أرشيف

استمرار انشقاق الجيش يهدد مسار التسوية في اليمن

يضر استمرار انقسام الجيش في اليمن بالوضع العام في بلد لا يزال يعاني من آثار أزمة الاحتجاجات المستمرة منذ أكثر من عام، فلا يزال الجيش منقسماً بين مؤيد للرئيس السابق علي عبدالله صالح ومؤيد لخصومه، فصالح لا يزال عبر أبنائه وأبناء أشقائه وإخوته غير الأشقاء وأنصاره الخُلّص، يتحكم بنحو نصف الجيش بما يمتلكه من عتاد وتجهيزات وقيادات قادرة على إعادة خلط الأوراق من جديد .

تشكل قوات الحرس الجمهوري، التي يقودها النجل الأكبر للرئيس صالح، قوة ضاربة لا يستهان بها، وألوية الحرس تنتشر في أكثر من منطقة في البلاد، وقياداته لا تزال موالية للرئيس الذي أجبرته الاحتجاجات على تسليم السلطة وتناصفه للحكومة مع أعدائه، لكنها لم تجبره على ترك الملعب لصالحهم بشكل كامل .

يجاهد صالح للإبقاء على حضور سياسي وعسكري واجتماعي وقبلي، فالرجل الذي حكم البلاد لأكثر من 3 عقود، لا يزال قادراً على إزعاج الحكام الجدد، حتى لو كان الرئيس الحالي، وهو عبدربه منصور هادي، امتداداً له، فصالح يحضر باستمرار بلقب جديد، حيث تفتقت قريحة أنصاره ليطلقوا عليه لقب “الزعيم”، وخصصوا له ثلاث قنوات تلفزيونية يحضر فيها بشكل شبه يومي، كرئيس لحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي كان الحاكم المطلق قبل أن تخضعه المبادرة الخليجية لشراكة مع خصومه الحاليين، وهم حلفاؤه السابقون، بخاصة حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي التوجه .

في المقابل لا يزال قسم كبير من الجيش متمرداً على صالح، الذي ظل لسنوات يتباهى أن المؤسسة العسكرية صمام أمان واستقرار للبلد، وأنها لن تنقسم مهما كانت الظروف وأن ولاءها للقيادة السياسية، هو الأهم، لكن بعد الاحتجاجات انقسم الجيش في طول البلاد وعرضها، والحلفاء الذين كان يستند إليهم صالح في استمرار قبضته على الحكم تفرقوا من حوله، وتحولوا إلى خصوم ألداء، ومن أبرزهم ما ظل الإعلام القريب من صالح يطلق عليه الأخ غير الشقيق له، وهو قائد الفرقة الأولى مدرع، والممسك بزمام أكثر من نصف البلد عسكرياً وسياسياً، اللواء علي محسن الأحمر .

كان انقسام الجيش كارثياً على الرئيس السابق، الذي كان يراهن على ولائه له، أكثر من ولاء الناس والقبائل، بل وكارثي على البلد بأكمله . كان صالح يعتقد أن كل فرد في المؤسسة العسكرية يدين بالولاء له أكثر من ولائه للوطن . وحين اندلعت الاحتجاجات الشعبية في شهر فبراير/ شباط من العام الماضي، لم يستوعب صالح ما حصل من انسلاخ عدد كبير من قادة الألوية في الشمال والغرب وانضمامهم إلى الثورة، وظل يتعامل على قاعدة أن الجيش هو جيش الرئيس وليس جيش الوطن .

بعد انشقاق الأحمر، وهو القائد العسكري الذي كان يعمل له ألف حساب، لم يقدم صالح على إقالته، على الأقل إجرائياً، فقد ظل الأحمر يدير المعارك ضد “أخيه غير الشقيق”، وتحول من قائد مغوار وشخصية وطنية هامة، بحسب الإعلام المؤتمري إلى مجرد “خائن وفاسد وقاطع طريق وناهب أراض” وغيرها من التهم التي لا تزال ماكينة إعلام المؤتمر وحلفائه تطلقها عليه حتى اليوم .

أما علي محسن الأحمر، فقد أثبت أنه رقم صعب في المعادلة العسكرية والسياسية في البلاد، وحينما أعلن انشقاقه عن الرئيس صالح فإنه كان ينحاز إلى الثورة الشعبية، وبقطع النظر عن الهدف الحقيقي وراء ذلك، إلا أنه تحول إلى لاعب أساسي في المعركة القائمة بين صالح وخصومه .

من الصعب على صالح بلع انشقاق وتمرد “صانع الرؤساء”، كما يطلق على اللواء الأحمر، فقد كان هذا الأمر في آخر حساباته، وعندما أعلن الأحمر تمرده على صالح، اضطر الأخير إلى تجنب مواجهته عسكرياً في بادئ الأمر، إلا أنه دخل معه في مواجهات شاملة، بخاصة بعد محاولة اغتياله في جامع دار الرئاسة في الثالث من شهر يونيو/ حزيران من العام الماضي .

 

 

المصدر : الخليج

زر الذهاب إلى الأعلى