أرشيف

لعبة الأسرة الحاكمة في اليمن

قديماً قال الخليفة هارون الرشيد قولته المشهورة للسحاب "أمطري حيث شئت فإن خراجك آت إلي"

حديثاً وفي اليمن تحديداً تتجمع عوامل عديدة اليوم لتكريس مقولة من نوع «كن حيث شئت فأنت تلعب في مربع السلطة».. انتخابات العام 2003م النيابية شهدت تكريساً نجح فيه إعلام الشائعة في مطبخ الحزب الحاكم في جعل الجميع في حالة شك من الجميع وبالتالي صبت النتائج في صندوقه بطريقة أو بأخرى وسط ذهول أو تراخي من الآخر ضحية قوة استحكام تلك الشائعة التي نجحت أيضا في التمهيد لانتقال كوادر من أحزاب المشترك صوب "الحاكم" لعب فيه فن توظيف الشك دوراً إلى جانب عوامل أخرى ..

لعبة الإعلام النفسي وإعلام الشائعة الذي كرس في تلك الفترة كان أثبت جدارة كبيرة في تحويل الانتخابات النيابية العام2003م من انتخابات نواب يمثلون الشعب في مجلس تشريعي إلى انتخابات مراسلين من ذوي العلاقات لدى الجهات العليا تحت شعار "المصلحة" والحقيقة أن عدداً من هؤلاء المراسلين المنتخبين نجحوا في أداء الدور المطلوب في بعض القضايا لكن الدور التشريعي والرقابي للبرلمان ظل خارج دائرة الاهتمام فمرت الجرع والحروب والخروقات بسلام آمنة وظل المجلس غير مسئول سوى عن العلاقات والخدمات الشخصية الموجهة لمراكز قوى تم استحداثها لضمان بقاء الدوائر عهدة لديهم حتى النزول الانتخابي الجديد.

إعادة الهيكلة

كانت تلك المتاهة التي وقع الناس تحت تأثيرها فتحت أكثر من طريق موازي فجاءت عملية إعادة الهيكلة من قبل المؤتمر الشعبي العام لتضم كل أفراد الأسرة في البيت اليمني إلى عضوية المؤتمر وسط سخونة النجاح واستدراكاً لقاعدة الشكوك المتبادلة فالمؤتمر في النهاية لا يود من المنضوين في عضويته سوى الحشد الذي مطلوب منه التصويت يوم الانتخابات لكن المؤتمر كعادته لا يجيد الإبقاء على التكتيك لأكثر من حدث آني، فها هو المؤتمر ينتقل إلى صراع الأجنحة فيه بقوة تفقد ليس فقط برنامج الهيكلة بل والمطبخ الإعلامي ذاته صوابه السابق، وبالطبع مع احتمال الإعداد لآلية عمل جديدة خلال الحملة الانتخابية القادمة ربما تبدأ من مناهضة الاستخدام السياسي لورقة التكفير كما بدأت تشير بعض الملامح التي فهمها الجميع حتى الآن عدا المتشددين في الإصلاح غير القابلين لفهم اللعب السياسية كما يبدو حتى حين تصير قديمة.

المقعد الرئاسي

اللعبة الثانية الموازية ذهبت في اتجاه توسيع دائرة الاحتمال للبدائل الرئاسية من داخل البيت ليتم تقديم اللعبة كما يلي:

الرئيس

 للرئيس توازناته الخاصة في الإمساك بخيوط اللعبة من حيث استخدام ورقة المشائخ والنافذين والمقاولين في النزول الانتخابي لغرض السيطرة على الدوائر وبيعها للرئيس مقابل مكافأة التحول إلى عضو في المؤتمر "الحاكم" ونافذ من خلال العلاقات والرضا الفوقي عن خدماته واستهلال وإعادة كل عمل أو "منجز" وهو غالباً ضد مشروع الدولة الحديثة إلى رعاية ومباركة الرئيس أو هذا ما يقدمه هؤلاء من أداء وهو ما بات ربما يشكل عبئاًً عليه وليس مفخرة تضاف للرصيد الهدف في حال كان ذلك هو المفترض لكن ثمة ساحة أخرى متروكة للعب ومحسوبة بشدة..

علي محسن

يلعب علي محسن وآخرون في تلك المساحة المتروكة للعب بحسابات معينة وقد حقق امتدادا جيداً في المحور الشمالي الغربي وبنيت جسوراً مع عدد من القوى الاجتماعية المؤثرة والفاعلة هناك لولا أن جاءت حرب صعدة التي دكت تلك الجسور فيما أعتبر تقاسماً لساحة علي محسن من قبل قائد الحرس الجمهوري.

وليست تلك الجسور فقط ما يمتلك علي محسن فهو ايضا أجاد اللعب مع الإسلاميين باختلاف تصنيفاتهم وفيما يحاول هؤلاء تقديمه كقائد انقاذ ينجح هو في انقاذ النظام من تمرد هؤلاء فيستمر جهدهم وخطابهم لخدمة شكل السلطة القائمة وهو الدور الذي ينبغي أن يقوم به كشريك في السلطة وبالقدر الذي يسمح له بالتصرف لتحقيق تلك الغايات.

