أرشيف

هل يتعظ النظام مما يجري، وهل سيستطيع تجنيب اليمن التونسة والمصرنة

لفت نظري بل ارعبني كثيراً تداول العديد من الشباب اليمنيين التبشير بموعد (3 فبراير) على الموقع الاجتماعي (الفيسبوك)، ليكون منطلقاً للتغيير كما يقول اولئك (المفسبكين) الذين فتحوا صفحة خاصة عليها العديد من الرسومات والصور معنونة بـ (اليمن غالية وعليك ان تحررها)، ويفاجئك سؤال اجباري عند فتح الصفحة هل ستحضر ام لا؟مع ثلاث إجابات محددة بأزرار يتم الهمس عليها فقط وهي (أنوي الحضور- قد يحضر- لا)..!
سبب الرعب الذي تملكني هو أن الشرارة الأولى لثورة التونسيين بدأت من هذا الموقع الشؤم (الفيسبوك)، وهو أيضاً الشرارة الأولى أو الأداة الذي استخدم لاخراج الشارع المصري رغم اغلاقه وحجبه بعد ذلك، بل وقطع الانترنت كاملاً في مصر الا ان (الحمار خرج السوق) كما يقال، ونزل الشباب وتجمعوا في الأماكن التي حددت في الفيسبوك قبل اغلاقه ورفضوا العودة إلى منازلهم ولا يزالون هناك إلى الآن رغم الإصلاحات التي لم يفعلها الرئيس مبارك منذ أكثر من 30 عاماً لكنهم غير راضين ويصرون على رحيله عن البلاد..!
الخوف كل الخوف أن ينفرط العقد ويتسع الخرق على الراقع، وتخرج الجماهير اليمنية من القمقم، وتخرج عن اطار المؤتمر والمشترك، وتخرج إلى الشارع بلا هدى ولا رادع ولا فائد، قدوتها في ذلك الصحابي الجليل ابي ذر الغفاري رضي الله عنه، والذي قال: “عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، ألا يخرج على الناس شاهراً سيفه”.!
اعتقد أن المعارضة القائمة حالياً والمتمثلة في اللقاء المشترك أحد أهم صمامات الأمان لنظام الرئيس علي عبدالله صالح القائم، وللأمن والاستقرار في البلاد، ويجب على الرئيس أن يتعامل معها بحكمة وألا يستحثها أو يضغط عليها كثيراً للخروج عن طورها والتخلي عن الشارع الذي لن يستطيع ضبطه أمن ولا جيش، بل أني اعتقد يقينا أنهم (الأمن والجيش) سيتحالفون مع المواطنين من أول يوم ينفرط فيه العقد وتعم الفوضى لا قدر الله، ولنا في تونس ومصر عبرة.
يجب على النظام الحالي بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح أن يغسل رأسه ويحلق لنفسه قبل ان يأتي من يحلق له، وهذه حكمته التي تغنت بها العربان، وجرى بها الركبان، ورددتها وسائل الاعلام طويلاً، لماذا لا يقوم باعلان حزمة اصلاحات حقيقة وليست وهمية مثل ضرائب المرتبات وإستراتيجية الأجور، لماذا لا يضحي بثلث او ربع المتنفذين الكبار من لصوص المال العام وهم معروفين للقاصي والداني، ويحيلهم إلى القضاء العادل لمحاكمتهم..
ساعتها فقط سيؤمن الشعب أن الرئيس تغير وانه جاد في بناء اليمن الحديث..
استغرب كثيراً رغم مراهنتي على حكمة الاخ الرئيس ورجاحه عقله، استغرب اصراره الشديد على عدم اخذ الأمور مأخذ الجدية ووضع الأمور في نصابها الصحيح، سقط نظام زميله التونسي وخرج علينا يعلن أن اليمن ليست تونس، وقارب النظام المصري على الانهيار، وهاهو يراهن على أن اليمن ليست تونس ولا مصر…
أنا أعرف وكلنا يعرف أن اليمن ليست تونس وليست مصر، بل اشد منهما الاثنتين! اليمن بلد استثنائي، نعم استثنائي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ودون دغدغة عواطف واستخفاف بعقول الناس، لدينا قبائل متسلحة بالأمية والجهل والجوع والفقر ومستعدة للإغارة على المدن وتحديداً العاصمة صنعاء في أقل من ساعة واحدة، ولا غرابة في أن تجد بعض أبناء القبائل من يعتبر أن أصحاب المحافظات الأخرى لا ملك لهم في صنعاء ومتمسكين بحكمة الامام رحمه الله (ملك في غير بلدك لا لك ولا لولدك)، وأن أبناء المحافظات الأخرى (لا فرق بين شمالي وجنوبي وشرقي وغربي) غرباء ودخلاء على صنعاء، وبالتالي يمكن أن يعود الحق لأصحابه (لهم) إذا حلت الفوضى واستبيحت الدماء والأعراض والأموال لا قدر الله..
لدينا زعماء حرب متمترسون خلف بنادقهم وثكناتهم العكسرية من الآن، وفي ظل النظام والأمن والاستقرار، فما بالك إذا سقط النظام واختلط الحابل بالنابل..!
لدينا شباب عاطل يرى في منازل المسئولين وممتلكاتهم فيداً حلالاً لأنها من خزينة الشعب وليست من كد عرقهم وجبينهم، وبالتالي فإنهم لن يتورعوا في الهجوم على كل ما تقع عليه ابصارهم وتصله ايديهم، بل سيتعدى فعلهم ما يمكن تصوره الآن إذا عمت الفوضى لا قدر الله.
تحدي الشعب
المظاهرات في مصر خرجت دون أي تنظيم سياسي أو قائد يقودها أو هدف سياسي تريد الجماهير الغاضبة تحقيقه، سوى إسقاط النظام الذي تحداها وقال (مصر مش تونس)، وفي اليمن يصر النظام على تحدي هذا الشعب المسكين مراهناً على القبيلة أو قادة الجيش من الأبناء والأقارب الذين لا يمكن أن ينزلوا بأنفسهم لتفريق المتظاهرين او اعادتهم إلى منازلهم، ويمكن أن يكونوا هم أول من تسعر بهم المظاهرات الهادرة والغضب العارم إذا اشتدت وطأته لا قدر الله.
اشعر من بعض الممارسات أن هناك من يستعجل زوال النظام من داخله ومن المحسوبين عليه، هناك من يتحدى الشعب في مثل هذه الظروف تحديداً، ففي الوقت الذي يتم فيه إسقاط النظام المصري بسبب تحكم الأنجال في السياسة والاقتصاد وليس في الجيش، يعلن عن إنشاء قوة عسكرية جديدة (مشاه جبلي) ويعين نجل الرئيس الصغير (الملازم خالد) قائداً لها..!!
كما يقوم الرئيس بإصدار قرار تعيين لمسئول تم طرده وسحب الثقة منه لأكثر من 3 مرات من محافظته، ونكاية في تلك المحافظة ومجلسها المحلي وسكانها ووجهاءها يقوم بتعيينه وكيلاً في امانة العاصمة، وعلى عينك يا حاسد..!!
وهنا فاصلة بسيطة أو توضيح، وهو أني عندما أتحدث عن أبناء الرئيس أو الأسرة الحاكمة والذين تربطني ببعضهم علاقات اخوية جيدة وصداقات إنسانية رائعة، فإنني لا أتحدث عن قدرة أو كفاءة، بقدر ما أتحدث عن ممارسة تقرأ على أنها سياسية، وتعكس صدى في الشارع الذي لا ينظر إليها إلا من زاوية واحدة فقط وهي استغلال الحكم لتميكن الأسرة والأقارب والاستقواء بهم على الشعب.
زلزال مصر
ألا يتعظ الأخ الرئيس مما يحصل في مصر هذه الأيام .. ها هو الزعيم يترنح وأصبح قاب قوسين أو أدنى من السقوط، والشعب كله يهتف إرحل إرحل مش عاوزينك، ها هو يترنح فيما مصر تغتسل من ليل الضباب، تفرك عينها على صبح تشرق شمسه ملونة بدم الشهداء الذين سقطوا في تلك المظاهرات.
وفيما يقاوم الزعيم (فرعون) السقوط المدوي، يفر (قارون) بخزائنه، ويهرب (هامان) بسحرته، ولا أحد يغيثه رغم أنه كان مظلتهم التي يحتمون بها..
ألا يرى الأخ الرئيس كيف ينهض الشعب المصري العظيم الذي طالما استكان وصبر وتحمل قهر النظام وتشويهه لملامحه واستبداله لدوره، ألا يتعظ عندما يرى المواطن المصري يصافح ويعانق الضابط على متن الصفحة العسكرية، وعندما يرى الشاب المسكين وهو يكتب على الدبابة (يسقط مبارك) والضابط العسكري ينظر إليه ولا يحرك ساكناً..!!
لا أحد يتوقع أين ستكون الضربة القادمة.. تونس كانت الشرارة التي قضت على (فزاعة هبل)، تلتها مصر ويعلم الله من هو المرشح القادم؟
انه تسونامي الشعوب .. انه قدر الله في الارض، يتجمع بعنفوانه الجائمة في صدور الشعوب، وقوته المتمثلة في إرادتهم الباطشة، وأدواته التي تحركهم وتصبرهم على البقاء في الشوارع، تتجمع هذه القوى الكامنة شيئاً فشيئاً حتى اذا ما استوت سفينته على الجودي فاض على العروش المتجذرة وبطش بهم وأخذهم أخذ عزيز مقتدر..
انه تسونامي الشعوب الذي لا يبقي ولا يذر، وعندما يصل إلى بلد فانه لا ينفع مال ولا بنون، ولو قدموا له فدية كل ما لديهم من أموال وممتلكات على ان يبقوا في الحكم ليلة واحدة، فانهم لا يستقدمون ساعة ولا يستاخرون.
انه نفس المنطق ونفس الكلمات، عندما أدرك الغرق فرعون مصر قديماً، فأعلن انه فهم دعوة هارون وموسى وقال (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل).. إنه المنطق نفسه الذي اعلن عنه ديفول وهو يواجه الشعب الجزائري الثائر، حيث قال لهم: لقد فهمتكم، والكلام نفسه ردده زين العابدين عندما قال للتونسييين الثائرين. لقد فهمتكم.. وهو نفس ما قاله الرئيس حسني مبارك في خطابه الاخير: انني اتفهم طلياتكم، لكن الشعوب تقول بمنطق القرأن (الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين)..؟

حاشية الرئيس
المشكلة أيضاً في أن هناك من الحاشية من يتصرف تصرفات غير مدروسة ولا مرسومة ولا مفهومة ولا متفق عليها ويتحمل وزرها الرئيس علي عبدالله صالح، ولا زالت مسألة (قلع العداد الرئاسي) التي أزمت الدنيا ولا زالت تتصاعد حتى اليوم شاهدة على ذلك، ومثلها نقل مظاهرات المؤتمر الشعبي العام (الحاكم) على الهواء مباشرة عبر القناة الفضائية وهم يهتفون مالنا إلا علي، وبالروح وبالدم نفديك يا علي، ولقاءات مع بعض المسئولين والغوغاء في تلك المظاهرات وكلهم يشيد بمناقب الرئيس ومنجزاته..
عندما كنت اشاهد تلك المظاهرة تبادرت إلى ذهني العديد من الافكار، إذ كيف ينظر المشاهد الخارجي لتلك المظاهرات (المباشرة) وفي هذا التوقيت بالذات، أنها تضعف النظام أكثر مما تخدمه أو تقويه أو تدعمه، وأتذكر أن الجزيرة والـ بي بي سي والعربية كانت تبرز لحظتها خبراً عاجلاً تقول فيه أثناء المظاهرات المصرية (إذاعة القاهرة تستضيف علماء يحرمون الخروج إلى الشوارع والتظاهر ضد النظام) ويمكن للقارئ اللبيب مقارنة هذا الخبر ودلالة تناقله في كبرى الفضائيات العربية على أنه خبر عاجل، ومقارنته بالنقل المباشر لجماعة لا يتعدى عددها 500 شخص وهم يرفعون صور الرئيس ويرددون هتافات وكلمات تشيد بمنجزاته..!!
والحال كذلك بالنسبة للكمة التي نقلت عبر الفضائية اليمنية من بلاد الروس لمحافظة صنعاء (نسب الرئيس) نعمان دويد، والتي خجلت كثيراً (كمتابع) عندما سمعتها، وكنت أكبر (نعمان) وأحسب انه رصين حصيف فطن، لكنه لم يكن كذلك وهو يردد تلك الكملات وبذلك الأسلوب ومستوى الإسفاف الذي نزل اليه في لغته ولهجته، وقد دفع ثمنها بالاعتذار والمهدعش والاعتراف بالخطأ لبيت الاحمر، وهذا ليس عيباً بل منقبة إذ ( لا يعترف بالخطأ إلا الكريم ولا يكابر إلا اللئيم)، لكني كنت أريده أن يزن كلماته على وزن منصبه وقربه من رأس النظام وألا يكون مع الخيل يا شقرا..
رغم استيائي الشديد من كلمة الأخ نعمان دويد إلا انه أضحكني من قلبي عندما ذهب بعيداً في ذم المعارضة الملياردير حميد الأحمر (صاحب السيكل) والاحتفاء بالرئيس علي عبدالله صالح وقال (أتحدى واحد يقول يوم القيامة أن علي عبدالله صالح ما حققش الوحدة)..!!
رؤيتي للأحداث
اعتقد أني مشتت كثيراً نظراً للعديد من الأحداث المتسارعة على الساحة المصرية والتونسية والعربية إجمالاً، والمتشابهة إلى حد كبير بين الدول العربية لا سيما الجمهورية منها أو ما يمكن تسميتها بـ (الجملوكيات) وبلدنا أحدها، لكنني أرى أن ما يحصل حالياً في مصر وما سبقه في تونس هي لعبة مخابرات دولية خيوطها في البيت الأبيض ولاعبوها صهاينة عملوا على إقناع مبارك تعيين عمر سليمان (ربيبهم) نائباً له ليتسلم بعدة الحكم وفقاً للقانون، حيث سيخرج مبارك في رحلة علاجية أو نقاهة أو إجازة، وتضمن إسرائيل أنها باقية في مصر وتمسك بخيوط اللعبة من اتجاه معبر رفح وغيره من اتجاهات الأمة العربية التي تتزعمها مصر.
سبق تونس موقع ويكيليكس الذي هيج الجماهير العربية وحرق مرحلة كانت ستأخذ من الإدارة الأمريكية للوصول إلى ما نحن عليه اليوم من أحداث متسارعة وتغيير أنظمة وقناعات سياسية (معارضة وحاكمة) 15سنة على الأقل، ثم جاءت أحداث تونس التي لعبت المخابرات الدولية دوراً كبيراً في توجيهها لإيجاد موطئ قدم لأمريكا في القارة الأفريقية التي (كانت) تسيطر عليها فرنسا، ثم جاءت وثائق السلطة الفلسطينية التي نشرتها قناة الجزيرة على اعتبار أنها سلطة بلا دولة وبالتالي يتم نخرها بالوثائق ويصفي بعضهم بعضاً، وأتوقع عما قريب سيدب الخلاف بين أطراف وأجنحة وقادة السلطة الفلسطينية نفسها بعيداً عن حماس، ثم يكون الطلاق البائن لتغيير نظام جديد ليس أفضل من الحالي بل لأن الحالي أدرى دوره ويكفيه واللاحق سيكون (أرطب)!!
قناة الجزيرة في قطر كان لها الدور الأكبر في إسقاط نظام زين العابدين وهي من كشفت عن وثائق السلطة الفلسطينية، وتقوم حالياً بالنفخ الشديد لإسقاط النظام المصري، أعتقد أنها عملية مفهومة، وأن هناك من يوجهها ويستخدمها وسيلة لإعادة تنظيم المنطقة من جديد وفق استراتيجية أمريكية جديدة باتت ملامحها وبقي الإفصاح عنها رسمياً، لكني أيضاً اعتقد أن أمريكا لن تلحق الإفصاح عن إستراتيجيتها الجديدة في المنطقة، فهناك العديد من مؤشرات الشيخوخة التي بدأت تظهر عليها.


محمد الخامري
[email protected]

نقلا عن صحيفة ايلاف

زر الذهاب إلى الأعلى