أرشيف

«محصنة» تروي قصة تعذيب وشنق « درة الفاتش» وإحراق «قبول الورد» مع ابنتها بالبنزين

هذا الحوار جزء من ملف مفتوح عن التعذيب في اليمن تتبناه منظمة التغيير للدفاع عن الحقوق والحريات التي يرأسها النائب المستقل احمد سيف حاشد،وقد رأت المنظمة نشر هذا الملف في صحيفة (المستقلة)..و رأينا نحن إعادة نشره تباعا بالتنسيق مع (المستقلة ) لإيماننا بأهمية إطلاع الناس على ما حدث من أجل العمل معا على ألا يحدث مجددا…….«يمنات»

……………………………

محصنة محمد سعيد قاسم الحكيمي

عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني

نائب رئيس دائرة المرأة في منظمة عدن

موظفة في وزارة الإعلام / عدن

العمر 49 سنة.

هي أنموذج للمرأة التي نحتت على ذاكرة الصخر صفحة من تاريخ النضال في زمن الرعب.. القسوة.. الموت.. صلبة .. شجاعة.. مبادرة .. آمنت بقضية رأت أنها تستحق أن تعادل حب الحياة .. البقاء..

هكذا تلخص «محصنة» الحكيمي قناعتها الراسخة بشموخ وإباء نادرين.. إنها تدافع عن رصيد تعده الوسام الأعلى في حين تقلد آخرون أوسمة لأنهم دافعوا عن قناعة في الاتجاه المعاكس .. الكل يدافع عن رصيد مقتنع أنه الأصلح وكلا الجانبين في النهاية يحتكمان للتاريخ وما بين القضية الوطن والقضية النظام تستمر اجراءات الأحكام.

ترى ما الذي يمكن أن تضيفه «محصنة» كشاهدة على زمن عاشته وعايشته وكيف ستبدو الصورة بعد قراءة شهادتها .. هذا ما تتوزع إجابته خلال السطور التالية :

حين تحدثنا عن قصص تتعلق بإدانة مرحلة تعذيب رفيقات لها منهن طيبة بركات ، أمينة محمد رشيد ، مبروكة الحاق ، دره الفاتش ، أم حمير ، قبول الورد

كثير من الذين تعرضوا للتعذيب في المعتقلات يتحدثون عن محصنة .. من أنت بالنسبة لهم؟

أولاً شكراً لكم وأرحب بكم في منزلنا .. وأحب أن أشكر القائمين على منظمة التغيير وصحيفة المستقلة لفتح ملف أريد له أن يغلق وهذه خطوة طيبة في طريق تصحيح الماضي وأخطائه.

بالنسبة لي لم أتعرض للتعذيب أو الاعتقال .. مارست العمل السياسي والنقابي منذ أن كنت في الصف الخامس في الحزب الديمقراطي قبل الاندماج .. عملت في جمعية المرأة التي أسستها المناضلة طيبة بركات في عام 1977م بمحافظة الحديدة.. كما كانت من المؤسسات لهذه الجمعية أيضاً الأخت مبروكة الحامد وكثير من النساء اللاتي تحملن مسئولية الجمعية.

هل كان العمل في الجمعية سياسي؟

نعم .. كان بتوجيه من الحزب والنشاطات سرية وبأسماء تنظيمية.

ما الذي يمكن أن يجعلك شاهدة على ذلك العصر المأساوي؟

شهدت الكثير من الأحداث وتعرضت للمطاردات ولولا قدرة الله لكنت في خبر كان .. لأن المرحلة تلك حصدت فيها أرواح وطنية بفعل سياسة رعناء..

ماهو الدور الذي قمت به في تلك المرحلة؟

كان دوري بمثابة همزة وصل بين المعتقل وزملائه وأسرته،خارج المعتقل كنت أوصل الأكل والشرب إلى المعتقلين وأفهم كل إشارات المعتقل عندما يريد شيئاً حيث يقوم بعمل إشارة أفهمها مباشرة.

هل تذكرين بعض المعتقلين؟

الدكتور سلطان الصريمي وأبو القصب الشلال، عبد الرحمن الأهدل، يحيى أمين زيدان، يحيى علامة، علي مكنون، عبد الباري محمد سعيد، عبد النور وغيرهم الكثير يصعب عدهم..

هل حدثت اعتقالات للنساء في الحديدة؟

لم يعتقلوا النساء إلا في عام 1982م عندما اعتقلوا طيبة بركات وأمينة محمد رشيد ولكن كان هناك اعتقال لزميلات لنا في المناطق الوسطى وتعز فقد اعتقلوا في تعز الزميلة درة الفاتش التي كانت تعمل في مؤسسة المياه بتعز واذاقوها أشد أنواع التعذيب ثم علقوها في السجن وشنقوها وبالأخير قالوا أنها انتحرت للتبرير على أعمالهم الشنيعة .. وقبول الورد اعتقلت في المناطق الوسطى وحسب حديثي مع أخويها  ” صالح الورد” أفاد أن أعضاء الأمن الوطني طلبوا منها إعطائهم معلومات عن المعتقلين لأنها كانت تمد المعتقلين في  السجون بالزاد والمعلومات .. كذلك طلبوا منها معلومات عن إخوانها ورفضت قبول إعطائهم أية معلومات .. وأصرت على رفضها، حينها صبوا البترول على جسدها وأحرقوها هي وابنتها في عام 1978، كان ذلك في نفس عام اعتقال المناضلة أم حمير.

ما سبب اعتقال طيبة بركات وأمينة محمد رشيد؟

عندما قمنا بانتخابات لتشكيل الهيئة الإدارية لجمعية المرأة في مدينة زبيد عام 1982م كانت الأصوات قد اختارت مجموعة من نساء وطنيات .. وقبل الفرز أو إعلان الأسماء رفعت أسماء النساء مباشرة إلى الأمن الوطني وفي اليوم الثاني اعتقلوا طيبة بركات مع أمينة محمد رشيد وهما من المنتخبات للهيئة الإدارية في الجمعية.

ماذا عن تعذيب وموت أمينة محمد رشيد؟

تعرضت للتعذيب في سجون الأمن الوطني في الحديدة وأصيبت نتيجة للتعذيب بذبحة صدرية وكانوا خائفين من موتها في السجن فأخرجوها .. لتموت بعد ذلك في منزلها.

أنت هل تعرضت لمحاولات الاعتقال؟

نعم .. بعدما اعتقلوا طيبة بركات وأمينة محمد رشيد .. أمرني زملائي بالخروج من بيتي في الحديدة فخرجت ومباشرة داهموا منزلي ولم يجدوا سوى أحد أقربائي لكنهم لم يأخذوه .. بل سطوا فقط على بعض الكتب والأوراق .. وأخرجني خالي من الحديدة إلى تعز واستمررت فيها لمدة شهر وتسللت إلى عدن على أساس أنني مريضة وأنني من بنات الريف وغير متعلمة واستمر عملنا للدفاع عن المرأة فقمنا بتأسيس الجمعية الوطنية للمرأة وكانت أم حمير رئيسة وكنت نائبة لها.

هل ما زلت إلى الآن تدفعين ثمن مواقفك؟

نعم سوف استمر في النضال الوطني .. إما حياة بكرامة أو الموت أهون..

كلمة أخيرة؟

أشكركم وأتمنى من الذين يجهلون العمل الوطني والسياسي للمرأة أن يعيدوا النظر وأن يعملوا من أجل اعادة الاعتبار لها إذ لا يمكن تجاهل المعاناة والتعذيب الذي تعرضت له المرأة وما زالت تعانيه إلى اليوم في مجتمع ذكوري محض ..

