أرشيف

بعد فراق 30 عاما.. شهادة ميلاد تجمع توأما مصريا : صديقة الأم أخفت أحدهما عقب ولادته

 قبل نحو ثلاثين عاما أنجبت سيدة مصرية في إحدى قرى مدينة السنطة بدلتا النيل توأما، وشاءت أقدارهما أن يمرا باختبار عسير بعد ساعات من وصولهما للدنيا؛ إذ توفيت والدتهما الفلاحة البسيطة ومن قبلها والدهما، وإذا بصديقة الأم تعطي أحدهما لعائلة ثرية بالقاهرة وتخفي الأمر طوال 24 عاما.

وعندما انكشف الأمر بدأ التوأم الأكبر رحلة البحث عن شقيقه، بينما كان الأصغر منشغلا فعليا منذ سنوات بالبحث عن أسرته الحقيقية دون جدوى، وبعد أن كاد كلاهما أن يفقد الأمل في الوصول لهدفه شاء القدر أن يلتقيا قبل عدة أشهر ليلتئم شملهما من جديد.

ويروي إيهاب يوسف الشقيق الأكبر قصته قائلا "قبل نحو 30 عاماً، ولدت أنا وشقيقي لأسرة فقيرة، فالأب مزارع بسيط والأم فلاحة بسيطة لا تعرف من الدنيا سوى الإنجاب بحثاً عن الابن الذكر لإسعاد زوجها، بعد أن أنجبت له نحو 5 بنات ولهذا كانت بمجرد الإنجاب، تحمل مرة أخرى".

ويضيف "لم يكن والدي سعيداً بذلك على الإطلاق، وكان دائم الضرب لأمي ويوبخها على إنجابها للفتيات، بل كان يتهمها بأنها عاقر لمجرد أنها لا تنجب الذكور، وعلى رغم زيادة أعبائه كان لا يقاوم رغبة والدتي في الإنجاب مرة أخرى لكونها في الأصل رغبته الداخلية أيضا بحثا عن الذكر الذي يساعده في فلاحة الأرض، ويضيف إلى دخل الأسرة اليومي قروشاً قليلة".

ويتابع قائلا "في عام 1979 حدث ما لم يكن في الحسبان، ومرت أسرتنا بأسوأ أيامها على الإطلاق، ففي الوقت الذي كانت أمي فيه حاملاً وتوشك على الوضع، توفي والدنا غرقا، وشاء القدر أن تنجبنا أمي أنا وشقيقي التوأم بعد أسابيع قليلة من وفاة والدنا".

"لكن جارتنا العاقر -يستطرد إيهاب- أوهمت والدتي أنها لم تلد سوى طفل واحد فقط، فطلبت منها أمي وهي تعاني آلام الولادة أن تصطحبه إلى مكتب الصحة لإصدار شهادة الميلاد، وإذا بوالدتي يتوفاها الله بعد ذلك بساعات لنصبح بلا أب وأم، مجرد وليدين صغيرين و5 شقيقات، ولا نملك من الدنيا إلا حطامها وليس لنا أقارب يساندوننا، فإذا بالسيدة التي كانت موضع ثقة أمي رحمها الله والوحيدة التي أشرفت على ميلادنا توهم أهالي القرية أن والدتي لم تلد سوى طفل واحد، وتصدر لكلينا شهادة ميلاد واحدة باسم إيهاب محمد يوسف، وتنقلنا للعيش معها في منزلها لرعايتنا، بينما قامت بمنح شقيقي لإحدى الأسر في القاهرة"، بحسب صحيفة "الخليج".

وردا على سؤال عن سبب قيامها بذلك؟ يجيب إيهاب الشقيق الذي تربى بالقاهرة "ربما لمساعدتها في تربية أشقائي كما قالت لشقيقي فيما بعد، وربما باعتني.. لا أحد يعلم، كما إن قيامها بقطع صلتها بي تماماً وبالأسرة التي أعطتني لها يؤكد إحساسها بأنها ارتكبت خطأ لا يغتفر.. فلم أرها في منزلنا على الإطلاق، ولكن سمعت عنها بالطبع؛ حيث كانت أسرتي بالقاهرة واضحة تماماً معي، وأخبرتني أن والدي اسمه عبد المنعم يوسف وهو الاسم الذي استخرج به والدي بالتبني شهادة ميلاد لي من القاهرة حتى ألتحق بالمدرسة، وأكمل مشواري في الحياة".

ويضيف "كانت أسرتي بالتبني والتي أدين لها بالكثير من الفضل ميسورة الحال لدرجة أن والدي فيها تنازل لي عن إحدى الورش التي يمتلكها حتى لا ينازعني فيها أحد من أسرته، وبالطبع استسلمت للأمر الواقع وإن كنت ظللت لسنوات طويلة أحلم بأن أرى أبي وأمي الحقيقيين ولو حتى في صورة فوتوغرافية، وبحثت عنهما كثيرا بلا جدوى في كل محافظات مصر".

كشف السر

وهنا يلتقط التوأم الأكبر أطراف الحديث ثانية قائلاً "بالطبع كانت حياتي أنا وشقيقاتي بائسة، فالسيدة العاقر التي اصطحبتنا إلى منزلها لتربيتنا كانت شديدة الفقر، وإن لم تبخل علينا بشيء، ولكن كنت ألمح دائماً في عينيها نظرات حزن وندم، وقبل نحو 6 أعوام فقط توفاها الله؛ حيث مرضت مرضاً شديداً ألزمها الفراش لنحو عامين، وفي أحد الأيام وقبل وفاتها فوجئنا بها تطلب الجلوس معنا وبإصرار شديد، والتففنا جميعا حولها وإذا بها تكشف لنا ما فعلته مع شقيقي".

ويضيف "كانت الصدمة رهيبة وخاصة أن الله توفاها بعد أن صارحتنا بساعات قليلة، وكأن الله أراد تطهيرها قبل أن يقبض روحها وحزنا عليها شديداً، وبينما تفرغت شقيقاتي لحياتهن وأزواجهن قررت أنا التفرغ للبحث وبإصرار عن شقيقي وتوأمي الذي يحمل اسمي ودمي وربما ملامحي أيضا، ولم أترك قسماً للشرطة إلا وسألت فيه عنه، وسافرت إلى كل محافظات مصر، ولكن الخطأ الذي وقعت فيه أنني كنت أقول للناس الذي يتعاطفون معي ومع روايتي أن ملامحه تتطابق معي تماماً لأنه توأمي، بينما كشف الواقع عكس ذلك".

لقاء التعارف

أما عن كيفية عثور كلاهما على الآخر، يجيب إيهاب المقيم بالقاهرة "بعد أن اطمأن شقيقي إلى أنه أدى دوره بزواج شقيقاتنا قرر أن يسافر للخارج عدة سنوات يعود بعدها لإتمام زواجه ويستأنف بحثه عني، خاصة أنه أنهى خدمته العسكرية ولم يكن يتبقى له سوى الحصول على شهادة الإعفاء النهائي، وإذا بالقدر يشاء أيضاً أن أتوجه في نفس اليوم إلى أحد المراكز العسكرية للحصول على الشهادة، وإذا بالضابط يندهش من الأوراق المقدمة له بنفس الاسم لاستخراج ملفي إعفاء مختلفين، وكنا في تلك الأثناء نجلس في ساحة الانتظار ولا أحد منا يعرف".

ويضيف "المفاجأة التي فجرها الضابط لنا عندما استدعانا كانت كافية؛ لأن يكتشف كل منا الأمر سريعاً فلم نصدق أنفسنا حينما قال الضابط مازحاً اعتقدت أن هناك شخصا واحداً يريد استخراج ملفين بنفس الاسم، ولكن ما دمتما شخصين فإن الأمر مجرد تشابه أسماء، استريحا حتى أستخرج الأوراق، وفي هذه اللحظة شعرت بالدهشة عندما فوجئت بشقيقي يتحدث إليّ بلهفة شديدة ويوجه لي عشرات الأسئلة وأنا ألوذ بالصمت، فما أعرفه أنني ليس لي أشقاء.. وبالتالي لم أهتم بحديثه في البداية حتى بدأت أنتبه عندما تحدث عن الأسرة التي تبنتني، وتساءلت بيني وبين نفسي هل لي أخ شقيق توأم.. وأسرتي بالتبني لا تعلم؟".

"وفي لحظات معدودة -يتابع- تشابكت أيدينا وانطلقت الأسئلة متلاحقة من دون أن تنتظر إجابات كاملة، فكل منا كان يكمل للآخر إجاباته وبشغف كبير واحتضن كل منا الآخر، وهو يبكي والجميع ممن يقفون حولنا في ذهول، وفي ذلك اليوم اتصلت بوالدتي بالتبني على الفور وأخبرتها بما حدث، وأكدت لها أنني لن أتركها مطلقاً خاصة بعد وفاة والدي بالتبني".

زر الذهاب إلى الأعلى