أرشيف

الأديب اليمني محمد الغربي عمران:العشوائيّة سرّ الهجوم على روايتي

حقّقت أعماله الأدبية النجاح منذ مجموعاته القصصية «حريم أعزكم الله» و{الظل العاري» و{ختان بلقيس» و«منارة سوداء»، لكن الأديب اليمني محمد الغربي عمران (رئيس نادي القصة في اليمن) حينما تحوّل أخيراً إلى الرواية وطرح «مصحف أحمر» لم يكن يتوقّع أن تتعرض روايته للمنع والاحتجاز في المطار لأسابيع وأن تُحجب عن المشاركة في بعض معارض الكتاب في العالم العربي، وأن يتطوّر الأمر إلى حد إقصائه من عمله الرسمي في صنعاء.

 

تحدّث عمران إلى «الجريدة» حول أزمة «مصحف أحمر» التي تتناول فترة مهمة من تاريخ اليمن.

كيف تفسّر الهجوم الذي تعرّضت له أولى رواياتك «مصحف أحمر» على رغم عدم مساسها بالدين، فهل كان الاعتراض على عنوانها؟

الهجوم على روايتي جاء من دون وعي وإدراك، بل بتصرّفات عشوائية وارتجالية واجتهادات صغار لأنها لا تحتوي على ما يستحق الهجوم، فالرقيب لا يقرأ وإن قرأ لا يعي فينظر إلى الأديب بعين سلفية أو وفق ما يشتهيه السياسي.

السياسي في العالم العربي لا يهمه إلا بقاءه، ولتحقيق ذلك مستعدّ لتدمير كل شيء، إضافة إلى أن القيّمين على إدارة الثقافة (الوزارات والهيئات الحكومية) لا تهمهم أوضاع الكتاب أو دعم الإبداع، فهم منشغلون بمصالحهم وعوائدهم ووظائفهم وما تدرّ عليهم، ووظيفتهم الحقيقية إقامة الاحتفالات الرسمية والموسمية وكسب ودّ مرؤوسيهم، وكل ما يطيل بقاءهم في مناصبهم.

تعالج روايتي «مصحف أحمر» تاريخ اليمن المعاصر بين عامَي 1977 و2004، وهي فترة مهمة من تاريخ بلد تتحكّم فيه قوة القبيلة وتحالفات دينية وقوى سياسية نفعية، وخلالها دارت حروب بين شطري اليمن قبل الوحدة ثم الحرب الأهلية بغرض الانفصال بعد تحقيق الوحدة.

تسلّط الرواية الضوء على أوضاع سياسية واجتماعية ودينية، وتعرض لعلاقات اليمن بدول إقليمية لها تأثير قوي على المجتمع والسياسة اليمنيين، وقد مُنعت في أكثر من معرض عربي، مثل معرض الرياض للكتاب ومعرض الكويت، ولا أجزم أن السبب هو العنوان.

إذا كان ثمة احتمال للتحفّظ على العنوان، فلماذا إذاً لم يحدث ذلك مع مجموعتك القصصية «منارة سوداء»؟

«منارة سوداء» طُبعت في صنعاء، ولا تمسّ المحرمات أبداً، ولي أيضاً أربع مجموعات قصصية أخرى لم تتعرّض لأي منع.

تدور الرواية في إطار اجتماعي ذي بعد سياسي مهم يرصد الحروب اليمنية الأهلية على مدار ثلاثة عقود، فهل تعتقد أن وزارة الثقافة اليمنية رأت أنها تسيء إلى اليمن؟

صرّح وزير الثقافة اليمني بأن «مصحف أحمر» لا تحتوي على ما يمسّ بالمحرمات، لكنّها على رغم ذلك مُنعت عبر الموظّفين الصغار، وقد سبق أن منعوا دخولها من مطار صنعاء حين صدورها قبل ثمانية أشهر. وقد ظلّت النسخ المرسلة من الناشر، 500 من أصل 5000 نسخة، في المطار لأكثر من شهرين، وحين سمحوا لي باستلامها، لم أجد وللأسف غير بعض النسخ، ثم وعدوني قبل معرض صنعاء بأنهم سيسمحون للناشر بإدخال ما يريد من النسخ، لأفاجأ بوكيله يخبرني بأنهم طلبوا منه قبل الوصول إرسال قوائم للكتب التي يرغب الناشر في المشاركة بها في المعرض، ثم أبلغوه بعدم السماح لعناوين عدة من بينها «مصحف أحمر». نعيش العشوائية والخداع، فتصريحات الرقابة تناقض ما يدور على أرض الواقع، والكاتب لا يملك غير التذمّر وحرق الأعصاب.