……………………

فتحية شقيقة  (أمينة محمد رشيد) تروي قصة  اعتقال أمينة وموتها

بمجرد أن أخبرنا ضيفتنا بهذه المساحة الأخت/ (فتحية) بأننا نريدها أن تحدثنا عن ذكرياتها بخصوص اعتقال شقيقتها (أمينة محمد رشيد) وحيثياته حتى انفجرت بالبكاء وكأنها تستعيد زمناً مازال حاضراً بكل تفاصيل أحداثه وشخوصه حتى يومنا هذا .. زمناً شكل وما زال جرحاً غائراً لا تستطيع الخلاص منه.. كان بكائها أكثر من حديثها لدرجة أننا شعرنا بالذنب لاعتقادنا بأننا فتحنا الماضي بكل قسوته أمام عينيها، لكنها فاجأتنا بقولها هذه ليست مواجع منسية بل مواجع موجودة أتنفس ألمها مع كل شهيق وفي كل لحظة.. ولنقرأ ما قالته الأخت/ فتحية عن هذا الموضوع خلال لقائها مع مراسلة المستقلة أمنة هندي.

  • مع خيوط الفجر الأولى داهمت مجموعة من العساكر منزلنا واعتقلوا المرحومة أمينة بدون أي أمر قضائي وكان اعتقالها بالنسبة لي صدمة قوية لم أكن أتوقعها اطلاقاً.. كنت حينها طالبة في جامعة صنعاء .. وقد تحطم كل شيء بعد اعتقالها .. فقد تركت الجامعة الى الأبد.
  • كنت حريصة على زيارتها في المعتقل عدة مرات وأحضر لها في كل زيارة أكل وملابس وكنت أجلس معها أطول فترة مسموحة للزيارة.. رغم إنها لم تكن تتحدث معي عن التعذيب لكي لا اتعقد. ولكني كنت أحس بمعاناتها والاحظ مقدار الألم الذي تعانيه.
  • شكلت فترة اعتقالها أسوأ حالة مرت بها الأسرة، حيث قاطعنا بعض الأهل وكثير من الأصدقاء وكذلك وفاة والدتنا في تلك الفترة بسبب حزنها على المرحومة أمينة.
  • أكثر ما كان يميز المرحومة أمينة قوتها وصلابة ارادتها وايمانها العميق بالقضايا التي ناضلت لأجلها وأهمها قضية حرية المرأة وحقوقها.
  • كان لاعتقالها أثر كبير على نفسي ولازال باقياً حتى اليوم .. وشكل هذا جرحاً غائراً أثر عليَّ كثيراً فهي كانت بالنسبة لي كالهواء الذي اتنفسه والنور الذي يضيء طريقي.
  • اعتقد جازمة بأن وفاة المرحومة كانت بسبب التعذيب والمعاناة التي لاقتها في السجن لأنها كانت سليمة قبل الاعتقال ولم تعاني من أي مرض سابقاً.
  • لن استطيع أن اسامح من قاموا بذلك حتى قيام الساعة ولو أعطوني كنوز الدنيا.. لن اسامح من كانوا سبباً بموتها لأنها أغلى انسانة في حياتي وللأسف فقد أعطت روحها لوطن لم يقدم لها شيئاً.
  • أسعد حدث مرّ عليّ بعد موتها هو اطلاق اسم المرحومة أمينة على مقر الحزب الاشتراكي في باجل وإن كانت أمينة تستحق أكثر من ذلك .
  • أن الوطن فيه شخصان يستحقان التقدير والاعتزاز والإجلال والاحترام وأعتبرهم الشمعة التي تضيء للآخرين طريق النور وهم المرحومة أمينة محمد رشيد عارف والأستاذ القاضي أحمد سيف حاشد، وهنيئاً لوطن يكرم من لا يقول الحق والصدق ويبصق على وجه كل من قال كلمة حق في مكانها وأنا فخورة بكل وطني شريف صاحب مبادئ ويدافع عن مبادئه.

وأشكر كل العاملين الشرفاء في توصيل كلمة الحق والصدق في صحيفة المستقلة.

زر الذهاب إلى الأعلى