أرشيف

عبد الباري طاهر : تنحي الرئيس لا نقاش حوله..والوصاية خطر يتهدد الثورة الشبابية

ولد في مملكة الجوع وعاش في جمهورية الفقر لكنه شمخ عالياً شموخ نخيل تهامة.. وبين مولده عام 1941 ولقائنا به تجد فيلسوفاً موضوعياً ومفكراً استثنائياً وحكيماً له مبتدأ وليس له منتهى.. الثقافة تسكن سويداء قلبه وشغاف روحه.. إنه الكاتب الأديب واسع الأفق وبحر المعرفة الهائج ومحل إجماع الفرقاء.. ابن المراوعة الطفل النابغة والشاب المثقف والرجل الحكيم .. الأستاذ عبد الباري طاهر السياسي العنيد وموسوعة الثقافة اليمنية وذاكرتها وإن شئنا الانصاف فهو مجنون الثقافة اليساري اليميني المعتدل.. عميد الصحافة اليمنية ونقيبها الذائع الذكر.. التقينا به بحثاً عن بارقة أمل تقشع سحابة الشؤم المخيمة على ماضينا الأسود وحاضرنا الضبابي.. طرحنا عليه الأسئلة فرد بتواضع الإنسان ومهارة السياسي وأفق المثقف بالطريقة التالية:



حاوره / عبدالله الشاوش


· أستاذ عبد الباري طاهر لقد كنت من أوائل دعاة التحديث والمدنية.. ما هو شعورك الآن وأنت على مشارف تحقيق هذا الحلم؟


– طبعاً لست الأول ولا الأخير الدعوة للحرية للعدالة للتحديث قديمة جداً في اليمن فمنذ مطلع القرن الماضي برز علماء دين أجلاء وأدباء وكتاب ومثقفون وصحفيون وأبرزهم: الوريث والموشكي والعنسي وفيما بعد النعمان والزبيري وكان ذلك الجيل من دعاة الدستور ومن دعاة بناء دولة شوروية إسلامية وعندما قامت الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر كانت قيادتها تتبنى دعوة الحرية والتقدم للغد ولكن ظلت حركة 48 أهم حركة تدعو للدستور ووضعت الميثاق المقدس والذي لا تزال بعض بنوده تنتظر التنفيذ حتى الآن، أما الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر وحتى الوحدة اليمنية كلها انتكست وبدلاً من التحول من الشرعية الثورية إلىالشرعية الدستورية تحولت إلى شرعية قبلية وأسرية وفردية وكانت هذه أسوأ انتكاسة تصاب بها الثورة اليمنية التي دعا إليها علماء الدين والأدباء والشعراء والكتاب منذ أمد بعيد.



· الثورة شبابية محضة.. لكننا نرى من يريد أن يمتطي صهوتها من قبل بعض قيادات الأحزاب التقليدية.. بصفتك المثقف السياسي بماذا تنصح هؤلاء؟


– الثورة قادها الشباب حقاً ولكنها ليست ثورة الشباب وحدهم وانما ثورة كل الشعب وقد شارك للتحضير للثورة اتجاهات وقوى وشرائح مختلفة فالحراك الجنوبي منذ العام 2007م هو أول من فجر الاحتجاج السلمي المطلبي وقد تطورت مطالبه إلى ما يشبه التمرد الشعبي رغم القمع والعنف الدموي كما أن المظاهرات والاعتصامات المحدودة في صنعاء منذ العام 2007م أيضاً كلها كانت موجهة ضد الفساد والاستبداد والاعتداء على الحرية والديمقراطية وبالأخص حرية الرأي والتعبير منذ البداية كان هناك شخصيات من أمثال أحمد سيف حاشد وتوكل كرمان ممن ساهموا بفاعلية لهذه الثورة فظلوا يدعون إلى استقلالية الثورة وعدم فرض وصاية الأحزاب عليها والحقيقة أن شباب جامعة صنعاء هم من قاد الثورة في منعطفها الثالث حيث قادها الشباب من جامعة صنعاء ووصلوا بها إلى الثورة اليمنية في الساحات اليمنية كلها وبعيداً عن النصائح فإن الأهم هو الحرص على استقلالية الثورة وعدم فرض أية وصاية عليها من قبل الأحزاب أو الشخصيات أيً كانت.


كما أن الحرص على الطبيعة السلمية للاحتجاج هي العنوان الأهم.


إن الخطر الذي يتهدد هذه الثورة الشبابية السلمية هو محاولة فرض الوصاية عليها والمقايضة أو المساومة باسمها أو جرها إلى مربع العنف.