ما الرسالة التي أردت إيصالها إلى القارئ من خلال «مصحف أحمر»؟

يعيش الإنسان في اليمن، كما في معظم الأقطار العربية، أوضاعاً صعبة. فالغد ضبابي والحرية تتضاءل يوماً تلو آخر، والإرهاب يدق الأبواب، والشيء الجميل الذي أنجزه الشعب المتمثّل بالوحدة مهدّد. من خلال تلك الهموم وغيرها، تسلّط الرواية الضوء على أسرة تعيش تناقضات تلك المعطيات وعشوائية الحياة وفساد السياسيين، وتواجه أياماً مقبلة أكثر غموضاً. كذلك، تناقش الرواية الدين وعلاقته بالعنف، وتحكي مسيرة تحقيق الوحدة اليمنية وانتشار الأفكار والجماعات الإرهابية والتكفيرية، وتصوِّر أوضاع المرأة وفساد السلطة.

أشاد نقاد عرب كُثر بالرواية واعتبروها خطوة تحوّل جديدة في الرواية اليمنية الحديثة، ما رأيك؟

لم أكن أتوقّع لـ{مصحف أحمر» هذا النجاح والاهتمام من النقاد، وبقدر ما أنا حزين لمنعها في أكثر من معرض، سعيد لنجاحها والاحتفاء النقدي بها، خصوصاً أنها الرواية الأولى لي بعد خمس مجموعات قصصية.

في ضوء أزمتك الأخيرة، كيف ترى علاقة المثقّف بالسلطة؟

السلطة في العالم العربي تعتبر المثقف خصماً و{عدواً مع وقف التنفيذ»، لذا تجنّد أساليبها لإخضاعه وإقصائه وتهميشه، بل وملاحقته لأسباب تختلقها من العدم. فيعيش في حالة قلق وخوف تحت رقابة دائمة، يترصَّد أنفاسه. السلطة والمثقف في العالم العربي في حالة حرب باردة، تتجلى في منع الكتب ومصادرتها وفصله من عمله وملاحقته.

قد لا يدرك البعض ما يعيشه الكاتب من خوف وقلق وأنه تحت المجهر، لرصد كل صغيرة وكبيرة في حياته اليومية. وأجزم أن السلطة تراه أحد أكبر الأخطار على استمرار بقائها، لذا تعامله كما لو كان وباءً قاتلاً.

ما الأسئلة التي تحاول طرحها على المتلقّي حين تتحدّث عن الجنس في أحد أعمالك الإبداعية؟

الجنس في أعمالي حياة، والشخصيات تمارسه كما تتنفس الهواء وتتناول الطعام وتمارس الرياضة وتعزف الموسيقى. لذا يجده القارئ جمالاً ومتعة غير مبتذلة، ضمن سياق النص.

ماذا يعني «اللون» في أدب محمد عمران؟

اللون في العمل السردي أفق موازٍ للغة التي أستخدمها لإيصال ما أريد. كذلك، أستخدمه كأداة للتأثير في مشاعر القارئ، ففي «مصحف أحمر» نقرأ أحمر على الغلاف، وبمجرد ولوج القارئ صفحات الرواية يتزايد ذكر الألوان: جبال داكنة، وديان خضراء، مسجد أبيض، لون الدماء، لون قطر الندى… وهكذا يساعدني اللون، بل إنني أتجاوز استخدامه التقليدي لأنتقل إلى توظيفه في رسم صور سردية تجمع التناقض والمفارقة والتضاد، محاولاً مشاركة القارئ في تذوّق تلك الألوان، خصوصاً أنني أرسم اللون من دون استخدام الفرشاة.

بعد إقالتك تعسفياً من منصبك في أمانة صنعاء، كيف تصف هذه الخطوة؟

هذا الإجراء التعسّفي جريمة في حقي وحق من يتعرّض لمثل تلك الإجراءات، والمشكلة أن صاحب القرار لا يدرك أنه على خطأ، بل يعتبر تصرّفه أحد حقوقه، فنحن نعيش رعايا في حظيرة كبيرة، لكن علينا أن نستمر في تغيير تلك المفاهيم عبر الكتابة والإعلان عما نؤمن به وقول «لا».

ماذا عن مشاريعك الإبداعية المقبلة؟

أكتب القصة والمقالة بشكل دائم، لكن الرواية تحيلني أسيراً لديها، تكبّلني… فأقرأ وأخطّط ثم أعد العدة لإنجاز عمل طويل. منذ شهرين، بدأت بالتخطيط لكتابة عمل جديد بعنوان «ظلمة»، وهكذا تغريني الرواية ثم تستعبدني لأشهر، وقد يأخذ العمل الجيد مني سنة أو أكثر لإتمامه.

 جريدة الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى