أرشيف

الجنوبيون.. شركاء لا أجراء!! إلى أين يجرنا هذا الحصان؟!

يبدو المشهد اليمني ،مثير للحيرة والسخرية في آن واحد.. فحين يتابع كل سياسي ما يجري في اليمن من تداعيات خطيرة إبتداء من صعدة شمال اليمن،حتى المحافظات الجنوبية، وما تنذر به تلك التداعيات (المعمدة بالدم) حسب ما يحلو للنظام من الجُمل المكررة، المكروهة وغير المستحبة لدى المواطن والتي تثير سخريته، فأن النظام يكابر بعدم وجود مشاكل خطيرة جداً تهدد الكيان بل الدولة اليمنية برمتها.. فيستعرض جيوشه وحاشيته دون احساس بما يجري تحت أقدامه من غليان مراجل وأزمات مراحل.

الأوضاع في المحافظات الجنوبية تزداد سخونة وخطورة، فحين كانت المطالب الحقوقية قبل سنوات لعشرات الآلاف ممن يطلق عليهم (خليك بالبيت) وما شمل خليك بالبيت من معان، إبتداء بالتركين للكفاءات المدنية والعسكرية، إلى الشعور بالإنتقاص لدى أولئك الذين كانوا يمثلون جمهورية ونظام قبل الوحدة ودخلوا كشركاء لا أجراء.. صنعوا وحدة وسلموا دولة بصدق وحب للوحدة.

تلك المطالب المشروعة واجهها النظام بالإتهام لإصحابها بأقذع الأوصاف التي تنتزع منهم وطنيتهم ، إلى وصفهم بالعمالة والإرتزاق، والعمل وفق أجندة خارجية وغيرها من التهم التي تكررها المكنة الإعلامية الرسمية، والتي لم تصنع إلا مزيد من الأزمات الوطنية في شتى المجالات.

حين رفض النظام الإعتراف بالحقوق .. تطورت القضية إلى مطالب سياسية لتبرز (القضية الجنوبية) وليتحول المطالبون بحقوقهم في العيش إلى حقهم في تقرير المصير، ليندفع في الحراك الجنوبي عشرات الألاف رافعين شعارات فك (الإرتباط والإنفصال) ولتزداد التعبئة التي تجاوزت فساد النظام، إلى مسائل تمس وحدة الشعب، فهذا شمالي وذاك جنوبي.. ولتنتشر بداية ثقافة لدى الشباب ما كانت في يوم من الأيام موجودة، سواء أثناء حروب الشطرين قبل الوحدة، أو بعد حرب 1994م.

ويوماً عن يوم، تبدو تلك المسائل لأي مراقب بأنها تمثل خطراً حقيقياً على الوحدة، لا على النظام القائم وحده الذي يعمل على التقليل منها، ويزيد من حدة تطورها وتوغلها برد فعله السياسي والإعلامي الذي لا يزن درجة الشعور بالمسئولية الوطنية لمعالجة جذور المشاكل وليس قشورها، أو محاولة ترقيعها وهي طريقته المعتادة في الحكم بالإزمات.

النظام يحاول ضرب الحراك بأبناء الجنوب، وهو الأمر الذي يتبدى واضحاً من حيث تشكيله للجان غير قانونية بأسم لجان الدفاع عن الوحدة اليمنية، والتي ليس لها أية صفة دستورية أو قانونية، ويعمل النظام على تحويلها وتسليحها، وهو الأمر الأشد خطراً وقتامة على الوضع برمته.

هذا الأسلوب الذي يحاول النظام التركيز عليه بضرب الحراك بلجان الدفاع عن الوحدة، يبدو أنه لن يصمد، فهناك قوى قبلية وسلاطينية، دعمها النظام سابقاً لضرب شريكه في الوحدة (الحزب الإشتراكي اليمني)، والتي تكللت عام 1994م بالحرب وخروج الشريك مهزوم عسكرياً، وتصرف المنتصر بعنجهية تجاه كل ما كان في الجنوب.. إبتداء بتركين كل شركاء الوحدة وكوادرها، إلى مصادرة النافذين لمزارع الدولة، والتعاونيات والمصانع وشركاء القطاع العام، والبسط على أراضي الدولة بمئات الكيلو مترات والآف الأفدنة وتوزيع البر والبحر كمربعات لنافذين كشف جزء منهم تقرير (باصرة وهلال) الشهير، والذي لم ير النور واحاله الرئيس إلى نائبه ثم إلى مجلس الوزراء كهروب من محاسبة ولو نافذ واحد، وهو الأمر الذي زاد من تعقيد المشاكل واحساس المواطن الجنوبي بأنه أكثر معاناة واستهدافاً..وغبناً وأن الرئيس شخصياً يراهن على إحالة المطالبين إلى التقاعد، متناسياً ومتجاوزاً أن جيل الوحدة هو الأشد احساساً بالضياع.

المخاطر بدأت الآن بما جرى في محافظة أبين بصدام مسلح بين أنصار الحراك يتزعمهم الشيخ طارق الفضلي والسلطة التي يمثلها المهندس الميسري محافظ المحافظة في زنجبار.

والذي يعرف تاريخ محافظة أبين والصراع بين قبائلها، فأنه سيدرك خطورة الموقف الذي تحول إلى دموي، فالخلاف قائم ومنذ القدم بين (آل الفضلي) و(آل الميسري) وهو الأمر الذي جعل المؤتمر الشعبي العام يسقط الفضلي من اللجنة العامة لينجح بالدعم والتكتيك المعروف الميسري، الذي غدا محافظاً وينال دعم السلطة والرئيس بصرف المليارات له ، ليسد بها الثغرات من خارج الموازنة العامة، فيما كان الفضلي مدعوم من السلطة حين استخدم ضد الاشتراكي وهو الذي حاول قتل أمينه العام علي صالح مقبل.. وهي اللعبة التي جرت في المؤتمر لإسقاط حسين الأحمر ودعم الشائف بقوة السلطة والمؤتمر باحصنته الراكضة، كما أن الفضلي معروف بأنه كان يتبع (القاعدة) وأحد قياديها، غير أن النظام استفاد منه، ليدافع عنه وليقربه بمصاهرة شقيق الرئيس القوي علي محسن، ليمثل خط الدفاع الأول عنه، وليمنحه النظام وبدعم علي محسن الأراضي من زنجبار إلى عدن وبوثيقة من مجلس محلي أبين لا يملك الصلاحية.

وبذكاء الفضلي فقد قام بتوزيع ألاف الأفدنة كهدية على المسئولين، ناهيكم عن مزرعة الرئيس في أبين والتي كانت أكبر مزرعة للدولة قبل الوحدة مزرعة  7 أكتوبر.

غير أن الفضلي عندما أنقلب عن النظام وبدأ يشكف كيف كان يجنده وآخرين لضرب الإشتراكي، وبدأ يتواصل بالبيض، أثار حنق الرئيس الذي أعلن (أن الأراضي من العلم حتى زنجبار أراضي دولة وأك كل الضرف وعقودها تعتبر ملغية) غير أن ذلك لم ينفذ وأعتبر مجرد كلام كرد فعل أتى، غير قابل للتنفيذ فمعظم تلك الأراضي صرفت لنافذين في السلطة، وهم أكثر المستفيدين من تسليم الأراضي للفضلي الذي أدعى أن أملاك أل فضل تصل إلى عدن الصغرى وميناء عدن الدولي.!

في ظل ذلك المسلسل الدرامي، برزت (يافع) كقوة قبلية يحسب لها ألف حساب في الجنوب، لتدعي أن تلك الأراضي تتبعها، ولا يملك الفضلي حق التصرف بها.. وقد تدخل اللعبة عملية تفجير الموقف ضد الفضلي، ويدعم من أجنحة في السلطة سيما وقد ظل التمرد وضرب كل المرافق والمؤسسات الحكومية في (جعار) لأشهر، ولم يحرك النظام ساكناً،إلا بعد أن فشل في مخططه بضرب جعار المنتمي سكانها إلى يافع بزنجبار ومناطق أخرى، وهي من الفنون التي تجيدها السلطة بضرب هذا بذاك، والإستفادة من طريقتها (فرق تسد) لتعمل هي ما تشاء وكيف تشاء.

الوضع الآن وبعد حدوث قتلى وعشرات الجرحى في زنجبار وترك محافظتي لحج والضالع للتضامن مع ما حدث في زنجبار، والمطالبة بأطلاق سراح معتقلي الرابع من يوليو الماضي في كل المحافظات، يبدأ مرحلة جديدة من التخندق ربما المسلح والمواجهات التي قد تمتد وتتطور، وهي الأشد خطورة على الأوضاع برمتها.

فالإحتقان الشعبي والتوتر موجود في كل المحافظات، حتى تلك التي يحاول النظام تهدئتها بالمناصب والسيارات والمليارات فهي محتقنة وقابلة للإنفجار في لحظة.

بالإضافة إلى الإنفلات الأمني الخطير الذي لم يستطع القبض على قتلة القبيطة الأبرياء الثلاثة الذين ذهبوا في حبيل جبر نتيجة التعبئة الخاطئة التي وقع فيها الحراك الجنوبي ضد كل ما هو شمالي، حتى وصل إلى بائع الكراث والبقلـ وعامل الحلويات والبناء، والذي لم ينتبه له الحراك، إلا هذا الأسبوع عبر كلمة النائب الخبجي أحد قادة الحراك والذي أكد أن العداء ليس المواطنين الشماليين الذين يعانون كأمثال أبناء المحافظات الجنوبية ، وإنما ضد النظام الفاسد ورموز الفساد.

وهو إدراك ربما بدأ متأخراً، ومن الصعب القول أنه يستطيع محو ما تكًون في ذهنية الحراك، ومنهم الشبان الذي يراهن الرئيس صالح بأنهم جيل الوحدة، غير أنهم ينجرون إلى ثقافة أخرى، ناتجة عن رد فعل تجاهل النظام لمطالب الشعب، وحفاظه على الفاسدين والنافذين الذين يزداد فسادهم وتحديهم لكل المشاعر للبسطاء من مواطني المحافظات الجنوبي ناهيكم عن المحافظات الشمالية التي تعاني معظم محافظاتها نفس السياسة والعنجهية إبتداء من الحديدة حتى تعز.

هذا إلى جانب اعتماد النظام على القوة العسكرية، وهي العاجزة عن الحفاظ على الأمن في صنعاء العاصمة، فما بالنا بأعادة اللحمة الوطنية التي تنهار، رغم كل تطمينات السلطة بأن الوحدة قدر ومصير لا يمكن أن يُمس.. والتي حاولت أخيراً استصدار بيان لها من 82عالماً مدجج بالآيات القرآنية الكريمة التي أبتعدت عن معانيها الدقيقة، بأعتبار الوحدة ليست ديناً لا يمس، ومن خرج عنها كافر أو مرتد، وهو البيان الذي أنكر عدد من العلماء التوقيع عليه أو حضور كتابته وأقراه وبلغت درجة الاستهتار حتى بتزوير توقيعات البعض منهم.

بأختصار: يبدو المشهد اليمني الآن مرعباً ، فصعدة عادة فيها المعارك، والقتل يومياً ، والأوضاع الإقتصادية تزداد تدهوراً، والثروات تكاد تنضب، والحكومة عاجزة حتى عن استخدام القروض الخارجية المتوفرة ، ولا تجيد إلا تقديم مطالبها كل عام بالإعتمادات الإضافية بمليارات الدولارات والتي عادة ما تكون قد صُرفت في مشتريات غير ضروية ، وغير استثمارية، وفساد منظم من أدنى حلقة إلى أعلاها، وهو الأمر الذي جعل الدول المانحة والصناديق والبنوك الدولية تتنبأ بسقوط الدولة الهشة- حسب تعبيرها- فليس في النظام اليمني فاصل بين سلطة الرئيس والمال العام.

فهو الذي يستطيع صرف كل شيء وعلى من يريد فيما الشعب يعاني من الفقر المدقع والأمراض المنتشرة والفساد القاتل لك حلم.

إن الوضع اليمني يزداد تدهوراً وينبئ بمخاطر لا تحمد عقباها، يخشى اليمنيون أن تغدوا بلده (صومال ثانية) في ظل شعب مسلح ، وقبلي وفقر واستئثار أقلية بثروات الوطن ومفاصله، وتنكر النظام لكل المخاطر يزيد من حدتها، إلى جانب اخطائه القاتلة، والتي قد تلتهمه بذاته.

ولذلك فأن النظام ما لم يتدارك الأوضاع إبتداًء من المحافظات الجنوبية وإشراك المعارضة في حلها وكل القوى الحية، ومغادرته مربع الغرور والغطرسة ومنطق القوة العسكرية ،فأن مستقبلاً كئيباً حاضر الآن،  وسيغدوا أكثر كآبة، ينبئ بسقوط مربع يأكل الأخضر واليابس ويجزئ اليمن إلى أجزاء متناثرة لا يعلم عددها إلا الله.

فهل يرعوي هذا النظام عن غيًه ويصحو قبل فوات الأوان، أم ينتحر ويدفع الشعب ثمناً باهظاً جداً فيما رموزه تهرب إلى الخارج بعد افعالها؟

المستقبل الشهور حُبلى بمفاجآت، ندعو الله معها السلامة.. فالترقيع لم يعد مفيداً ، فقد كبر الخرق على الراقع، وتجاوز كل حدود المنطق، بالكذب المحجوج يومياً.. بل كل ثانية.

إلى أين يجرنا هذا الحصان الخشبي الفاقد للإحساس؟!

ألا يدعو هذا الوضع إلى الحيرة والقلق ، ربما البكاء والندم حين لا ينفع الندم!

إلى أين تمضي بنا يا حصان…. يااااا…..!

 

زر الذهاب إلى الأعلى