ما بعد 94م تواجد علي محسن بقوة من خلال جسور علاقاته المعروفة بالقوى الاجتماعية عن طريق إيجاد بعض المعالجات العاجلة لبعض القضايا الملحة فامتد إلى حد ما جنوباً  أكثر ربما من شركاء اللعبة الآخرين.

أحمد علي

في المقابل يأتي أحمد علي عبد الله صالح قائد الحرس الجمهوري ليبدأ ترتيبه من خلال تغيير قادة الجيش وشبشبة المؤسسات في تجاوز غالباً للكفاءات من ذوي الاستحقاقات في هذه وتلك كون الولاء كما يبدو هو المقياس الأضمن في لعبة من هذا النوع ليفتح باب الحديث عن التوريث من قبل جهات عدة قواعد اعلامية تسعى لتكريس المفهوم بطريقة أو بأخرى لدى الأعلى والأدنى وتقاوم أو تعارض المبدأ من المستوى الأدنى والأخر المفتوح خارج التشكيلة السلطوية كما أن من تخسرهم تحالفات علي محسن من الهاشميين تكتسبهم تحالفات أحمد كما يقال.

 يحيى وطارق

من جانب آخر يأتي أبناء الأخ، يحيى وطارق محمد عبد الله صالح، كأصدقاء لقوى الحداثة ووسائل الاعلام ليكونا قبلة قوى الحداثة الأقرب ما دام قد تكرس لدى العامة وإلى حد كبير ربما النخبة أن الخلافة لن تخرج عن البيت..

من خلال هذه التشكيلة يتضح أن ثمة قبلة للقبيلة في تحالفات الرئيس .. الاسلاميون والمبعدون من جهة علي محسن أبناء المسئولين ومقربيهم والمختارين في القيادات العسكرية الحديثة من جهة أحمد وقبلة للحداثة وقوى التحديث صوب يحيى وطارق أو هكذا يظهر المشهد السياسي اليوم وهو ما جعل الكثير من الضبابية تغشى المشهد أمام المحللين ليذهب قسم كبير منهم إلى كون السلطة نجحت من خلال هذه التشكيلة إلى جعل كل من يلعب في أي اتجاه فانه يلعب ضد واحد أو أكثر ولصالح واحد أو أكثر داخل ذات التشكيلة وهو ما يحقق رضا الجميع فأن تعارض الرقم واحد لصالح الرقم اثنين هو ايضا أمر يرضي الرقم واحد والعكس لكن السؤال الأبرز هنا من المرشح البديل…

لعل أهم ما تستبعده التحليلات غالبا هو البعد السيكلوجي لدى الرئيس وهو الأمر الذي يبتعد عنه كثير من المحللين ليس لحساسية الموضوع فهو أمر اعتيادي فكل الزعماء والناس يتميزون بسيكلوجياتهم الخاصة لكن السبب ربما أن عدداً من التحليلات تبدأ في افتراض أمر ما ثم تسوق الأمور باتجاهه وهو ما يفقد كثير من التحليلات موضوعيتها فتجنب المحلل  الوقوف على هذا الجانب ربما لئلا يجد نفسه  خارج النتائج التي قررها مسبقا ولعل هذا ما جعله في كثير من شريك بشكل ما في تكريس ذات الضبابية  أمام  المشاهد..

أدخال البعد السيكلوجي للرئيس يجعل المشهد يظهر بطريقة أخرى.. لا بديل مؤهل لشغل المكان، حتى من بين هؤلاء..

لا يوجد ما يدفع بالرئيس إلى رسم المشهد الآتي للعبة فهو رئيس وهو المؤهل لقيادة البلاد حاضرا ومستقبلا أما التوقف فليس من شأنه هو فحين يجيء أوان التوقف فان الحلول تخلق بحسب ظروفها كما جاءت الحلول ابتداء من خلال ظروفها وبادخال هذا العامل في الحساب فان بقية المحاور سابقة الذكر لا تلعب على اساس لعبة البدائل بقدر ما تلعب على أساس لعبة الاحتواء للمحافظة على المعادلة ذاتها فالرئيس هو الرئيس وكل من في اركان التشكيلة عليه أن يؤدي الدور المطلوب منه بآلية الصلاحيات الممنوحة لخدمة ذات الهدف المتمثل بالمعادلة القائمة ليكون التوزع على أساس الاحتواء والتسخير وليس على أساس الاستحكام والسيطرة.

من حق الجميع أن ينمو وأن يعد لكن بقاء الرئيس على ذات المسافة من الجميع يجعل امر الحسم في الاختيار صعباً ربما ليكون الحل تأجيل النقاش مسافة فترة رئاسية قادمة الأصلح فيها هو الرئيس نفسه. وفي حين أن البديل على الطرف الآخر ما يزال تكفيري الخطاب بشكل أو بآخر وفي حالة عدم جاهزية يظل ذلك ضامناً استمرار الحال كما هو عليه..

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى