أرشيف

التحالف الجديد ضدها بعد غياب (صالح)

يشكل تنظيم القاعدة خطرا على خصومه بحجم مساحة الأرض التي يسيطر عليها أو التي يمكنه التنقل فيها دون مضايقات, ذلك لأنه لا يحتاج في سبيل إلحاق الأذية بهم, أكثر من مكان يعمل فيه بحرية. وفي اليمن بات التنظيم على مساحات جغرافية شاسعة. بل قد يكون الجهة الوحيدة التي تحكم سيطرتها على مناطق, في بلد القربيلة والسلاح, بهذا الشكل.. لكن ومع ما تحقق له منذ أشهر إلا أنه يسعى للحصول على المزيد من الأرض والمناصرين, وقد ساعدته الظروف التي مر ويمر بها البلد مؤخرا على ذلك. والمهم, بالنسبة للتنظيم اليوم, هو أنه لا يشعر بتراجع على أي مستوى, ويرى, من خلال ما بات يمتلكه من قدرات, أن القادم لن يكون سوأ مما مضى, أو “لم تبق سوى ترتيبات طفيفة ليستوي مشروعه على سوقه” حد تعبير قادته.

 

 

غير أن أمريكا قائدة الحرب على الإرهاب, والتي اكتشفت مؤخراً ظان عقدا من هذه الحرب بالشركة مع نظام صالح مر دون أن تحقق خلاله شيئا, تراهن الآن على الحكومة الجديدة, التي يبدو أنها قطعت لأمريكا وعودا بتحقيق ما لم يستطعه الأوائل في نظام الرئيس صالح. أما الحكومة الجديدة, حكومة المعارضة, فتراهن على فكرة أن التنظيم سيضعف أو سينتهي تلقائياً بمجرد رحيل صالح, ذلك لأنه من صنعه أو مرتبطا به. وقد تكون هناك خطة متفق عليها لإدارة الحرب ضد التنظيم بشكل آخر. وهذا الأمر جعل الولايات المتحدة الأمريكية تضاعف من ضغوطها على صالح بسرعة نقل السلطة, بعد أن اتضح لها أن سعيها لإطالة أمد الأزمة في اليمن, لغرض خوض حرب مباشرة مع تنظيم اليمن عبر طائراتها من دون طيار, وأحيانا الحربية, دون أن يعترض عليها المنشغلون بأمور السلطة , لن ينجح في الحد من خطر التنظيم.


وتبدو المراهنة الأمريكية على الحكومة الجديدة مراهنة على الغيب, وعلى افتراض صيرورة الأمور إلى ما هو مرسوم, وهي مراهنة لا تقل سطحية عن مراهنة حكومة المعارضة على ضعف التنظيم التلقائي بعد رحيل صالح أوو على الجديو في العمل العسكري.


كما يبدو أن عملية سيطرة أنصار الشريعة على مدينة رداع عززت من هذه الفكرة, خصوصاً بعد تصريحات خالد الذهب التي ادعى فيها أن أخاه سيطر على المدينة بالتنسيق مع جهاز الأمن القومي المدعوم أصلاً من الولايات المتحدة الأمريكية. لكن المعارضة اليمنية, وخصوصاً حزب التجمع اليمني للإصلاح, كانت قد سبقت تصريحات خالد الذذهب بكمية هائلة من الأخبار والتقارير, في كمية هائلة من وسائل الإعلام التابعة لها والمتأثرة بخطابها, تحدثت عن علاقة نظام صالح بسيطرة أنصار الشريعة على مدينة رداع, إن لم تكن المعارضة هي التي حرضت الشيخ خالد الذهب على ذلك, بحسب اتهام أخيه الشيخ طارق الذهب لها. وتصريح الذهب يشبه إلى حد بعيد, بعض تصريحات اللواء على محسن الأحمر في هذا الجانب. ومع أن المعارضة كانت تنشر هذا النوع من الأخبار والتقارير في وسائل إعلامها, إلا أن الوساطات التي كانت تحركها عبر واجهات قبلية كانت تتعامل مع قضية السيطرة على مدينة رداع بشكل مختلف تماماً,

 

تهيئة الرأي العام


هناك دفع أمريكي باتجاه تعويض الخسائر العسكرية والإستخباراتية في اليمن بمكاسب إعلامية من شأنها أن تسهم في خلق نجاح عسكري مستقبلا عبر حرب يشنها الاخوان المسلمون وحلفاء امريكا الجدد على تنظيم القاعدة في اليمن . اما الاخوان الملسمون فلأنهم اصحاب قدرات كبيرة في هذا الجانب وبمقدورهم أن يقودوا حملة اعلامية كبيرة قد تبدو في ظاهرها ضد صالح ونظامه لكنها في الحقيقة تستهدف تنظيم القاعدة , عقبة امريكا الأبرز في الحفاظ على تدخلها في شئون اليمن الداخلية , وعقبة الاخوان المسلمين في الوصول إلى الحكم أو البقاء فيه إنهم وصلوا.

 

والغرض من هذه الحرب الاعلامية امران, أولها أنها تعوض الاخفاق العسكري للولايات المتحدة الأمريكية ضد القاعدة في اليمن طول ما يقرب من عشر سنين, كما اسلفنا, ومن شأن هذه الحرب أن تحد من توسيع القاعدة الذي بدأ ينتشر كالنار, ليس في الهشيم, وأنما في البترول, بعد أن انفرط العقد الأمني وصار بمقدور التنظيم أن يحتك بالناس ويتحدث إليهم دون حواجز, وهو ما حرصت الولايات المتحدة الأمريكية كثيرا على منع حدوثه في السابق, لإدراكها إن قدرة تنظيم القاعدة على التأثير والإقناع غير عادية.
والأمر الثاني تهيئة الرأي العام, إما لحرب شرسة ستشنها حكومة المعارضة ضد التنظيم القاعدة بدعم سعودي وامريكي كبير, لاعتقدها أن الجدية في الحرب هي ما كان ينقص نظام صالح ليتمكن من القضاء على التنظيم وإما للسماح بتدخل اجنبي يتجاوز التدخل الذي كان يحدث في عهد صالح, لأن القوة التي بات يمتلكها تنظيم اليمن تتجاوز أمر التعامل معها بقليل من طائرات امريكا التجسسية من دون طيار أو صواريخها التي تطلقها من سفنها في بحار قريبة من السواحل اليمنية.
ويراد أن لا ينظر الشعب لهذه الحرب أو لهذا التفريط في السيادة والوطنية كما كانت نظرتة لها في عهد صالح.
أي أن هناك تهيئة كبيرة لعمل امريكي إخواني مشترك في مرحلة ما بعد الثورة.
يبدو أن القاعدة بسيطرتها على مناطق واسعة, وبقدرتها على التأقلم مع سكنها, وإقناعهم بمشروعها قد نجحت, إذ وفي الأيام الماضية وخرج أهالٍ مديرية خنفر القريبة من مدينة زنجبار لأستقبال نازحي المدينة العائدين, ورفع المتظاهرون في المسيرة العارمة شعارات تؤيد انصار الشريعة, ولهذا السبب تحديدا, وليس لأسباب آخرى, تجاهلت وسائل إعلام المعارضة هذه المسيرة تماما, رغم أنها كانت حينها تتحدث كثيرا عن مسيرة نازحي زنجبار وعن حق العودة.

 


الأمن السياسي الثوري
في إطار الحرب الاعلامية ضد تنظيم القاعدة , أو أنصار الشريعة, اضطرت المعارضة إلى ربط كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالتنظيم, بنظام الرئيس صالح, كممول أو كمدير , ومؤخراً تم الترويج لفكرة تصفية مسئولي جهاز الأمن القومي لمسئولي جهاز الأمن السياسي , والغريب أن كلاماً كهذا ورد على لسان من يُفترض أنه كان اقرب المقربين لصالح , اللواء علي محسن الأحمر, والذي وجد نفسة يدور في فلك الإخوان أمريكا بشعور أو دون شعور, وربما أن الشعور بالخوف من الماضي هو الذي دفعه إلى الدوران في هذا الفلك, والاغرب أن شباب الثورة وجهوا تحذيراتهم للنظام إن هو أستمر في سياسية التصفيات تلك. وعلى ذلك اللواء محسن أذكر أنه يوما قال إنه رأى أحد قيادي تنظيم القاعدة بجانب الرئيس صالح في أحد خطاباته بميدان السبعين ,دون أن يعطي تفاصيل أكثر عن هذا الشخص. وهذا الأمر هو الأكثر غرابة .

 

 

الان اصبح الأمن السياسي, الذي يحتجز حرية الصحافي شائع منذ أكثر من سنة ونصف بإوامر أمريكية ورغبة إخوانية, جهازا شريفاً نظيفاً ثورياً .. ومظلوماً أيضاً . وعلى شباب الثورة الذين يتضامنون مع شائع ضد جهاز الأمن السياسي , أن يتضامنوامع جهاز الأمن السياسي ضد جهاز الأمن القومي , ولو أراد الإخوان أظن يتضامن شباب الثورة معع جهة ضد جهة أخرى من شأن التضامن ضدها أن يحقق لأمريكا مكاسب في حربها على القاعدة, لفعلوا, وكانت وسائل إعلام المعارضة تتساءل بغباء أو بذكاء منقطع النظير : لماذا تستهدف القاعدة مسئولي جهاز الأمن السياسي ولا تستهدف مسئولي جهاز الأمن القومي ,وبقيت تعيد هذا التساؤل مع كل عملية اغتيال تطال أحد ضباط جهاز الأمن السياسي , لتؤكد ما تريد تأكيدة. وكما تقدم فقد دار اللواء محسن فلكها وفي فلك أمريكا وقال إن لديه معلومات تؤكد الأمر ذاته, وفي فلك الجميع دار شباب الثورة ,بحسن نية , وحذروا نظام صالح من التمادي في اغتيالات مسئولي الأمن السياسي موقفاً مؤيداً للثورة مع أنه جهاز للإخوان فيه يد ولأمريكا فيه يد ورجل .

 

 

لقد نجح الإخوان هنا في تقديم هذا الجهاز بهذا الشكل . لكن وحتى يعلق على الأمر أهله, أحببت, خلال زيارتي الأخيرة لمحافظات البيضاء وشبوة وأبين أن أضع السؤال ذاته على قيادات في تنظيم القاعدة : لماذا تستهدفون مسئولي جهاز الأمن السياسي ولا تستهدفون مسئولي جهاز الأمن القومي, إن كنتم فعلا على علاقة بتلك الاستهدافات؟!.

 

 

قالوا لي إن مشكلة جهاز الأمن القومي هي أنه يمارس عمله الاستخباراتي بنفس أسلوب تنظيم القاعدة , أي يعمل في الخفاء, وليس له أماكن تواجد محددة, ويخفي عن الناس عمله, ويعمل تحت مسميات أخرى . وفي هذه الحالة يصعب جداً استهداف مسئوليه , على النقيض تماماً من جهاز الأمن السياسي الذي له مكاتب معروفه ومسئؤلين معروفين . وأضافوا: نحن نتحدى الذين يروجون لهذا الكلام أن يحددوا لنا مجموعة من مسئولي جهاز الأمن القومي وأين يعملون, رغم أن التحديد قد يكون أسهل بكثير من الأستهداف .

 

وإذا كان نظام علي صالح يفعل ذلك, أو القاعدة التي تتبعه, كما يقولون, ألا يمكن أن تكون هناك قاعدة حقيقية يمكن أن تقوم باستهداف مسئولي جهاز الأمن القومي؟. وواصلوا: ثم أن بياناتنا التي ننسب من خلالها العمليات لنا , صادرة عن مركز الفجر, كما أن القيادة العامة على اطلاع بكل ما يجري , فهل يعقل أن يوظف نظام صالح قاعدة اليمن وقاعدة افغانستان وباكستان بكل وسائلها الإعلامية, ليتمكن من قتل مسئول في جهاز الأمن السياسي .

 


مثل هذا الكلام لا يمكن أن يمرر على من كل له عقل . ويقول الشيخ حارث النظاري, وهو من قيادات التنظيم في اليمن , إن الإخوان المسلمين الذين يقفون أكثر من غيرهم وراء مثل هذه الشائعات , إما أن يكونوا على علم بالحقيقة ويريدون التشويه, وإما أن يكونوا يجهلونها لكنهم توصلوا إلى ما توصلوا إليه من خلال وضع التنظيم في ذات القالب الإخواني, وهو قالب قائم على ممارسة هذا النوع المؤامرات. وربما يفسر كل هذا معنى أن تكون المعارضة على علم بأن أمريكا تدرك أن القاعدة في اليمن حقيقة ولا علاقة لها بنظام صالح , لكنها تصر على أن تقدم نفسها كمن لا يعرف عن هذا الملف شيئاً, من خلال الترويج لتلك الشائعات, خصوصاً وأنها لا تنفك تعمل على إقناع أمريكا بأنها ستكون البديل الذي يمكنها الاعتماد عليه في الحرب على الإرهاب . بمعنى أن المعارضة ليست غبية إلى الحد الذي يجعلها تعمل ضد مستقبلها السياسي .

 


“أبعاد” بعيد جداً
يتحدث كجهة مسئولة, لا كمراقب مهمته عرض الحدث كما هو وتحليله بصورة محايدة, لهذا بدا تقرير مركز إبعاد للدراسات والبحوث كما لو انه مدفوع من قبل الجهات نفسها التي تدير الحرب الإعلامية ضد أنصار الشريعة مؤخراً, من خلال جملة من المعلومات والتحليلات الخاطئة التي وردت فيه, والتي تتفق تماماً مع تقوله وسائل إعلام المعارضة. فعلى سبيل المثال يقول التقرير إن التنظيم يعاني من غياب الهيكلية التنظيمية, وضبابية الأهداف وانعدام الرؤية الإستراتيجية. وبحسب التقرير فإن ذلك جعله تنظيما مخترقاً من تيارات محلية وإقليمية جعلته يتحرك في مكان وزمان لا يخدمان سوى تلك الجهات. ويستدل لذلك بما حدث مؤخراً في مدينة رداع. وإذا جاز لنا أن ننفي النتائج بناء على إثبات خطاً المقدمات, بل إن هذا ما ينبغي فعله, فإن ما توصل إليه التقرير خاطئ جملة وتفصيلا. باختصار, لأن التنظيم لا يعاني من غياب في الهيكلية التنظيمية, فله هيكله التنظيمي المعروف والذي يصعب اختراقة, وله مراجعه في كل خطوة يخطوها, ألى درجة أنني لا أتمكن من تسجيل حوار مع أي قيادي عادي أو عضو في التنظيم بل حتى لا أستطيع أن اخذ صورة دون العودة إلى الجهة الإعلامية التي تعود بدورها إلى جهات أخرى لطلب الإذن.. وهكذا. فكيف الأمر بسيطرة على محافظة أو بتنفيذ عملية ضد مسئول أمني؟. كما أنه لا يعاني من ضبابية في الأهداف, ولا يقول هذا إلا من يجهل التنظيم وأدبياته. وإذا كان التنظيم مخترق بهذا الشكل, من جهات محلية وإقليمية وخارجية, فسيكون من السهل على الولايات المتحدة الأمريكية القضاء على رموزه واحدا بعد آخر.

 


التقرير يتحدث عن عدم قدرة تنظيم القاعدة على السيطرة ما لم يحظ بدعم لوجستي مباشر أو غير مباشر من أطراف ذات علاقة بعملية الانتقال السلمي للسلطة. أي بجهات ذات علاقة بالنظام. وهنا يخطئ التقريرر أو كاتبوه في تقرير قوة التنظيم, وكغيرهم يحاولون إرجاع السيطرة إلى عوامل خارج القوة العسكرية للتنظيم وغيرها.

 


ليس مهما الحديث عن تواجد أمير التنظيم ناصر الوحيشي في محافظة البيضاء, لأنها محافظتة, كونه ينتمي إلى مكيراس التي صارت تتبع محافظة البيضاء به, مع إن وجود الوحيشي في محافظة البيضاء ببعيد جدا, ويشبه بشكل كبير مانشر عن مقتله في جبهة دوفس بأبين قبل شهر. أما إبراهيم الربيش, وهو سجين سابق في كوبا, واسمه في قائمة المطلوبين للسعودية, فقد التقيت به في مدينة رداع نفسها, وكان من ضمن المقاتلين الذين قدموا إلى المدينة, ولم يكن في مديرية الزاهر كما أشار التقرير, وعلى ذكر إبراهيم الربيش, وبمناسبة معاناة التنظيم من غياب الهيكلية التنظيمية, أود الإشارة إلى أني لم أتمكن من إجراء حوار معه, لأن ذلك يتطلب إذن من جهات إعلامية في التنظيم, وتلك الجهات لم تكن موجودة في رداع.

 


وفي جانب تقسيمه لمهام المقاتلين في رداع, يتحدث التقرير أيضاً عن “كتيبة الأنصار”. وهي الكتيبة التي قال التقرير إن مهمتها حماية المنافذ والساحة حول المسجد.. ربما لا يعرف مؤلفو التقرير أن مقاتلي القاعدة الوافدين من مناطق أخرى يسمون “المهاجرين” ومقاتليه من أبناء المنطقة التي يتواجدون فيها يسمون “الأنصار” فأبناء رداع في أبين مهاجرين, وفي رداع أنصار.. وهكذا.
انفتاح على وسائل الإعلام

 


ربما أدراك التنظيم أن الحرب التي تخاض ضده هذه الأيام هي حرب إعلامية بامتياز. ولهذا السبب بدأ بالانتفاح على وسائل الإعلام بشكل أكبر من ذي قبل, رغم اعتقاده أن معظمها موجه. وقبل أيام استضاف أمير مدينة زنجبار مجموعة من الصحافيين وعقد مؤتمرا صحافيا ناقش فيه أمور المدينة. وهو تطور لافت يعكس حجم شعور التنظيم بأهمية التعامل مع الإعلام ووسائله المختلفة. كما سبق للتنظيم وأن أصدر نشرته الأسبوعية “مدد” لكنه يعاني من صعوبة في نشرها خارج مناطقه بشكل علني, رغم أنها تقدم معلومات مهمة لوسائل الإعلام التي تعاني من نقص شديد في المعلومات المتعلقة بالأحداث الجارية في محافظتي أبين وشبوة.

 

المصدر : صحيفة الوسط العدد368 – الاربعاء 1 فبراير 2012

زر الذهاب إلى الأعلى