أرشيف

هل رفعت أمريكا يدها عن نظام صالح

يبدوا ان جناحاً اميركياً مؤثراً في الادارة الديمقراطية الحاكمة بات يساند بوضوح لافت خيار إنهاء خدمات الرئيس علي عبد الله صالح.
 
آنف الاُسطر، يمكن اعتبارها- إلى حد ما- أبرز خلاصة لحصيلة اللقاءات التي اجرتها السيدة هيلاري كلينتون وزيرة خارجية الولايات المتحدة الاميركية في صنعاء خلال زيارتها القصيرة – وغير المعلنة مسبقاً- الى اليمن.
 
تبدو هيلاري اول مسؤول اميركي رفيع المستوى يبحث خيارات مرحلة مابعد الرئيس صالح بشكل علني مع احزاب اللقاء المشترك، اذ لم يسبق لمسئول اميركي رفيع ان تطرق صراحة الى هذه المرحلة، واذا ما استثنينا بعض اللقاءات (الاميركية المشتركة) إبان انتخابات رئاسة الجمهورية في 2006، فان مصطلح (التغيير السلمي) يعد ابرز ما يمكن ان نجده في حديث المسؤولين الاميركيين اثناء مباحثاتهم الثنائية مع المشترك حين يتعلق الأمر بالرئيس صالح.

– حسين اللسواس –


لم تكن هيلاري كلينتون تتحدث مع المشترك عن تسوية سياسية وشراكة سلطوية وتقاسم للسلطة والثروة، لقد كانت تتحدث عن استبدال الرئيس الحالي لليمن برئيس جديد، وهو ما يعني ان جناحاً مؤثراُ في الادارة الديمقراطية الاميركية بات يحبذ ان تكون الولاية الرئاسية الحالية للرئيس صالح التي ستنتهي في 2013 هي آخر ولاية لرجل حكم اليمن ثلاثة عقود من الزمن.
 
تصور لانتقال السلطة الى رئيس جديد

رغم ان عبدالوهاب الآنسي امين عام التجمع اليمني للاصلاح نفى لـ(المصدر اونلاين) ان تكون هيلاري كلينتون قد بحثت مع المشترك مرحلة ما بعد علي عبدالله صالح، الا ان ثمة تأكيدات كثيرة تشير الى ان الوزيرة كلينتون بحثت مع اللقاء المشترك خيارات الاطاحة بالرئيس صالح، وحسب موقع (نيوز يمن) فإن الوزيرة طلبت من المشترك تصوراً تنفيذياً مكتملاً لانتقال السلطة من الرئيس الحالي الى رئيس قادم.
 
وتؤكد مصادر صحفية متطابقة ان كلينتون طلبت من المشترك إعداد رؤية مكتملة لتنصيب رئيس جديد للجمهورية اليمنية بعد مرحلة انتقالية شرط ان تكون المعارضة (احزاب المشترك) مستعدة لتحمل صعوبات هذه المرحلة في إشارة الى احتمالية رفض صالح التخلي عن منصبه.
 
بين الانتفاضة الشعبية والانقلاب العسكري بالنسبة للسلطة الحاكمة، لا تبدو مباحثات الوزيرة كلينتون مع المشترك مثيرة للقلق والتوجس فحسب، اذ انها تمثل قرعاً صاخباً لاجراء الانذار لمسببات عديدة.
 
فالوزيرة لم تكتف بالتلويح الصريح بإنهاء خدمات صالح، بل ذهبت بعيداً بتأكدها على ضرورة ان يستعد اللقاء المشترك لمواجهة الخيارات الصعبة التي ستنتج عن إقصاء صالح، مشددة على ضرورة التحلي بالصبر لانجاز تلك الغاية.
 
ثمة ما يحفز على الاستيقاف مطولا هنا- في حال ما اذا تأكدت التصريحات المنسوبة الى كلينتون- وفق المنطق الاستفهامي وبإمكاننا ان نتساءل عن ماهية الخيارات الصعبة التي وردت في حديث الوزيرة مقترنة بحث المشترك على التحلي بالصبر.
 
هل كانت الوزيرة تلمح الى امكانية اعتماد خيار الانتفاضة الشعبية لإسقاط النظام في حال لم يغادر صالح موقعة الرئاسي عام 2013؟ وهل في وسعنا ان نخلع على حديث الوزيرة توصيف الضوء الاخضر للقاء المشترك بالتحرك الشعبي والعصيان المدني؟ ثم ما هي دلالات استخدام الوزيرة لمصطلح (المرحلة الانتقالية)؟ هل كانت تعني مرحلة الانتخابات الرئاسية القادمة في 2013 التي يتوقع- حسب الدستور الحالي- ان يغادر فيها الرئيس صالح مقعد الرئاسة، ام كانت تعني مرحلة ما بعد اسقاط النظام؟ واذا كان خيار اسقاط النظام هو المعنى الراجح لمغزى حديث الوزيرة، فما هي الآلية التي سيتم انتهاجها لإسقاط النظام واقصاء صالح؟ هل سيكون التحرك الشعبي هو الخيار؟ ام ان الانقلاب العسكري سواء عبر المؤسسات القديمة او الحديثة سيكون هو الخيار الامثل؟ ثم على اي المؤسستين تراهن اميركا؟ هل تراهن على القديمة المنهكة التي تعاني منذ سنوات نزعات الاقصاء والتهميش والتقليص، ام انها تراهن على المؤسسات الحديثة المتحالفة مع الغرب، واذا كان الخيار الثاني هو الارجح فإن التساؤل الاكثر صخباً لم يطرح بعد الا وهو: هل بات الاولاد يفضلون رحيل ابيهم ويخططون لاقصائه خوفاً من تبعات بقائه على نفوذهم وسلطاتهم وثرواتهم اللامشروعة (الخشية من خسارتهم لكل شيء).

وبالتالي هل يمكن القول ان اميركا ستدفع الاولاد للتحرك كمرحلة أولى، على ان تأتي التسوية كمرحلة انتقالية يتم فيها رعاية شراكة بين الاولاد وباقي القوات الوطنية في المعارضة بما يحقق مصلحة الجميع؟ ثم هل يمكننا القول ان الاميركان وبعد ان ضمنوا- الى حد ما- المؤسسات الحديثة يحاولون مغازلة المؤسسات القديمة بصورة تحقق غاية اجتماع المؤسستين ضد الرئيس..؟

مسببات قصور الفهم للازمة
 
حتى لا نبدو كمن يحمل حديث الوزيرة اكثر مما يحتمل، سنحاول ان نقرأ المشهد في السياقات الطبيعية مع واقع التصحريات العلنية والاحاديث المنسوية للوزيرة كلينتون والسفير جيرالد فاير ستاين.

في الكلمة الترحيبية بقيادة المشترك يقول السفير فاير ستاين: ان الوزيرة كلينتون تريد فهم الازمة السياسية بين السلطة والمشترك.
 
لم يستخدم السفير هنا مصطلح (الفهم الاعمق) مثلاً، بل استخدم مصطلح الفهم المجرد من اية اضافات وهو ما يعني وجود قصور- غير منقطة- لدى الوزيرة كلينتون في فهم ما يجري على الساحة اليمنية.
 
ثمة فرضيات عدة يمكن ايرادها كتفسيرات بأدني درجات الاقناع لحالة عدم الفهم، يمكن كفرضية اولى القول ان جولة الوزيرة في المنطقة لم تكن تشمل اليمن بدليل ان الخارجية الاميركية اعلنت في توقيت سابق ان برنامج زيارات الوزيرة كلينتون الى المنطقة العربية يتضمن ثلاث دول فقط هي الامارات وعمان وقطر دون الإشارة إلى اليمن، وهو ما يعني أن تعديلاً طارئا دفع الوزيرة لإضافة اليمن إلى برنامج الزيارات لتصل إلى صنعاء قادمة من الأمارات دون ان تجد الفرصة الكافية لقراءة التقارير الديبلوماسية والاستخباراتية الامريكية عن الوضع في اليمن.  

كفرضية ثانية، بامكان الادعاء جدلاً ان الوزيرة قد طالعت جميع التقارير الديبلوماسية والاستخباراتية عن اليمن، غير انها تريد استقاء حقيقة المشهد اليمني بصورة مباشرة إما بهدف المزيد من التأكيد والفهم، وإما لشكوك تتعلق بانحياز معدي التقارير لجناح الأولاد في النظام اليمني وهو ما يؤدي لتقديم المعارضة اليمنية في التقارير بصورة مشوهة وغير منصفة.
 
خطاب اميركي غير مألوف
 
حتى عهد قريب كان هنالك شبه اجماع لدى المهتمين بالعلاقات اليمنية الاميركية على الطابع الامني كعنوان رئيسي واصفاً لطبيعة التعاون الثنائي بين البلدين.
 
طغيان الجانب الامني على ما عداه في العلاقات ليس بحاجة لأي تأكيد، اذ ان معظم اللقاءات البينية ظلت مقتصرة على ذلك الجانب وبالاخص ما يتصل منه بمكافحة الارهاب ومواجهة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يتخذ من اليمن مقراً مركزياً لعملياته.

رغم ان الوزيرة كانت قر حرصت على تأكيد الشراكة اليمنية في مكافحة الارهاب والتعاون الامني الثنائي، غير انها جاءت بما يمكن اعتباره جديداً غير مألوف، اذ كان تركزيها على الجوانب غير الامنية واضحاً وحاضراً بشكل مكثف في تصريحاتها العلنية.
 
لقد قالت مثلاً: ان اميركا واليمن يواجهان تهديداً مشتركاً من تنظيم القاعدة ولكن تربطهما شراكة ابعد من القضايا الامنية.. وفي مقطع اخر من تصريحاتها جاء على لسانها، شراكتنا مع اليمن تمتد لأبعد من مكافحة الارهاب لأننا لا نركز على التهديدات قصيرة المدى فحسب بل على التحديات طويلة الامد.. التقليل من حجم الاهتمام الامني بدأ واضحاً اكثر حين قالت الوزيرة: الحل لن يكون امنياً اذ يجب ان يتوازن مع التنمية الاقتصادية.

التفرد بالسلطة لم يعد خياراً متاحاً
 
على عكس كثير من المسؤولين الاميركيين تبدو هيلاري كلينتون مؤمنة بحقيقة ان الاوضاع في اليمن لا يمكن احتواؤها الا عبر جهد سياسي يتوازى افقاً مع الجهد الامني ليحققا معاً المعادلةة المزجية المتوخاة المتمثلة في الاستقرار السياسي والامن الوطني لليمن.
 
ثمة قناعة اميركية يمكن استقراؤها بوضوح مفادها ان اليمن باتت في امس الحاجة لأحداث تغيير سياسي يسمح بانجاز تسوية تاريخية تعيد جمع شمل اليمنيين على قاعدة متوازنة من الشراكة في السلطة والثروة. بالنسبة لمؤيدي هذا الاتجاه داخل الادارة الديمقراطية الحاكمة في البيت الابيض، لم يعد التفرد بالسلطة والثورةة من قبل فرد او اسرة او قبيلة او نطاق جغرافي مقبولاً، وبالتالي لا مناص من دعم جهود التغيير بهدف انهاء هذا التفرد واعادة تشكيل النظام السياسي على قاعدة الشراكة الحقيقية.
 
اتجاه كلينتون لا يحظى بتأييد البنتاغون
 
بالطبع لا يمكن القول ان الاتجاه الآنف، يحظى بالتأييد المطلق داخل الادارة الاميركية، فالمس’ةلين العسكريين والامنيين على سبيل المثال، لا زالوا مؤمنين ومتمسكين بالخيار العسكري والامني كأسلوب رئيسي لانهاء التهديدات الاتية من اليمن.
 
في وثائق ويكيليكس تبدو الصورة اكثر وضوحاً، فاللقاءات البينية للمسؤولين من الطرفين اليمني والاميركي تؤكد بجلاء ان البنتاغون واجهزة الاستخبارات الاميركية يرجحون الخيار الامني والعسكري للتعاطي مع التهديدات المحتملة على الامن القومي الاميركي الاتية من اليمن.
 
هنا ليس مهماً بالنسبة لرجال البنتاغون والمخابرات ان يتكئ النظام اليمني على قاعدة الشرعية الشعبية وان يحظى بالاجماع الوطني، المهم بالنسبة لهم يكمن في مستوى تجاوب هذا النظام مع المطالب والاجندة الاميركية في مواجهة التهديدات المحتلمة.

حين نراجع كل تصريحات لامسؤولين العسكريين والامنيين الاميركيين ححول اليمن، يصعب علينا الجزم بحدوث تغيير حقيقي في موقفهم ازاء الملف اليمني. وهو ما يعني ان اتجاه كلينتون المائل لخيار تغيير السلطة كمقدمة لتسوية سياسية شاملة بين اليمنيين، لا يحظى بالتأييد من قبل المؤسسات السيادية السعكرية والامنية في الولايات المتحدة الامريكية، بل انه يتعارض مع اجندتها تحقيقاً لاهداف على صعيد الداخل الاميركي وبما يتيح لهذه المؤسسات توظيف النشاط القاعدي في اليمن لاخافة المواطنين والناخبين الاميركيين والتأثير في قناعاتهم بصورة تمنحها القدرة على التحكم في شعبية وتماسك اية ادارة حاكمة للبيت الابيض سواء اكانت من الديمقراطيين او الجمهوريين.
 
التعارض بين وزارة الخارجية والبنتاغون تجاه اليات التعاطي مع اليمن لا يعني بالضرورة نظارياً في الموقف الاميركي العام، فالواضح ان اتجاه الخارجية الاميركية بات يحظى بتأييد من الاغلبية في الادارة الديمقراطية الحاكمة وتحديداص من الرئيس باراك حسين اوباما، وهو ما يعني بالضرورة احدى نتيجتين، فما تعليق العملخ برؤية البنتاغون الى اجل غير مسمى واطلاق يد الخارجيةة الاميركية للتحرك ومعالجة ازمات اليمن واحتواء مشاكلة بالتغيير او بالحوار مع مكوناته واطيافه، واما المزج بين رؤية الخارجية الاميركي ة ورؤية البنتاغون في قالب تنفيذي بمسارين رئيسين اولهما: التغيير والتسوية السياسية وثانيهما: الحسبة الامنية والعسكرية.
 
تأبيد السلطة ازعج الامريكيين
 
ليس في وسع القراءة الفاحصة اغفال فرضيات اخرى كتفسير للموقف الاميركي الجديد الداعي الى اقصاء الرئيس صالح.. ربما كان الامر يتعلق بتصلب النظام ورفضه منح الاميركان قاعدة عسكرية تكتيكية رسمية في جزيرة سقطرى، وربما كان الامر متصلاً بتلاعب النظام ومناوراته في ملف القاعدة، وربما كان السبب يرجع الى التمسك الرئاسي بنظرية النفوذ المتوازن بين المؤسسات الحاكمة بشقيها القديم (الفرقة الأولى مدرع والامن السياسي) والحديث (الحرس الجمهوري والامن القومي) وعدم امضاء رغبة البنتاغون في السماح للمؤسسات الحديثة باحتواء القديمة، غير ان انف (الفرضيات) لا تلغي بالضرورة حقيقة الرغبة الاميركية في انهاء التفرد الصالحي بالسلطة والثروة ووضع حد للتطلعات والطموحات الشخصية في تأبيد السلطة وامتلاكها.

الاغلبية الجمهورية وورقة الاتجاه شرقاً بالنسبة للرئيس علي عبدالله صالح، لا يبدو التعويل على التنازلات للمؤسسات العسكرية والامنية الاميركية التي كشف عنها الوثائق الويكيليكسية كافياً، فالرجل عقب لقاء كلينتون مع المشترك وبحثها خيارات اقصائه بات يواجه تموضعاً صعباً يقتضي منه تحركات وتدابير وقائية.

ولأن المفاضلة بين المصلحتين العامة والخاصة في قائمة اهتمامات الرجل تميل الى المصلحة الخاصة والشخصية فلن تستهدف تحركاته المتوقعة احتواء الازمات وتقديم التنازلات للداخل.

وهو ما يجعلنا نحصر تحركاته الدفاعية وتكتيكاته الوقائية في ثلاثة محاور رئيسة، اولها: الاتجاه شرقاً صوب روسيا الاتحادية، ويمكن لخيار كهذا ان يتم عبر خطوات كثيرة منها مثلاً تحويل مذكرة التفاهم الروسية اليمنية حول التواجد علماً ان وزير الدفاع الجنرال محمد ناصر احمد التقى بعد ساعات من مغادرة هيلاري كلينتون بالسيد سيرجي كوزلوف السفير الروسي بصنعاء وسلمه رسالة عاجلة من الرئيس صالح الى نظيره الروسي ديميتري مدفيديف..!
 
ثانيها: تفعيل قنوات الاتصال والتواصل بين النظام والأغلبية الجمهورية في الكونجرس الأميركي ويمكن هنا لورقة القاعدة وموجبات الامن القومي الاميركي ان تلعب دوراً محورياً على اعتبار ان الحزب الجمهوري اكثر اهتماماً من شقيقه الديمقراطي بالقاعدة ومواضيع الامن القومي واكثر ميولاً لخيارات البنتاغون المستندة الى نظرية الضربة الاستباقية واستراتيجية التحرك الوقائي.
 
ثالثها: تفعيل الجماعات السلفية المتشددة واطلاق يد الجهاديين ومنحهم مساحات اوسع للتحرك في ضوء تكتيكات واتفاقات مسبقة.

هل كانت كلينتون تختبر المشترك؟
 
لم يكن قادة اللقاء المشترك يتوقعون صراحة صادمة كتلك التي قابلتها بهم هيلاري كلينتون.
 
حتى نكون منصفين، بإمكاننا القول انهم ذهبوا الى لقاء الوزيرة وهم يتطلعون الى الحد الادنى من المطالب واعني هنا الضغط الامريكي لاجبار النظام على التراجع وفرملة اندفاعه نحو خيار التفرد بالعملية السياسية.

غير انهم فوجئوا- حسب ما نشرته وسائل الاعلام بخطاب صادم- يعرض عليهم ابعاد الرئيس ويضعهم في مقعد الانتظار كسلطة قادمة..!

في الواقع لم تكن مطالب المشترك ترقى الى حد تطلعي كهذا، فهو- وفق حسابات ما قبل اللقاء بكلينتون- كان يرى في اقصاء الرئيس او حتى مجرد التفكير في ذلك ضرباً من المستحيل، الامر الذي جعل قادة المشترك يبدون في حضرة الوزيرة كما لو كانوا بلا مشروع سياسي بديل.
 
المشترك لا يملك اية رؤى افتراضية حقيقية لانتقال السلطة اليه، حقيقة مؤلمة اظهرت المشترك كما لو انه تكتل بدائي لا يفقه شيئاً في ابجديات ادارة الدولة واسس انتقال السلطة. لقد بدا المشترك ضعيفاً ومنعدم الاستعداد وفاقد الجاهزية لمواجهة اية خيارات طارئة يمكن ان تجعل منه بديلاً للرئيس والحزب الحاكم. هنا لا استبعد واقعية التعليل المازح الذي ذكره الزميل عبدالحكيم هلال حين قال: ربما كان الرئيس هو من طلب من الوزيرة ان تسأل قادة المشترك عن امتلاكهم لتصور سياسي بديل..!

حسب (كيمو) فالرئيس دائماً ما يتحدث عن عدم امتلاك المشترك لأية رؤية حقيقة للوصول الى السلطة.
 
وهو ما يعني ان صالح اراد تعرية المشترك امام الوزيرة المتحمسة للمعارضة والتغيير..!!

دلالات سلخ الثعابين في الحرس الجمهوري
 
لماذا نفى الامين العام الحالي للتجمع اليمني للاصلاح عبدالوهاب الآنسي ان تكون هيلاري كلينتون قد طلبت من المشترك تصوراً لمرحلة ما بعد علي عبدالله صالح. قبل محاولة الاجابة عن التساؤل بعاليه لابد من الإشارة الى ان الآنسي لم يكتف بتكذيب ونفي ما ورد على لسانه في صحيفة الزمان اللندنية، اذ كان تكذيبه شاملاً لكل ما نشرته وسائل الاعلام حول لقاء المشترك مع كلينتون.

ثمة فرضيات عديدة بالامكان ايرادها لتبرير عدم اكتفاء الآنسي بنفي ما ورد على لسانه ومحاولته نفي ما دار في اللقاء مع كلينتون.. كفرضية اولى يمكن القول ان الآنسي سعى من خلال نفيه الى تأكيد الالتزام المشتركي للاميركان بعدم التصريح حول ما جرى في اللقاء مع وزيرة الخارجية، حيث تشير المعلومات الى ان الطرفين (المشترك والسفارة الامريكية) اتفقا على ان تصدر السفارة بياناً يتضمن ابرز ما تم بحثه بين الطرفين.
 
ربما كان المشترك- كفرضية ثانية- قد تعرض للعتاب واللوم اذ كيف لمن ينتقدون التدخل الاميركي في الشؤون اليمنية ويعلنون مناهضتهم للوصاية الاميركية والدولية ان يقلبوا برفع تصور الى الاميركان حول عملية التغيير.
 
كفرضية ثالثة في وسعنا الاداء ان الآنسي وبعض الاجنحة في المشترك باتوا يخشون من محاولات اميركية لجر اللقاء المشترك الى مربع التصادم الحاسم مع الرئيس دون ضمانات حقيقية لاسيما في ظل المعلومات التي اكدت في السابق وجود ضوء اميركي اخضر للنظام باجراء الانتخابات دون توافق مع مسبق مع المشترك.. ولعل ابرز ما يمكن ان يعزز الفرضية الثالثة ما ورد على لسان مساعد وزيرة الخارجية الاميركية للشوون العامة فيليب كراولي يوم الجمعة حيث قلل من اهمية المباحثات بين كلينتون والمشترك واصفاً لقاء الوزيرة بالمشترك بالامر العادي.
 
لاننسى هنا ان نشير الى ما يعتبره البعض رسائل للمشترك من العرض العسكري المخيف الذي اجراه اللواء الأول مشاة جبلي في الحرس الجمهوري بحضور رئيس الاركان ونجل الرئيس وافردت له الفضائية اليمنية مساحة واسعة من نشرتها الرسمية ليوم الخميس.

حيث قام افراد من الحرس بسلخ عدد من الثعابين الحية واكل رؤوسها بوحشية امام الكاميرا وهو ما عده البعض رسالة الى الثعابين التي يرقص الرئيس فوق رؤوسها منذ ثلاثة عقود..!
 
وماذا بعد

يبدو الواقع السياسي اليمني عقب زيارة هيلاري كلينتون حافلاً بالتحديث والتغيير ليس على مستوى التكتيكات للطرفين (المشترك والسلطة) فحسب، بل وحتى على مستوى التكتيكات الفردية لكبار المؤثرين في تفاعلات المشهد من الطرفين.

حتى لا نغالي في المبالغة لن نقول (يمن ما بعد زيارة كلينتون) ولكن في وسعنا ان ندعي حدوث تغيير كبير في التموضعات الراهنة. الزيارة واحداثها المثيرة بالطبع ليست كافية لاسناد تلك التغييرات الطارئة ومنحها فرضية الديمومة، اذ ان التحركات المتفاعلة مع نتائج الزيارة هي المحدد الرئيسي لاتجاه الامور خلال قادم الايام.

في الواقع، لم يكن يُراد للزيارة ان تكون نقلة حاسمة في مسار الاحداث اليمنية بقدر ما كان للهدف منها اعادة خلط الاوراق وإبراق رسائل اميركية صاخبة في كل الاتجاهات.. خدمات صالح يمكن ان تنتهي، المشترك في وسعه ان يحكم، الانفتحاح الاميركي على الشعب اليمني قد يتحقق دون وسيط حكومي، سيتعزز التعاون الاقتصادي وستبارح الشراكة مربع التعاون الامني الى آفاق اوسع.
 
ان كانت رسائل كلينتون الآنفة واضحة، فإن ما لا يبدو واضحاً بالمقابل يكمن في طريقة تعاطي اللقاء المشترك مع مطالب الوزيرة. هل سيتجه المشترك الى الشارع بافتراض ان حديث الوزيرة يجسد ضوءاً اخضر للتحرك ضد النظام، ام سيؤجل ذلك لحين الانتهاء من اعداد رؤية اقصاء الرئيس صالح ووضع السيناريوهات المحتملة للمرحلة الانتقالية التالية لإقصائه؟ ثم من هو البديل المفترض؟ هل سيكون الرئيس علي ناصر محمد هو مرشح الاجماع الوطني المشتركي لرئاسة الجمهورية بعد المرحلة الانتقالية؟ ام ان الترشيح سيذهب الى ياسين سعيد نعمان او احد قيادات اللقاء المشترك؟ وما هي حظوظ الرئيسين علي سالم البيض وحيدر ابو بكر العطاس في انتزاع ترشيح المشترك؟ وهل سيشكل المشترك لجنة لمفاوضة احدهم كي يكون رئيساً قادماً للجمهورية برعاية اميركية.

اخيراً: هل الاميركان جادون فعلاً ام ان الامر برمته ليس سوى قنبلة صوتية سرعان ما سيتلاشى ضجيجها ولن يبقى منه- في لحظات الحسم- إلا الصدى..؟!

حسين اللسواس
[email protected]
 
نقلاً عن صحيفة حديث المدينة

زر الذهاب إلى الأعلى