أرشيف

صفية .. أحلام .. أماني .. ربيع يذبل على أرصفة الباعة

منذ سنوات والفتاة صفية محمد تمتهن الرصيف مفترشة بضع أمتار في الساحة الخارجية لباب اليمن، تعرض فيها بعض الملابس المستعملة التي تقوم بترميمها ثم بيعها لمواجهة الظروف القاسية التي عاشتها أسرتها منذ أن استقبل السجن المركزي والدها بعد أن عجز عن تسديد نصف مليون ريال لأحد التجار لمواجهة أساسيات الحياة ، فعلى مدى أربع سنوات من امتهان الرصيف لم تستسلم صفية لليأس الذي تعيشه عشرات الفتيات البرجوازيات فقد واصلت الفتاة المدنية دراستها وتفوقت على الكثيرات رغم الصعاب التي تواجهها، فقد نالت مؤخراً الشهادة الأساسية وبدأت مشوارها في المرحلة الثانوية إلا أنها استعانت بأختها التي تصغرها سناً لمساعدتها في بيع وشراء الملابس .

بعد خروج والدها من السجن لم ينته مشوار كفاح صفية. الفتاة تحظى باحترام الباعة والجوالين نظراً لسلوكها وتعاملها الخلاق معهم ولكنها لم تسلم من مضايقة البلدية لها ..قبل عدة أشهر حاول أحد مفتشي البلدية العبث ببضاعتها المتواضعة الربحية، حاول العديد من المارة دفع الرجل عنها وعن بضاعتها كونها امرأة فاشتط غضباً ثم اندفع عابثاً ومهدداً بمصادرة مصدر رزق إخوانها.. وبدافع الدفاع عن النفس سحبت الفتاة جنبية أحد الحاضرين وأشهرتها في وجه العابث فلاذ بالفرار .

على مقربة من مكان عمل صفية تمتهن فتاة أخرى تبيع الحلق اليدوية الرجالية والنسائية متحملة حرارة الشمس وقسوة البرد ساعات طويلة ، تبدأ عند الثامنة صباحاً إلى نفس الوقت مساءً دون كلل أو ملل، إلى جانب الحلق "المداور".

أحلام تقليل من الخسارة

تبيع أحلام الريمي البيض الذي لا يزيد ربحه عن 300 ريال في اليوم تحاول أحلام أن تقلل من الخسارة لالتزامها بتوفير مصروف البيت يومياً.. رحلة البحث عن لقمة العيش دفعت سامية عبد الرحمن (حجة) للتجوال في الأسواق العامة حاملة في كتفها الأيمن عينات من الكتيبات الدينية ؛ أذكار الدعاء والصلاة وبعض الأقلام وفي الكتف الأيسر تحمل حقيبتها التي تحتوي على مصدر رزقها.

 تروج سامية على استحياء لبضاعتها لدى أصحاب المحلات "تشتي قلم يا عم"..؟

أماني – قات بلا ربيع

أما "أماني" بنت الثالث عشر عاماً فتبدأ رحلتها اليومية المفروضة في شراء القات وبيعه، فتحرص أن تصل سوق "الهندوانة" دار سلم قبل شروق الشمس وتنتظر حتى تتراجع ذروة السوق ويقل "المقوتين" ثم تبدأ بشراء القات الرخيص و تعود إلى سوق القات في جانب فرزة باصات باب اليمن .

قبل أن تبدأ أماني التي تعاني من إعاقة في يدها اليسرى مرحلة بيع القات تبحث عن مكان خال من  بلاطجة السوق ومن الزحمة فتجلس في مكان يبعد من السوق عدة أمتار ، تتحمل حرارة الشمس وأدخنة الباصات طوال اليوم وتستمر حتى تنتهي مهمتها بانتهاء القات، أحياناً تضع على رأسها قطعة كرتون لاتقاء حرارة الشمس وعلى بضاعتها بقطعة أخرى خوفاً من إتلاف أشعة الشمس قاتها، وهكذا تستمر معاناة أماني صيفاً وشتاءً، بعد أن سقط الربيع من عمرها ثمناً لفشل السياسات والإجراءات الهادفة إلى الحد من العوز والبؤس اللذين يعيشهما الغلابى والمظلومون في وطن استوطنه الغرباء وأصبح الإنسان غريباً في وطنه، فالخوف من التشرد والضياع دفع مئات الفتيات للخروج من منازلهن للبحث عن أدنى متطلبات الحياة بشرف وعزة ، بحثاً عن لقمة العيش الحلال التي يفتقدها 7 ملايين يمني.

منظمات المجتمع المدني النشطة في مجال تنمية المرأة تجاوزت الـ 12 منظمة منها جمعية تمكين المرأة اقتصاديا بالإضافة إلى لجنة حورية ورشيدة وعلي مجور لم يكترث أحد لمعاناة هؤلاء الفتيات ولا للظاهرة ، فالكبار يبحثون عن التمكين السياسي والصغار المسحوقون اقتصادياً يبحثون عن التمكن من الحصول على لقمة العيش. لا يعلمن أن ثمة لجنة وطنية للمرأة أعدت إستراتيجية وطنية لتنمية المرأة.. " ولا يذكرون وعد الأخذ بأيدي الفقراء والمعدمين لا بأيدي الفاسدين والمتنفذين.. فحياة الكفاف والعفاف استحوذت على تفكير فتيات الاقتصاد غير المنظم وعلى النساء اللاتي لا يسقطن الدموع في وجه المأساة بل يجلن الحارات لدرء مخاطر الفقر عن أطفالهن وإخوانهن.

زر الذهاب إلى الأعلى