ المجلس الانتقالي بالتحرك نحو حضرموت بهدف وحيد: إخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت، وتعزيز نفوذ القوات الجنوبية والنخبة الحضرمية، وهي مجموعة أخرى مدعومة من الإمارات، في المحافظة. لكنه اصطدم مراراً وتكراراً بمقاومة من المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، اللتين استندتا إلى دعم الجمهور الحضرمي الباحث عن حكم ذاتي أوسع ووئام مدني.

على مدى ثلاث سنوات، فشلت محاولات المجلس الانتقالي للتوسع شرقاً، مما ترك انطباعاً بأن الخطوط الحمراء التي أعلنتها السعودية في جنوب اليمن ستظل غير قابلة للتجاوز. لكن شهر ديسمبر الحالي حمل مفاجأة استراتيجية درامية: ففي غضون أيام قليلة، سيطر المجلس الانتقالي بسرعة على معظم حضرموت وتقدم نحو المهرة دون مقاومة تذكر.

لولا الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها خصوم المجلس الانتقالي، لما كان بإمكانه حل النزاع بهذا الحسم. من ناحية، مثلت جهود الزعيم القبلي عمرو بن حبريش لإنشاء قوة عسكرية خارج مؤسسات الدولة، عملياً، نهاية لإجماع حضرمي راسخ منذ عام 2016، بتجنب الصراع المفتوح. وقد تم التعبير عن هذا الالتزام بوحدة الصف الحضرمي ودعمه مراراً من قبل كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين المحليين تقريباً، بمن فيهم المتحالفون مع المجلس الانتقالي، مثل رئيس الجمعية الوطنية للانتقالي أحمد بن بريك، وعضو مجلس القيادة الرئاسي ومحافظ حضرموت السابق فرج البحسني.

ولكن عندما حطم تحريض بن حبريش وقوات حماية حضرموت المشكلة حديثاً هذا التفاهم وعسكروا الصراع، تحولت الأفضلية إلى اللاعب الأكثر خبرة: المجلس الانتقالي الجنوبي. حيث استخدم تمرد بن حبريش واقتحام مقاتليه للمنشآت النفطية ذريعة سياسية وقانونية لنشر قوات عسكرية كبيرة في المحافظة.

وقعت السعودية في خطأ مشابه لخطأ بن حبريش. فمنذ عام 2023، حددت الرياض مصالحها في حضرموت بالحفاظ على توازن القوى الدقيق في المحافظة: تسيطر أبوظبي وقوات النخبة الحضرمية على المنطقة الساحلية، بينما تسيطر السعودية والمنطقة العسكرية الأولى على مناطق الوادي والصحراء. ولكن بحلول عام 2024، ومع شعور السعودية بالتهديد جراء تزايد حشود المجلس الانتقالي وعدم ثقتها في قدرة المنطقة العسكرية الأولى على التصدي له، أطلقت سياسات تصحيحية ونشرت قوة موالية رأت أنها أكثر فاعلية وانضباطاً: قوات درع الوطن.

وهنا تكمن المفارقة: عارض المجلس الانتقالي وجود المنطقة العسكرية الأولى لأنه اعتبرها قوة شمالية، بينما رأتها السعودية ضعيفة ومخترقة وغير قادرة على وقف تهريب الأسلحة. بناءً على هذا الفهم، يصبح تسليم سيئون واضحاً: اتفقت الرياض والمجلس الانتقالي على إخراج المنطقة العسكرية الأولى وقمع تمرد بن حبريش. لكنهما سرعان ما اختلفا حول من يجب أن يملأ الفراغ.

وفي غضون أيام قليلة فقط، أظهرت أبوظبي وحلفاؤها على الأرض تفوقاً عملياتياً، حيث أمنت قوات المجلس الانتقالي وادي حضرموت والمهرة بسرعة. في غضون ذلك، كافحت الرياض لفهم ما يجري، وسط حالة من الصدمة والغضب بسبب تجاهل خطوطها الحمراء.

على المستوى المحلي، لا شك أن للمجلس الانتقالي دوافعه الخاصة للتقدم شرقاً، لكنه لم يكن ليجرؤ على تحدي السعودية وعُمان لولا الدعم الإماراتي القوي. إقليمياً، لا تقل مكاسب أبوظبي أهمية عن مكاسب حليفها. فبين عشية وضحاها، أصبحت الفاعل الخليجي صاحب النفوذ الجيوسياسي الأكبر في جنوب اليمن، ممتدة من العاصمة المؤقتة إلى المهرة في الشرق. كما جاءت التطورات في المهرة وحضرموت كخطوة استباقية ضد أي محاولات إقليمية لإحياء العملية السياسية اليمنية أو “خارطة الطريق” التي ترعاها السعودية لإنهاء الحرب الأهلية.

وبالنظر إلى المستقبل، من المرجح أن تسعى أبوظبي لتأمين هدفين رئيسيين في المفاوضات مع الرياض: سلطة أكبر لحلفائها المحليين، ودور حقيقي في تشكيل العملية السياسية المستقبلية في اليمن. في المقابل، قد تضغط الإمارات على المجلس الانتقالي لتقديم ضمانات للرياض ومسقط من خلال سحب القوات الجنوبية التي نُشرت مؤخراً من حضرموت والمهرة، ونشر قوات محلية أخف تسليحاً في المحافظتين، والقبول بنفوذ عسكري مشترك مع السعودية فيما يخص قوات درع الوطن.

ومع ذلك، إذا فشلت أبوظبي في التوصل إلى تفاهمات ثنائية مع الرياض، أو إذا شعر المجلس الانتقالي أنه يدخل مرحلة استنزاف (سياسياً في عدن، من خلال شلل الحكومة وتزايد الأعباء الاقتصادية؛ وعسكرياً في حضرموت)، فقد يتحرك كلاهما نحو خيارات أخرى، مثل فرض الإدارة الذاتية أو تشكيل حكومة جنوبية مصغرة. قد تدعم الإمارات هذه الخطوات كتكتيك تفاوضي، لكن المجلس الانتقالي سيتعامل معها كخطوة استراتيجية نحو هدفه النهائي.

المصدر: نركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية

زر الذهاب إلى الأعلى