أرشيف

العيد في صنعاء.. تسول ومفرقعات وشعارات تذروها الرياح

ليلة عيد الفطر في صنعاء، كانت ليلة ممتلئة بالتفاصيل التي اختزلت يوما أخيرا في رمضان كان الناس في انتظاره، وأيأسهم منه إعلان العيد في اليمن تبعا لإعلان السعودية، على الرغم من أن عددا من الفلكيين اليمنيين أكدوا أن رمضان ثلاثين يوما، وانتقدوا إمعية النظام اليمني وتبعيته للدولة السعودية، وتفاوتت ردود الأفعال إزاء ذلك بين مكتف بالتصريح بعدم رؤية هلال شوال، وإعلان طاعة الدولة رغم ذلك، وبين رافض لطاعة الدولة على اعتبار ذلك ركنا من أركان الإسلام، ولا طاعة لأحد فيه بل يجب على الجميع طاعة الله، وهو الموقف الذي اتخذته جماعة الحوثي التي أعلنت الصوم، مؤكدة أنها ليست وحدها من تقوم بذلك فملايين المسلمين يقومون بهذا العمل دون موقف سياسي، على حد تعبير مكتب السيد الحوثي .

في مدينة صنعاء كانت الأزمات حاضرة لتذكر الناس بأن المستقبل الأفضل قد ضل طريقه إليهم، وأن الشعارات التي بحت أصواتهم بها في مهرجانات الحزب الحاكم الانتخابية، أصبحت رمادا حارا تذروه الرياح في عيون لا تقيها النظارات السوداء، ولا زجاج السيارات الفارهة.

مسجد الصالح بصنعاء الذي كلف ملايين الدولارات وأصبح المعلم المعماري الأبرز في اليمن، كان على موعد يومي مع الفقراء الذين يقصدونه للتسول كغيره من المساجد، إلا أن الأمن كان يمنعهم من التسول، ويطلب منهم تسجيل أسمائهم واعدا إياهم بالحصول على صدقات في آخر رمضان، ولم يكن مذهلا أن يجتمع آلاف الفقراء في آخر ليلة من رمضان قرب الجامع وتحت ظلة منصة ميدان السبعين للمطالبة بالحصول على الصدقات، كان كل منهم يشاهد الجموع بذهول فلا أحد يتوقع أن تتحول ليلة العطاء الرئاسي إلى مثل هذا المهرجان الجائع، الذي لا تشبعه الأضواء الباهرة لجامع الرئيس، ولا يجدي أن يرفعوا رؤوسهم أثناء النظر إلى مناراته العالية، لأن الرأس المرتفع يجب أن يرتفع من الداخل أولا، ولا يستطيع الفقراء رفع رؤوسهم طالما هم بانتظار صدقات فخامة الرئيس، الذي كان في ذلك الوقت يوجه خطابا إلى الشعب يطالبهم فيه بالتكافل والتراحم وبتسليم الزكاة إلى الدولة، ربما لم يكن يعلم فخامته أن الشعب يتضور جوعا بالقرب من أسوار دار الرئاسة، وعلى أبواب المسئولين والتجار وأعضاء مجلس النواب أيضا.

من لم تخرجهم الفاقة إلى الشارع، أخرجتهم أزمة الغاز التي بدأت قبل يومين رغم أنها لم تكن قد انتهت بعد، والسيارات التي لم تتوقف عن العمل بسبب أزمة الديزل كانت تسير في الشارع بسرعات جنونية، وتتخطف حياة المارة من الفقراء الذين ليس لهم سيارات والأطفال الذين يلعبون في أرصفة الشوارع في مدينة متنزهات أحيائها مقالب قمامة في أغلب الأحوال، حيث كانت بعض مصليات العيد على موعد آخر مع صلوات جنازة للأطفال ضحايا الحوادث المرورية.

منذ ما قبل رمضان بشهر وإلى ما بعد عيد الأضحى بشهر تنتشر تجارة المفرقعات النارية التي تقلق السكينة وتصل إلى مستوى المتفجرات في دويها وتأثيرها، وعلى الرغم من إعلان الخطط الأمنية التي تتوالى من وزارة الداخلية إلا أن التجار يكسبون كل يوم أكثر، ويزدادون ثراء ليتحولوا من تجار تهريب إلى أسماء تجارية معروفة بشراكات معلنة مع قيادات سياسية وأمنية، ولا تنتج الخطط الأمنية سوى اعتقال الأطفال ومعاملتهم بقسوة خارج إطار القانون.

في كل تقاطعات الطرق المهترئة في المدن الرئيسية وفي صنعاء وكل المصليات العيدية من ساحات مدارس وملاعب كرة قدم وميادين ومناطق غير مأهولة ومساجد كبيرة ينتشر المتسولون من الفقراء والمهمشين، كبارا وصغارا، رجالا ونساء بأعداد تثير الرعب، ويعرضون فاقتهم بأشكال أفقدت "الأثرياء" معنى الشعور بالانتماء لبني البشر.

يمر العيد ويأتي عيد آخر ويتبادل الناس التهاني في حياة على صفيح يزداد حرارة كل يوم، وتحترق أطرافه الشمالية بآلاف الشباب والأطفال الذين يتوافدون على مملكة آل سعود هربا من الجوع،  وآلاف الشباب الذين وجدو أنفسهم في ميلشيات مسلحة تؤيهم بعد أن دمر بيوتهم الجيش ولم يعمرها برنامج الإعمار، وتحترق أطرافه الجنوبية بمئات الشباب والنساء القادمين من الصومال هربا من الموت على قوارب لا تصلح لغير الموت، ويجدون أمامهم آلاف الرجال والنساء غاضبين من الفقر وعاطلين عن الأمل، يحركهم الجوع والقهر والقلق، بينما يبحث الحاكمون في أحياء صنعاء الراقية عن وسائل الراحة في منتجعات أوروبا وجنوب غرب آسيا.

زر الذهاب إلى الأعلى