· هل عندك شك ولو بنسبة محدودة في إمكانية فشل الثورة في تحقيق هدف رحيل الرئيس ونظامه؟


– لا طبعاً فهذه الثورة لا يمكن أن تفشل بسبب بسيط وهو مشاركة كل الشعب في صنعها صحيح أن الشباب هم من فجرها وقادها ولا يزالون في مركز قيادتها ولكن كل فئات وشرائح المجتمع اليمني وكل ألوان الطيف المجتمعي والفكري والسياسي تشترك في صنعها فخلال أسابيع استطاع هؤلاء الشباب هز النظام وزعزعة أركانه وإسقاط قياداته في الحكم والحزب والإدارة وما ننتظره الآن هو سقوط النظام كله ورحيله إلى غير رجعة.



· هل الحوار مع النظام في صالح الثورة أم إنقاذ للنظام؟


– القضية الآن ليست بحاجة إلى أي حوار من أي نوع أو أية وساطة ولو أن الوساطة من قبل الإخوة في مجلس التعاون الخليجي أو على مستوى دولي مرحب بها وتعبر عن الحرص على اليمن إلا أن الأمر الذي لا يكون حوله نقاش أو حوار هو تنحي الرئيس وسقوط النظام الذي فقد شرعيته.



· هناك شريحة واسعة من الناس تخاف أن تُسرق الثورة من أصحابها الحقيقيين وتنحرف عن مسارها.. فما مدى واقعية هذا الخوف؟


– لا واقعية لهذا السؤال لأنها قد تسرق في حالة ما إذا كانت في أيادي محدودة أما إذا كان الشعب هو قائدها وقيادتها يشترك فيها الملايين فيصبح من الصعوبة سرقتها أو صعوبة الانحراف بها وفي نموذج مصر وتونس ما يؤكد ذلك.



· حقناً للدماء ما هي الطريقة المثلى بنظرك للخروج بالثورة من هذه الأزمة ويمكن أن يقبل بها الرئيس والمعارضة والشباب؟


– حقناً للدماء يجب الحرص على الاحتجاج السلمي الديمقراطي وعدم العسكرة وبالاستمرار في الاحتجاج السلمي وفي تصعيد الاحتجاج السلمي عبر الإضرابات والمظاهرات وصولاً إلى العصيان المدني الشامل والكامل الذي يعزل النظام ويفرض عليه رحيله وهذا الذي حاصل في كثير من المحافظات الآن وبالتالي يعجز النظام عن فعل أي شيء فيضطر إلى الرحيل.



· في حال رفض الرئيس الرحيل الناعم ما هي الخيارات المناسبة والمنطقية أمام الشارع والمعارضة؟


– العصيان المدني وتصعيد الاحتجاجات واعتقد أني قد ذكرت بعض جوانب هذا التصعيد في السؤال السابق.



· هل أنت مع فكرة الزحف إلى القصر الجمهوري والمؤسسات الرسمية؟


– أنا مع الإسقاط التدريجي لرموز النظام والإسقاط التدريجي لرموز النظام ومؤسساته وقيادته كفيل بإقناع السلطة بالتنحي وتظل كل الخيارات السلمية مفتوحة أمام الإرادة الشعبية الشاملة وبما في ذلك الزحف إلى القصر الجمهوري وجميع مؤسسات الدولة.



· هناك من يرى أن الثورة كانت سوف تصل إلى أهدافها بأسرع مما هو كائن الآن لولا انضمام قيادات من الجيش وشخصيات قبلية نافذة إلى صفوفها.. فما رأيك أنت؟


– في رأيي أن انضمام قيادات عسكرية كبيرة له جانبين ايجابي وجانب سلبي الجانب الإيجابي أنه في صفوف الجيش اليمني من أحس بوخز الضمير من القمع الدموي والسافر للشباب المعتصم ولكن الجانب السلبي أن يعتقد هؤلاء الضباط أنهم حماة للثورة أو أوصياء عليها والأخطر من ذلك كله أن ينجروا إلى مواجهة عسكرية- لا سمح الله.



· الصحافة الحزبية والمستقلة هل واكبت الثورة كما ينبغي؟


– الصحافة الحزبية كان أداؤها ضعيفاً وليست في مستوى الحدث العظيم المتمثل في الثورة الشبابية والشعبية أما الصحافة الأهلية فقد كان تعاطيها رائعاً ومهماً كانت أفضل بما لا يقاس من الصحافة الحزبية أما الصحافة الحكومية فهي ميتة وقمعية ولم تعبر عن إرادة الشعب ولا عن أحلامه في الحرية والديمقراطية والمساواة.



· المثقفون اليمنيون ما هو دورهم نحو الثورة وشبابها؟


– مسئولية المثقف هو الدفاع عن الديمقراطية والمواطنة وإذا تخلى عن هذه الوظيفة فإنه يفقد أهم صفة من صفات المثقف العضوي الذي تحدث عنه المفكر الايطالي غرامشي.



· هل أنت متفائل بالمستقبل؟ وبماذا؟


– طبعاً أنا متفائل كثيراً وقد قرأت لغرامشي هذا المفكر العظيم مقولة يقول فيها لا يهزم تشاؤم العقل إلا تفاؤل الإرادة والله سبحانه يسمي اليأس كفر و (لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس.

زر الذهاب إلى الأعلى