أرشيف

مسك البردعة وترك الحمار !

من حيث المبدأ من حق السلطات أن تحقق مع القيادي الاشتراكي محمد غالب أحمد بخصوص معلومات ساقها أحدهم حول دعمه المالي للحراك الجنوبي “من اجل إفشال خليجي 20 “. مرة اخرى: خليجي عشرين يؤسس لعهد جديد ستسود فيه محاكم التفتيش .انه العقيدة التي ستصلب على صدرها “أولئك المجدفين ,والمهرطقين” . ليتهم ما اخترعوا كرة القدم في الأصل بخصوص قضايا ذات علاقة بالامن الداخلي . وهو حق للسلطة يتحول إلى واجب عليها أن تجري عملية تحقيق واسعة حين يتعلق الأمر بقضايا أكثر خطورة على شاكلة تلك المعومات التي وردت في وثائق ويكيليكس حول تدمير مخازن الأسلحة المضادة للطيران في مخازن وزارة الدفاع من قبل خبراء أميريكين، تزويد الطيران السعودي بمواقع لقادة عسكريين يمنيين لأجل قصفها , اعطاء الإذن الكامل للطيران الاميريكي لانتهاك السيادة , وتزويد الحوثين بشحنات أسلحة …الخ
 
هذة القضايا شديدة الخطورة والاهمية لم تستفز السلطات , ولم نسمع عن اعتقالات أو إحتجازات للتحقيق .البرلمان , بدوره كان مشغولا من توفير الأغلبية المطلوبة لصالح قضايا يقول عنها أكثر الناس عقلانية إنها لا تخدم اليمن في الوقت الراهن. وحده محمد غالب أحمد “لبس الليلة كلها”!

لكي تثبت الدولة أنها “دولة” وليست نظاما , وأنها يمنية وليست اسرية , وأن أجهزتها تابعه لليمن ولا تستخدم فقط كحصان طروادة في تدمير الخصوم أو إحراقهم لمصلحة شلة نفعية , فلابد إذن من عمل قانون رياضي أخلاقي واضح ومحدد يتحرك في كل الاوقات وكل الاتجاهات بنفس العزم وطاقة الحركة . إن التحقيق مع محمد غالب أحمد بخصوص ما ورد في تصريحات إعلامية للقيادي في الحراك طاهر طماح يقتضي في البداية إلقاء القبض على طماح. وإذا كانت الدولة غير قادرة على إلقاء القبض عليه فمن الإفضل لها ان تترك محمد غالب في سبيله، لحين تحولها إلى دولة قادرة على بسط سلطانها وهيمنتها على كافة مناطق سيادتها . وإلا فإن الدولة سينطبق عليها القول: مسكت البردعة وسابت الحمار . وهذه سمه للدولة الرخوة , وما يوم حليمة بسر.

هناك من يعتقد أن طاهر طماح يعمل لدى الاجهزة الامنية، وهو أحتمال بعيد. لكن ما يمكن تأكيده عبر شواهد كثيرة أن طاهر طماح اطلق ذلك التصريح , حول تورط اللقاء المشترك في دعم مشاريع عنف في الجنوب، في محاولة لإشعال معركة في صنعاء بين فرقاء العمل السياسي الذين ينظر اليهم طماح بوصفهم “فخار يكسر بعضه” !في الوقت الراهن، يعتبر إغراق النظام في صنعاء في معارك جانبية بعيدة عن جسم الحراك هدفا تكتيكيا بالغ الأهمية بالنسبه لقيادة الحراك , إذا أخذنا في الحسبان تلك التطورات المهمة التي تعتمل في بنية الحراك وعلاقاته الداخلية , وما يعد له مع بداية السنة الجديدة. يجوز أن النظام قد أكل الطعم –الغبي والسطحي – لحاجة في نفسه. لكن هذة الحاجة المؤقتة أقل بكثير من التكلفة الإجمالية لهكذا مغامرة.
 
تصرفت الدولة (أخ منك أيتها الدولة التي بلا دولة )عن طريق وزارة الداخلية واعتقلت غالب. حسنا قرأنا في وثائق ويكيليكس بخط مساعدة أوباما لشؤون الأمن الداخلي والإرهاب أن الرئيس صالح أخبرها أن الشيخ فارس مناع قدم صفقة سلاح للحوثيين . لم تبين الوثيقة ما إذا كان الأمر مزاحا “وزبجة” أم ثلاثة أرباع الحقيقة . ومع ذلك فإن وزارة الداخلية لم يثرها هذا التسريب , ولم تفكر لوهلة بمحتواه، أو التحقيق مع من وردت أسماؤهم في نص الوثيقة . لكنها رأت أن الامن الداخلي سيستتب من خلال اعتقال محمد غالب أحمد .

كان طارق الفضلي يصنع دمى على هيئة رئيس الدولة ويحرقها في مهرجان للحراك الجنوبي , وينادي بالإنفصال عن الدولة ومواجهة قوات الاحتلال .لا يزال طارق الفضلي في بيتة أمنا، و يصدر بيانات مطولة مليئة بالعنف والحمق والكراهية , يكفي بيان واحد منها أن يلقي به إلى “المؤبد” لو أنها صدرت عن مواطن , أو ناشط، في دولة متماسكة كالسعودية مثلا , او سوريا! ولا يمكن إلا أن تكون مهددة للسلم والأمن. لم تحقق معه وزارة الداخلية ولم تعتقله القوات الخاصة , ولم يمتثل هو لأي مرجعية . الصحيح , بالنسبة للنظام هو اعتقال محمد غالب احمد.

وعندما تتساءل :أذا كان طاهر طماح هو الذي يحمل السلاح . والفضلي هو من يقود الناس من أجل “تحرير الجنوب العربي من المحتل الشمالي” ثم يحرق دمية على هيئة رئيس الدولة , فلماذا تتجه أجهزة الأمن لألقاء القبض على ناشط سياسي لاعلاقة له بكل ذلك , وتهدد قيادات العمل السياسي بأمور مماثلة ؟ستجد جوابا مرعباً :لأنه لا يحمل سلاحا , بخلاف أولئك الشرسين , ولأنهم يطرحون مشروعا مدنيا يضيق الخناق على البنادق , بينما يطرح الفضلي مشروعا يفسح مدى رحبا لحركة البنادق. وعندما نقول : حركة البنادق فنحن نتحدث عن ما تجيده السلطة أكثر من أي أمر أخر , وما يثير لعابها . طماح يطلق الرصاص , ومحمد غالب يتجه الى الحجز. وطبعا “اللي بيتلسع في الشوربة بينتفخ بالزبادي” . أما د. محمد المتوكل فسيقول لك كلاما مختلفا : إنها من أفعال الاولاد المدغزين ريش!

كل محاولات اللقاء المشترك لإجراء حوارات جادة مع الحراك الجنوبي باءت بالفشل . السلطة تدرك هذا الامر , وسبق أن ألمح رئيس الجمهوريه لهذه الواقعية , حول أن الحراك ذاتي التدعيم ويخضع في رؤاه الكلية لمجموعة خارجية , لا لرؤى اللقاء المشترك , ولاينسق معه . ففي واحد من خطابات الرئيس , أشار إلى السلطة هي من نجحت في إجراء حوارات ميدانية مع الحراك , وليس أولئك الذين يحاولون أن يركبوا الموجة . أي اللقاء المشترك , لا يوفر الحراك الجنوبي فرصة دون أن يسدد اللكمات والشتائم للقاء المشترك . في محاولة حثيثة للخروج من سياق النظام السياسي اليمني إجمالا . فاللقاء المشترك بالنسبة لقيادات الحراك هو منتج شمالي، والتعامل معه يعني إعطاء شرعية لواحدة من و”اجهات الاحتلال” . السلطة تدرك هذا الامر جيدا، لكنها تقرر ان تلعب خارج مدركاتها .

في محاضرة حديثة، و نوعا ما، لياسين سعيد نعمان تحدث صراحة، وبنبرة متأسية , عن فشل اللقاء المشترك في إجراء حوارات وتحالفات ناجحة مع الحراك الجنوبي . اعتبر ياسين هذا الفشل نجاحا للنظام. وفي بيان حديث للحزب الاشتراكي اليمني تحدث الحزب عن القضية الجنوبية بوصفها واحدة من قضاياه الجوهرية , بغض النظر عن مواقف من وصفهم بالحمقي . كانت الإشارة واضحة :المقصود هو قيادات الحراك الجنوبي , وتحديدا ذلك الصنف من القيادات الذي يعتقد أنه لابد أن ينجز معركته ضد الحزب الاشتراكي قبل أن يواجه النظام في الشوط الأخير . لدى النظام خريطة واضحة حول التالفات والتحالفات لكنها لا تستخدم حقائق هذه الخارطة وتفضل خلط الأوراق .
 
ولدينا نحن وثيقة نشرها ويكيليكس تقول إن الرئيس صالح حاول إقناع مساعدة أوباما لشؤون الأمن الداخلي والأرهاب بأن حزب الاصلاح متطرف “ويدعم تنظيم القاعدة”. وفي أوقات أخرى حاول إقناع مسؤولين أميريكين بأن الحوثيين ينسقون مع القاعدة , وأن الحراك الجنوبي هو حراك قاعدي . لكن اللافت أن المسؤولين الأميريكين , وهم يرفعون تقاريرهم إلى واشنطن , كانوا يكتبوا بين حاصرتين تعليقاتهم التي ترفض بالجملة ماسمعوه من النظام حول علاقة القاعدة ببقية القوى السياسية اليمنية. برغم كل هذا الوضوح سيستمر النظام في العزف على نفس الآلة الهشة ,ولن يحصد سوى مزيد من التشكيك في مصداقيته وجديته وأهليته في الداخل والخارج . في العدد الحالي من “المصدر” توجد وثيقة أمريكية كتبها السفير الأمريكي في الرياض وقدمها إلى هيلاري كلينتون . في الوثيقة ستجد جملة واضحة تقول للسيدة كلينتون :ستسمعين من الملك عبد الله تأكيداته على دعم وحدة اليمن برغم عدم ثقته بالرئيس صالح . وما لم تقله الوثيقة هو أن مصداقية النظام تآكلت تدريجيا على مدى سنين طويلة بسبب مثل هذة السلوكيات المشوهة والطفولية على شاكلة اعتقال محمد غالب أحمد بتهمة تقول كل الوقائع إنها شديدة السذاجة.وإذا أضفنا إليها حقيقة مرة مفادها:إن الهجوم على عيدروس النقيب ,محمد غالب , وعلي ناصر محمد على النحو الذي رأيناه مؤخرا وبوسائل شديدة العنف والاختلاف , وهم جنوبيون لا يزالون يؤمنون بفكرة الوحدة اليمنية، فإن هذا الهجوم الأحمق ليس سوى تأكيد لشرعية المنطق الذي يسوقه طماح والفضلي .
 
طبيعي إذن أن تقرأ في مواقع جنوبية كثيرة :أيها الجنوبيون المقيمون كرعايا في صنعاء، عودوا إلى بلدكم ومواطنيكم في الجنوب !هذا الطيش الرسمي ,والمدغزين ريش, يمنح النار المشتعلة نفسا جديدا، ويجعل من اللامنطقي المنطق الوحيد القابل للتعريف ! السلطة تخوض معركة مستقلة عن كل الوقائع . تسلك طريقا يشكك ليس فقط في سلامة قواها العقلية بل في وطنية النظام . وهذا ليس أتهاما مجازفا وبلا دليل . هانحن نقرأ تهديدا واضحا لقيادات اللقاء المشترك مختلطا بأتهام صريح بتورطهم في أعمال العنف والتقطع. هذا أمرا شديد الخطورة . فبرغم سذاجة الاتهام الا أن سيرة الاعتقالات والمحاكمات ستعني بالضرورة نشوء انواع جديدة من المنتمين لهذة الأحزاب تؤمن بالعنف وسيلة وحيدة للتعبير في مواجهة هكذا نظام. في حوارات ثنائية مع عشرات من شباب هذة الاحزاب السياسية , وجدتُ أن فكرة “المواجهة المسلحة ضد النظام “غدت أمرا مطروحا بقوة , ومحميا بفلسفة أخلاقية شديدة الخطورة ,وبإضاءة من موقع “الشباب المؤمن” بعد الحرب السادسة. يطرح الشباب-من البعث الى الاصلاح, وما بينهما-مثل هذا الأمر مترافقا مع نقد عنيف يوجهونه لقياداتهم التي لا تزال تصدق أسطورة العمل السياسي النظيف. من المعلوم أن نشوء الظواهر العنيفة يمر بهذه المرحلة. وعلى أية حال فأن هذة المرحلة – في سيرة العنف – متقدمة جدا , وتفصلها مسافات زمنية مقاربة عن الصورة النهائية الكلية لذلك دعوني أكرر صرخة المثقف والسياسي اليمني د. محمد عبدالملك المتوكل :عاد شي عقل ياحضرة! نقلا عن صحيفة المصدر: مروان الغفوري [email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى