أرشيف

تجربتي مع طالبي اللجوء والمقيمين العراقيين و العرب في مملكة السويد

الأسباب والبواعث التي ساقت البعض ، من أبناء الجالية العربية ، الى سجون المملكة السويدية

للأجرام وبكل أشكاله وألوانه و أوزانه وأحجامه ، والذي تتصدى له القوانين ، الرادعة ، المدنية ، والوضعية ، والمعمول بها ، في غالبية دول العالم ، بما فيها المملكة السويدية ، أسباب وبواعث محركة ، تدفع الجاني هذا أو ذاك الى الأقدام عليه وأرتكابه ، سواء بأرادة كاملة منه أو تحت تأثير ظروف ضاغطة تدفعه وبقوة للأنسياق وراءه . وتلك البواعث والأسباب الضاغطة و الدافعة ، لأرتكاب الجرم هذا أو ذاك ، تتفاوت وتختلف بأختلاف و تنوع مرتكبي الجرم أنفسهم . وبعض من هذه الأسباب المحفزة لسلوك الجرم ، مردها ، عوامل أجتماعية بحتة ، تتصل بالفقر المادي والروحي والموروث الثقافي والتربوي والنفسي للجاني . ومنها مرده الى عوامل وأسباب سياسية . فالتناقضات التي تحدث داخل المجتمع ، وأي مجتمع كان ، أقطاعياً كان ، أو رأسمالياً خالصاً ، أو البين بين ، سواء كان هذا المجتمع ، هجيني مزدوج ، بين الأقطاعية والرأسمالية ، أو الرأسمالية والأشتراكية . ففي خضم تناقضات التطور، في تلك المجتمعات ، تقود و تفضي ، الى أشكال من الصراعات صعودا ونزولاً ، فتتجسد الجريمة فيها ، كتعبيرا عن ردت فعل لجانب ، من جوانب هذا الصراع الناشئ ، كحتمية قدرية ، بسبب من سنن وأفرازات هذا التطور ، المدفوع الثمن وللأسف، بعرق وبدم الضحايا من بني البشر . فالأجرام ، أياً كان ، لايتصل بأي حال من الأحوال بعوامل الوراثة الجينية ، كما يزعم البعض من المتعنصرين ومنظريهم . فالجرم لايولد مع ولادة الأنسان ، بل هو جنوح ومسلك أجتماعي منحرف و مكتسب ، وهو أيضاً قابل للعدوى ، لذا ينبغي التصدي له ، والتعامل معه كحالة مرضية سرطانية أجتماعية قابلة للتعاطي معها وعلاجها ، على مراحل . لذلك وجدت السجون ، لتكون جزء من هذا العلاج . وهذا الجزء من العلاج ليس ذي قيمة وفاعلية ، إذ بقيت السجون ، مجرد أماكن لحجر الحرية الشخصية للجنات . ولتفعيل دور تلك السجون الحيوي في معالجة الجريمة ، يتطلب الأمر ، أن تلعب تلك السجون دور أصلاح الجاني وأعادة تأهيله الى مجتمعه ، و بممارسة حياته الطبيعية والسوية فيه .  

وبناءا على هذا الأدراك ، و الفهم الصحيحين ، والمطلوبيين ، للدور الحيوي والمهم للسجون ، في معالجة ظاهرة الجريمة المتنامية والحد منها قدر المستطاع ، شيد ساسة المملكة الغيورون سجونهم ، و وضعوا نصب أعينهم ، تلك الأهداف والمقاصد ، السامية والنبيلة المشار إليها أعلاه ، قولاً وأفعال . على النقيض تماماً ، من ما جرى ويجري في السجون المخزية لساستنا العرب ، والدور الدوني الذي تضطلع به . في حجر الحريات ليس إلا ، دون أدنى أكتراث أو مراعات ، لأفكار وتطبيقات أعادة التأهيل والأصلاح المطلوبين أنسانيا ، وليس أعلامياً زائفاً، لهذه الشريحة ، وهذه الشريحة الضحية لأقدارها والمنحرفة أجتماعياً بالتحديد .  

وبالأستنادا الى أحتكاكي ، بهذه الشريحة من سجناء الجالية العربية ، في سجون المملكة ، والأطلاع على تفاصيل دقيقة ، تخص سلوكهم الذي ساقهم الى أرتكاب الجرم ، وبالرجوع الى تعاملي مع الشرائح الأوسع خارج نطاق ، أسوار تلك السجون من أبناء نفس الجالية . وأطلاعي على ظروفها ، الخاصة والعامة و طرق وأساليب حياتها ومناحي تفكيرها ورؤاها . أستناداً الى كل هذه المعطيات ، الملم بها عن خبرة عملية وميدانية مع أبناء جلدتي على أختلافهم وتنوعهم . وجدت أن أسباب وبواعث مسلكياتهم المنحرفة ، والتي ساقتهم سوقاً الى زنزانات الأصلاحية ، هي ذاتها التي أوضحتها في مقدمة هذه الحلقة من مذكراتي . دوافعها ومحركها ، تصادم أجتماعي مئة بالمئة ، ناتجة عن خلل ، أفقدهم التوازن ، وأطاح بهم . والخلل هذا ، يكمن في أوضاعهم المادية ، والروحية ، والثقافية ، والتربوية . وبسبب من قصور هذه الشريحة وعجزها عن أنتاج وأبتداع مسالك راكزة وسديدة توجه بوصلة حياتها ، وتمضي بها ، وهية متصالحة مع النفس ومع الأخرين ، بغية الوصل الى بر الأمان ، وبأقل الخسائر الممكنة ، في رحلة العمر الحلوة والمرة و القصيرة على وجه الأرض . وأضيف على ما ذكر ، من أسباب ، قادة هذه الشريحة الى السقوط في براثن الأنحراف ، أنها هاجرت الى المملكة ، وهي تتسلح باليسير القليل ، من زاد الثقافة والعلم والمعرفة بديناها ودنياها القليل القليل القليل . وللأسف هم نفسهم أي تلك الشريحة من أبناء جلدتي ، التي تلعن ليل نهار عتمة المهجر ، بدل من أضائت شمعة فيه .

للموضوع تتمة لاحقة في الحلقة العاشرة من سلسلة هذه المذكرات .

زر الذهاب إلى الأعلى