أرشيف

آلـ سعود..تجديف عبثي ضد تيار الربيع الثوري العربي .. إرهاصات الثورة السعودية..

الكاتب حسين اللسواس
لا تبدو المملكة العربية السعودية قادرة على إبقاء نظامها الوراثي الحاكم، بمعزل كلي عن التأثر بالعاصفة الثورية التي تجتاح النظم
والحكومات العربية، فحتى وإن حققت نجاحاً مرحلياً في الصمود أمام مد الثورات العاتي، غير أنها –بالنظر لوقائع ومؤشرات شتى- ليست بمأمن كلي عن التحول إلى محطة جديدة لانبعاث ثوري عربي قادم.
ثمة إدراك عميق لدى صناع السياسات في المملكة لحجم التحديات التي تجابه النظام السعودي، لكنه إدراك لا يواكب اللحظة الثورية إصلاحياً وإجرائياً بقدر مواكبته لها قمعياً واستعداده لمواجهتها أمنياً..!
في نظام ملكي استبدادي معقد التركيب كالنظام السعودي، يصعب على عجلة الإصلاحات السياسية اتخاذ وضعية الدوران السريع لإحداث تغيير يحول دون اندلاع ثورة وشيكة، فكل خطوة في طريق الإصلاحات السياسية تحتاج إلى فاصل زمني واسع، وهو ما يجعل التباطؤ عنواناً واصفاً للتعاطي السعودي مع مطالب الداخل ونصائح الخارج الداعية إلى تحديث النظام السياسي وتطويره من ملكية فردية إلى ملكية دستورية.
مراكز القوى وتعقيدات صنع القرار
تباطؤ عجلة التغيير في الواقع، ليس سوى نتيجة بديهية للتعقيدات التي تحكم مسارات اتخاذ القرار السياسي، فحتى لو كان الملك ينشد تحقيق الإصلاحات، غير أن قدرته على التحرك –رغم سلطاته المطلقة- تظل محكومة بتوازنات النفوذ والقوة بين المراكز السلطوية الرئيسية في التركيبة القيادية للأسرة الملكية الحاكمة.
هنا ليس بوسع الملك اتخاذ قرار مصيري –كالتحول من ملكية فردية إلى دستورية مثلاً- دون توافق حقيقي مسبق مع مختلف الأجنحة والمراكز النفوذية في العائلة الملكية، وبالتالي فإقرار الإصلاحات الملبية لتطلعات الداخل ونصائح الخارج مرهون بمخاضات عسيرة من التوافقات داخل العائلة بصورة تجعل إنفاذها أكثر تعقيداً وصعوبة مما يبدو عليه الأمر.
وبما أن تعقيدات اتخاذ القرارات المصيرية تجعل التجاوب مع مطالب الإصلاح الراهنة موغلاً في الصعوبة، فإن التعاطي السعودي مع أي مطالب ثورية مرتقبة يبدو مستحيل التنفيذ، وهو ما يعني أن الإجراءات السعودية المتوقعة لأي فعل ثوري وشيك ستنحصر في الجوانب القمعية دون أدنى تفاعل مع الأجندة المطلبية والإصلاحية.
الاقتصاد يعوض العجز عن الإصلاح السياسي
من النافذة الاقتصادية، تحاول المملكة العربية السعودية تعويض عجزها عن القيام بأي إصلاحات سياسية حقيقية.
فمنذ نجاح الثورة التونسية، لم تدخر المملكة جهداً في سبيل تحقيق انتعاش اقتصادي ورفاهية مجتمعية للشعب السعودي، إذ عمدت إلى تحسين دخل الفرد ومعيشة المواطن عبر رفع الأجور وتقديم الحوافز والمعونات.
ورغم أن استراتيجية التعويض الاقتصادية حققت تقدماً نسبياً في اتجاه احتواء جانب من الغضب والنقمة الشعبية ضد نظام الحكم، إلا أنه يظل تقدماً محدوداً، إذ ليس بوسع استراتيجية كهذه أن تجسد بديلاً لكونها ببساطة شديدة لا تُشكل علاجاً لمسببات الغضب والنقمة الشعبية المتعاظمة.
تتعدد في الواقع أوجه الغضب الشعبي، وتتصف بالكثرة والتشعب، غير أن قضية الديمقراطية والحريات السياسية تظل أبرز مظاهرها وأسبابها، فالشعب لم يعد محض مجموعات خاضعة لأهواء السلطة الدينية كما كان إبان اشتداد عود الدولة في عهد المؤسس عبدالعزيز آل سعود، لقد تحول إلى كتلة بشرية حضارية تتوق إلى استنشاق عبير الحرية الأخاذ، وتتطلع بشوق لواقع ديمقراطي يوازي واقع الرفاهية الاقتصادية الذي بات معاشاً في المملكة.
تطلعات المشاركة في صنع القرار
الاستبداد وغياب الحقوق السياسية والحريات، حتى وإن جسد مظهر الغضب الشعبي الأكثر بروزاً، إلا أنه لا يبدو وحيداً، إذ ثمة مظاهر أخرى تضارعه الأهمية لعل أبرزها احتكار العائلة الملكية للسلطة وجانب واسع من الثروة.
السعوديون كشعب، باتوا تواقين إلى إصلاحات سياسية تكفل تخليصهم من حالة الاختناق التي تفرضها القبضة الأمنية الحديدية، إنهم يتطلعون إلى إجراءات عملية لتطوير النظام السياسي بصورة تمكنهم من حق المشاركة في صنع القرار بموازاة القدرة على اختيار الأسلوب الأمثل للحياة والعيش، كما أنهم يطمحون إلى توزيع عادل للثروات بما يقلل الفجوة العميقة بينهم وبين الأسرة المالكة.
الدور السعودي في دعم أجندة السياسة الخارجية الأميركية يبدو نقطة امتعاض شعبية كبرى، فالغالبية العظمى من مكونات المجتمع السعودي تعارض الانسياق السلطوي للحكومة السعودية خلف دعم وإسناد الأجندة الأميركية، ولعل في الرفض الشعبي العارم للوجود العسكري الأميركي في الخليج ما يؤكد ذلك الامتعاض.
ولا ننسى هنا أيضا ما تثيره الشائعات المتزايدة عن التعاون الأمني بين السعودية وإسرائيل في الملف الإيراني من غضب شعبي ضد السلطة السعودية.
ائتلاف الشباب وثورة مارس
ربما كانت تحركات الشباب السعودي في الحادي عشر من مارس، تجسد امتداداً بديهياً لما بات يُعرف بربيع الثورات العربية، غير أنها –في الوقت عينه- تعد تعبيراً عن غضب واحتياج شعبي بالدرجة الأولى.
فالحركة الإصلاحية في المملكة ليست وليدة اللحظة، إذ سبق لها التعبير عن مطالبها في مراحل شتى من حكم آل سعود، غير أنها ظلت ترزح تحت وطأة القمع حيناً، والتجاهل أحياناً أخرى.
عندما أطاحت الثورة التونسية بنظام الرئيس المخلوع بن علي، بدا أن الحركة الإصلاحية في المملكة قد حظيت بدفعة معنوية كبيرة لاستئناف نشاطها وتحركاتها بهدف الضغط على النظام السعودي لتنفيذ إصلاحات سياسية حقيقية.
حيث تداعى قطاع شبابي واسع من النشطاء لتشكيل تنظيم ثوري تحت مسمى (ائتلاف الشباب الأحرار) الذي ما لبث أن أعلن تبنيه لما سمي بـ(ثورة 11 مارس).
أسهم التنظيم الوليد –حسب بعض وسائل الإعلام- في تنفيذ مسيرات احتجاجية تنادي بالإصلاحات وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، غير أن السلطات واجهت تحركاته بحزم وقوة.
في الواقع، لم تكن تحركات التنظيم هي الفعل الإصلاحي الوحيد، إذ سبق لمائة شخصية أكاديمية وثقافية أن تقدمت بطلب يدعو السلطات السعودية إلى تطوير النظام السياسي واعتماد الملكية الدستورية كبديل للملكية الفردية.
25 ألف جندي لمجابهة ثورة مارس!
أثارت المسيرات والمظاهرات السلمية في كل من جدة والقطيف والعوامية وبعض مناطق الأحساء (سقط ضحيتها شهيد واعتقل فيها المئات)، استنفاراً لدى السلطات السعودية دفعها لاتخاذ تدابير وإجراءات ذات طابع وقائي قمعي بهدف مواجهة أي اتساع لما بات يعرف بـ(ثورة 11 مارس).
حيث قامت السلطات بتشكيل غرفة عمليات تضم عدداً من قادة الأجهزة الأمنية وذلك بهدف رصد ومتابعة التطورات، واتخاذ التدابير الكفيلة بالحيلولة دون قيام أي مسيرات أو مظاهرات، كما خصصت نحو 25 ألف عنصر من رجال الجيش والأمن منذ شهر مارس الماضي وذلك لقمع ومواجهة أي تحركات أو مسيرات جماهيرية مناوئة للنظام.
لم تكتف السلطات بآنف الإجراءات، إذ عمدت إلى إصدار قرار عبر وزارة الداخلية حظرت فيه حق التظاهر، وحرمته على المواطنين، لتصبح المظاهرات –بموجب القرار- مخالفة شرعية.
ولكي يكون القرار نافذاً من الناحية الدينية، كان على السلطات أن تمارس ضغوطاً على المؤسسة الدينية بهدف دفعها لتحريم المظاهرات، وهو ما حدث، حيث أصدرت هيئة العلماء فتوى أعلنت فيها تحريم المظاهرات والمسيرات الشعبية.
الورقة الطائفية لم تكن بمعزل عن الاستخدام السلطوي السيئ، حيث جرى توظيفها على نحو واسع بهدف إفراغ الحركة الاحتجاجية (ثورة 11 مارس) من مضمونها، إذ تم اتهام تنظيم الشباب الأحرار بالتشيع وتبني أجندة إيرانية وذلك في محاولة لحرمان التنظيم من أي فرصة حقيقية للتوسع والتغلغل وبالأخص في الأوساط الشبابية.
الإجراءات السلطوية امتدت لتطال وسائل الإعلام السعودي التي جرى برمجتها على ترديد خطاب نقدي مناوئ للثورات العربية يركز على سلبيات تلك الثورات دون التعريج على إيجابياتها.
تكتيكات الالتفاف على الثورة اليمنية
عقب سقوط نظامي مبارك وبن علي، وامتداد الربيع الثوري إلى اليمن والبحرين وسوريا والأردن، أخذت السلطات السعودية تستشعر حجم الخطر المحدق الذي يتهدد نظامها الاستبدادي العتيد، فعمدت إلى التدخل المباشر في البحرين عبر قوات درع الجزيرة وذلك في محاولة لإخماد الثورة بالعنف وثنيها وأثناءها عن تحقيق أهدافها.
كما سعت لدعم الاستقرار في المملكة الأردنية وتعزيز قدرة حكومتها على الصمود واحتواء الحركة الاحتجاجية.
الثورة اليمنية السلمية لم تكن بمعزل عن التدخلات السعودية، فمنذ بدايتها حاول السعوديون إعاقتها عن بلوغ غاية النصر عبر تقديم الدعم المباشر واللامرئي لنظام صالح، غير أنهم وبعد التيقن من استحالة إعاقة قطار الثورة، لم يجدوا سوى الاستعاضة بتكتيك بديل يحقق لهم غاية الالتفاف عليها وإطالة أمدها وإقحامها في مسرحية بهلوانية من المفاوضات السياسية تحت يافطة براقة هي (المبادرة الخليجية)، لتنكشف بذلك حقيقة النوايا التآمرية، وتتضح الغايات السعودية الرامية إلى إثناء الثورة عن بلوغ أهدافها عاجلاً.
السعودية تعيد إنتاج أخطائها
خيركم وشركم يأتي من اليمن، نصيحة منسوبة للملك عبدالعزيز آل سعود، يبدو أنها استعادت حضورها في ذهنية راسمي السياسات داخل العائلة السعودية المالكة.
فالسعوديون يعتقدون أن ثورة الشباب اليمنية المجيدة قابلة للتمدد والانتقال السريع إليهم في حال تمكنت من تحقيق أهدافها، وهو اعتقاد دفعهم لمجابهتها والتآمر عليها وتقديم العون والإسناد لصالح ونظامه بهدف مقاومتها والصمود في مواجهتها على مدى ستة أشهر.
كان بوسع المملكة لو ساندت الخيار الثوري في اليمن، أن تحصل على ضمانات ثورية يمنية تقضي بعدم السماح بأي نشاط يزعزع استقرارها، غير أنها انساقت خلف وصية الملك المؤسس الفائت عرضها دون إجراء أي حسابات دقيقة، ودون الإنصات لنداءات بعض الأمراء الداعمة لخيارات الشعب اليمني.
في الواقع، لا تجد المملكة غضاضة من تكرار أخطائها في حق الشعب اليمني، ففي ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة، سبق للمملكة أن ناهضت خيارات الشعب اليمني الداعمة للجمهورية والثورة، ومضت بإصرار طافق وعناد منقطع النظير في تنفيذ استراتيجيتها التآمرية ضد الثورة، حيث قدمت آنذاك دعمها وتأييدها للفلول الملكية بهدف القضاء على الجمهورية السبتمبرية الوليدة، غير أن رهاناتها باءت بالفشل، وهاهي اليوم تعيد إنتاج ذات الأخطاء، فرغم يقينها بانتصار ثورة الشباب في النهاية، إلا أنها لا تدخر جهداً لاغتيال هذه الثورة وعرقلتها وإعاقتها عن تحقيق أهدافها.
جهود عبثية لاحتواء الثورات
يدرك السعوديون أن مجابهتهم لربيع الثورات العربية لن يحقق لنظامهم وقاية مطلقة من عدوى التغيير الحتمية، غير أنهم لا يريدون التعاطي بتاتاً مع هذه الحقيقة على نحو جدي، السبب ببساطة يكمن في عجزهم عن القيام بأي إصلاحات سياسية داخلية تحقق لنظامهم المنعة وتكسبه الحصانة اللازمة للصمود في مواجهة المد العاتي للثورات العربية.
رغم كل المتغيرات، لا يبدو نظام آل سعود قادراً على مواجهة أزماته الداخلية ومعالجتها باعتبارها –أي المواجهة- أنجع الوسائل والأساليب لمجاوزة الإعصار الثوري الذي يضرب المنطقة العربية.
ترحيله لأزماته الداخلية، واستغراقه في جهود عبثية لاحتواء الإعصار الثوري العربي، سيجعله دون ريب هدفاً ثورياً قادماً.
وماذا بعد!؟
ربما كان الحديث عن الثورة السعودية ضرباً من المبالغة واللاواقعية، وربما بدا خطاباً عاطفياً يحاكي المزاج الثوري العام، غير أنه في ظل راهن السياسات السعودية يبدو قابلاً للتحول إلى حديث جاد.
يدرك السعوديون ألاّ سبيل لصمود نظامهم في مواجهة الإعصار الثوري العربي دون تنازل الأسرة المالكة للشعب السعودي وتنفيذ إصلاحات حقيقية تكفل اعتماد الملكية الدستورية كبديل للفردية، غير أنهم –وفق معطيات الواقع- لا يريدون تقديم أي تنازلات سياسية لشعبهم المغلوب على أمره.
قد تفلح سياسات التخدير الاقتصادية في إقناع الشعب مرحلياً بعدم المطالبة بحقوقه السياسية، وقد تحقق جهود إعاقة الثورات العربية نجاحاً نسبياً في إثناء الشعب السعودي عن الثورة ضد جلاديه، وقد يحول التحالف الأميركي السعودي دون انتقال العدوى الثورية إلى الأراضي النجدية والحجازية، غير أن كل ذلك بالمقابل لا يعني استحالة اندلاع الثورة السعودية.
باختصار.. إنه زمن الشعوب لا زمن الحكومات. تلك هي الحقيقة الوحيدة الماثلة، وهي حقيقة تعني أن الثورة السعودية ليست مجرد إرهاصات تتحسس طريق البداية، بل إنها كما قالت الزميلة سمية غنوشي في جريدة الجارديان البريطانية: ثورة قائمة بالفعل..!
[email protected]
المصدر : صحيفة الديمقراطية

زر الذهاب إلى الأعلى