أرشيف

هل تقبلين الزواج بزوج أختك بعد وفاتها

تطل من خلف الأبواب المغلقة إبتسامة غائبة وأنات وآهات مبحوحة.. حيرة دائمة وأحزان متراكمة.. ترزح تحت وطأتها فتيات يسقطن ضحايا الصمت في دهاليز الأعراف القاتلة التي تفرضها قوانين القبيلة الظالمة على الفتاة بوضعها أمام خيار إجباري يوصلها حد الشعور بأن فستان الفرح الذي ترتديه ليس أكثر من مجرد كفن لأحلامها وهي تجد نفسها عروسة تزف لزوج اختها المتوفاة وسط أعراف مجتمع لا تسمح لها أن ترفع بصرها لتقول لا في وجه ولي الأمر صاحب كلمة الفصل في هذه الأمور.

< تحقيق: فاطمة رشاد

< هذا الموضوع استوضحنا خباياه مع فتيات خضن هذه التجربة المريرة في السطور التالية:

وصية وأدت الأحلام

توفيت (سلوى) قبل عام تاركة وصية مؤلمة لأختها فحواها أن تتزوج بزوجها وتحافظ على أولادها.. الوصية كانت صدمة كبيرة على (مروى) التي باتت ترسم أحلامها الجميلة وتنتظر لحظة زفافها إلى ابن خالها الذي أحبته منذ طفولتها ولكن وصية (سلوى) جعلتها تقف متسمرة بحيرة بين أن تحتل مكاناً لم تتمنه ولم تكن تفكر فيه قط وبين آخر يخفق اليه قلبها.

قالت لنا (مروى): «لم أعرف الكره في حياتي إلا أن أختي (سلوى) غرسته في أعماقي عندما كبلت فرحتي وجعلتني مشتتة البال لا أستطيع الاختيار.. لماذا أوصتني بهذه الوصية وهي تعرف أنني أحب ابن خالي وأننا متفقان على الزواج ولماذا تقتلني وتدفنني حية؟ منذ رحيلها وأنا محتارة وأرهقت فكري بين القبول والرفض.

كبش فداء

وعلى نحو لا يختلف عن حكاية (مروى وسلوى) صارحتنا (منال) التي ذاقت مرارة الكأس ذاته منذ أكثر من 30 عاماً، فكانت ضحية وكبش فداء قائلة: «تم عقد قراني على شاب من قريتي ولم يتبق لزفافي إلا ثلاثة أيام لكن موت أختي الكبرى المفاجئ جعلنا نؤجل موعد الزفاف، والذي ما إن أفقت من سكرة ألمه حتى تفاجأت بقرار أبي وجدي القاضي بانفصالي عن عقيدي والزواج بزوج أختي المتوفاة.. ضاقت بي الأرض وأنا أخاطب نفسي كيف لي أن أحتل مكان أختي وأنام على فراشها وآخذ زوجها وابنها.. اجتاحتني الآلام وحاولت الاعتراض لكني تعرضت للضرب.. فعرف قريتنا ?و لابد أن تتزوج الأخت بزوج أختها إذا ماتت، وهو ما جعلني أعيش مأساة لو سردت تفاصيل ما ذقته فيها من ألم وأنا أحتل مكان أختي فلن يصدقني أحد.. عانيت 30 عاماً ورغم أني أنجبت أطفالاً إلا أن الحزن ظل محفوراً في القلب، فالزواج بزوج الأخت انتحار بطيء..

(منال) التي لم تع ماحدث هاهي تعيش حزنها وحدها مسترسلة بالدعاء على من فرض عليها حياة لم ترد أن تحياها فحين سألناها هل أحببتي زوج أختك صمتت واكتفت بقول: حسبي الله على من كان السبب..

تضحية كبرى

ولكن خلافاً لذلك فهناك من تزوجت بزوج أختها بإرادتها مثل (س ـ ك) التي بكل صدق قالت لنا: «لم أفكر بنفسي بل فكرت بأبناء أختي الذين خفت عليهم إن تزوج والدهم بامرأة لا تهتم بهم.. وبرغم أني كنت مخطوبة وأحب خطيبي إلا أن تضحيتي من أجل أولاد أختي كانت أكبر من كل شيء، قبلت أن يذهب الحب مقابل ألا أجعل أولاد أختي يعانون طول العمر والحمد لله أنا سعيدة بزوج أختي فهو لم يشعرني بأنني احتليت مكانها وسعد بتضحيتي لأجل الأولاد وأحبني كما كان يحب أختي، وعموماً المسألة مسألة تعايش مع حياة جديدة ونجاحها في كيفية استيعابها.

وعلى نفس الدرب سارت هدى التي أصرت على الانفصال عن عقيدها الذي أحبته من أعماقها وظلت تنتظر يوم زفافها اليه عندما تزوج زوج أختها المتوفية بامرأة أخرى ورأت أولاد أختها يتعذبون طلبت منه أن يطلق المرأة التي تزوجها لتكون هي بديلة عنها وفعلاً تزوجت بزوج أختها، حتى لا يعاني أولادها كما أضافت «كنت مصرة على انفصالي عن عقيدي وقد وافق بعد أن خلعته».

في الجانب الآخر

كجس نبض من قبلنا حول إمكانية استيعاب الفكرة سألنا بعض الفتيات عن مدى تقبلهن الزواج بأزواج أخواتهن وكانت البداية مع (أميرة عبدالله) التي أوضحت لنا بقولها: لا أقبل لأنني ربما أكون أحب شخصاً آخر وأريد الزواج منه وإذا كان موت أختي مثلاً يتطلب مني أن أتزوج بزوجها وكانت هناك وصية فسأضحي من أجل وصيتها خوفاً من تشتت أولادها بهذه الحالة سأقبل الزواج لأني حملت أمانة.

أما (أريج أحمد) فقالتها بكل صراحة وكررت: لا لا لا لا لن أقبل أن أكون زوجة لزوج أختي بعد وفاتها لا سمح الله.. ولكن هذا الشيء نسبي في بعض الحالات فليس بالإمكان أن نقيس حالة على الكل حتى وإن نظرنا من جانب إنساني يظل كلا الأمرين تضحية لأنه زواج غير قائم على الاقتناع التام وأحياناً يكون بضغط من الأهل وإتباع للعادات والتقاليد التي يفرضها المجتمع على الأنثى.

وتوافقها الرأي (أثمار) فهي الأخرى تؤكد رفضها بالقول: لايمكن أن أتزوج زوج أختي وأن تقبل هو فسيكون على مضض ومن أجل الأطفال ولكن مشاعره وعقله وتفكيره سيكونون مع زوجته الأولى التي هي أختي وأنا كذلك ستظل صورة أختي دائماً أمامي وعقدة الذنب تلازمني ومهما كان سأظل الخالة زوجة الأب ولست الخالة أخت الأم لذا أرفض هذا الزواج تماماً شكلاً ومضموناً.

وجهة نظر علم النفس

الاخصائية النفسية د. فوزية جابر أدلت بوجهة نظرها حول هذا الموضوع قائلة:

توجد انعطافة ساحقة تعانيها أغلب الشعوب في توظيف الأدوار يلعبها أفراد فهناك فتاة سكن الحزن قلبها وامتلأت رئتاها بهواء فاسد أنبعث من غرف الظلم ومازالت تحت الضغوط النفسية تبكي حظها بتزويجها زوج أختها المتوفاة تحمل عبء أطفالها القصر ومزاج زوجها وتقلباته الفجائية وجهله وتسلطه المريض وخوف الأهل من العنوسة وعذرهم من ضياع الأولاد وضمهم بأملاك زوج الأخت ونسيان أهلها روحها وحياتها وإنسانيتها وكما تقول إحداهن: «إنني ميتة أصبحت أعمل في منزل وأبحث عن عمل حتى اخنق نفسي وأموت وأنسى ألمي وحياتي وعمري انتقلت إلى بيت زوجي ب?ذا الحمل الثقيل زوج لا أقبله روحياً فلم يكن لي اختيار عندما سقت إليه كعبدة فقد هددني أقربائي بالقتل والذبح إن لم أنقذ أولاد أختي من زوجة تأخذ المال على حد تعبيرهم».

هل يعقل أن يفكروا بهذه الطريقة الهمجية المتأخرة التي تجعل من البحيرة الساكنة بحراً هائجاً ومن الضعيف متمرداً ومن الشخص الطيب قاتلاً يرتدي ألف قناع، لهذا لابد من مراجعة الأمور عند فرض هذا الزواج على البنت ولابد من مراعاة مشاعرها وسؤالها عمّا إذا كانت راضية بأن تتزوج بزوج أختها وتقبل بهذه التضحية الكبرى فهذا القرار لابد أن يختاره الشخص المعني بهذا الموضوع وكثيرة هي معاناة من فرض عليهن مثل هذه الزيجات التي ربما تنجح ولكنها في الغالب تفشل.

زر الذهاب إلى الأعلى