أرشيف

اليمن: أصراعٌ قبلي أم تحديثي؟

 فيما تقوم القوى الشبابيةُ والمعارضةُ بمحاولةِ تشكيل يمنٍ ديمقراطي، تقوم قوى السلطة السابقة وعائلة الأحمر بالصراع على نفوذ القمة المتزعزعة. القوى الشبابية والمعارضة تمثلُ درجاتٍ من الصفوف المتداخلة المتباينة في عملها لتجاوز اليمن السابق، المتجسد في نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

القوى الشبابية غيرُ الناتجة عن صراع المصالح والقوى القديمة، مثل شباب الثورة في مصر وتونس الذين خسروا الصفوف الأولى لصالح القوى المعارضة المغروسة في الحياة الاجتماعية السياسية لعقود سابقة، وهي ذات الخبرة والتغلغل في الخرائط الاجتماعية ولها شبكاتٌ قديمة في الاستحواذ على أصوات الناس من خلال المنابر الدينية والأحزاب.

وهذا التباينُ بين الشباب وقوى المعارضة يجسد الفروق بين الشعارات والعفوية السياسية وأحلام الديمقراطية المجردة، وبين التنظيماتِ البرجماتية “العملية” ذات المساومات والوصول إلى الكراسي وتنفيذ تغييرات محددة حسب طبائعها السياسية الاجتماعية، وخططها للهيمنة والتغيير المحدود.

جيلان مختلفان، وعقليتان متباينتان: أناسٌ ظهروا من البراءة السياسية، وأناسٌ نقعوا في الدهاليز الحكومية والمناورات السياسية، أناسٌ يعبرون عن قوسٍ اجتماعي واسعٍ من الفئات والطبقات المتداخلة، وأناس حزبيون يمثلون قوى اجتماعية شبه متحجرة.

لقد قامت إدارةُ الرئيس السابق ببناء اليمن في السنوات الأخيرة بشكل اقتصادي أفضل من عقود التخلف السابقة، وقد مرت اليمن بظروف رهيبة عبر تأييد الرئيس للغزو العراقي للكويت وآثاره الوبيلة على وضع اليمن الاقتصادي، لكن الرئيس تمكن من إعاشة أكثر من مليونين من اليمنيين الذين طُردوا من دول الخليج في ذلك الوقت، ووجه فوائض النفط لإعادة بناء البلد، لكن من خلال سيطرة حزبه وعسكره ثم من خلال سيطرة أسرته.

لم يقبل الاشتراكيون في اليمن “الجنوبي” نتائج تحولات الوحدة وسيرورتهم خارج السلطة، ولم يشتغلوا على التوحيد الديمقراطي ونشر ثقافة الديمقراطية والتعددية والتنوير، فكانت الحرب وكان الرئيس المنتصر، وكانت دكتاتوريته وآثارها السلبية. فظهرَ جيلٌ جديد يتجاوز هذه المعسكرات الضيقة ويركز في إزاحة الرئيس وتكوين يمن ديمقراطي ذي مؤسسات فوق الرئاسة والقبيلة والأحزاب.

أرادوا ديمقراطية أوروبية من دون ركائزها من طبقة وسطى وعمال أحرار وثقافة ديمقراطية ذات شعبية، وحركوا الشعب طويلاً وبتضحيات جسام مريرة، حتى تحقق لهم هزَّ السلطةِ وتغيير بعض أحجارها الصلدة، وكانت الثغراتُ فيها لا تتسع لأحجامهم الكبيرة الجماهيرية والنقية، فتسللتْ من خلالها الجماعاتُ ذاتُ الملمس الناعم الدهني، وراحوا يستريحون على الكراسي في عملية إعادة ترتيب للطبقة القديمة- الجديدة، بعد أن وصلت الأوضاع في البلد إلى حد الانهيار.

يقول لي كاتبٌ يمني إن المظاهرات التي ترونها في بعض الفضائيات مقطعة مؤدلجة حسب أهداف هذه الفضائيات فلا توجد مثل هذه المظاهرات الهائلة وبهذه الأحجام، وأن الصراع الحقيقي هو بين عائلة الرئيس وعائلة الأحمر على السلطة، وحين ستأتي عائلة الأحمر لن تكون أفضل من عائلة الرئيس السابق!

فهل يلتقي حراكُ الشباب والسياسات الديمقراطية معاً لتجاوز مثل هذا الصراع العائلي المحافظ المتخلف لبناء دولة مؤسسات قوية؟

إن تجاوز الصراع القبلي في القمة هذا لن يكون سهلاً، لكون القوى الجديدة مليئة بالقديم والمحافظ والمتخلف، فسيحتاج الأمر إلى تطور عمل الشباب والقوى الديمقراطية خلال سنوات عديدة قادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى