أرشيف

الشائف.. الصوفي الذي كتب تمائم الشجن على خدود المايسات..!!

لكل  رحلة منطلق يحدد شكلها وطبيعة اتجاهها، ومنطلق رحلتنا هذه المرة يبدأ من عند (هامو الّا كيف ما شبكيش).. في الواقع  ولأن المستهل غريب بعض الشيء قد يتساءل البعض قائلاً ما هذا الكلام وقد يستبعد البعض الآخر على سبيل المثال أن تكون هذه العبارة البسيطة والمعبرة بلسان حجريو تعز  عنواناً لديوان شاعرنا الأول ولكن هذه هي الحقيقة.

فبنقاء السودي وروحانية البرعي وأنوار سر  معاني إبن علوان نقشت روح البيان على سطور المستهل بلاغة المبنى فكانت صوفية المعنى أدنى منزلة من وحي إلهام شاعر نفخ في أفئدة القوافي فسرت في كل حرف روح الدلالة ونفحت جلالة الشجن بقدسية الطهر والصفاء وأفشى قدر الإبداع سر إنسانيته بصورة شيخ الأحاسيس الأستاذ عبد الحميد الشائف الذي لم تأخذه اهتماماته في جوانب التصوف وعلم النفس عن عالم الشعر والمشاعر المتوهجة..

في البدء ولكون شاعرنا غارق في التصوف إلى شحمتي أذنيه كما أشرنا نرى أنه لابد من الوقوف عند هذا الجانب  قليلاً.. وليكن المفتتح هذا الرجاء والإبتهال:

ربي إني إليك جئت .. بخطايا وذنوب

مالي ربي غير عفوك .. فارض عني لأتوب

بين إصبعك القلوب.. وانت أدرى بالقلوب

قلِّب اللهم قلبي .. قبل أن قلبي يذوب

تاليها ومن قلب شارف على الذوبان نبدأ الغوص في وجدان شاعرنا الشائف الذي فاض به الوجد وبرحت به الأشجان فاستوقفت روحانيته الليل على عجل لتشدو محركة سكونه بصبابات نداء أيوب الحنون والموجه لكل الأحبة والخلان ..

فاض بي وجدي وأضناني الشجن

أيها الأحباب غَنُّوا هذه الدنيا لمن

هذه الدنيا أغاني وأماني وتهاني

فانشدوا أحلى المعاني ليلنا أنس وفن

لست وحدي من يعاني .. كم كذا مثلي معاني

تاهوا في  دنيا الأماني .. حرَّق الدمع الوجن

ثانية وبمهجة العاشق يعاود الشائف الكرة ليستبيح سكون الليل بقرع أوتار القلب وعزف موسيقى الروح لترتوي دنيا الحب والأحلام شدواً وحنيناً وألحاناً..

سأغني وليذوب العاشقون ..

وأصحِّي الليل في عز السكون

نغمات العود آيات الفنون ..

فيها يحيا الروح ويرتاح البدن

كم سعينا في الدروب .. نحتضن زرع القلوب

كلنا فيه نذوب .. ما من الحب هروب

ليس للحب زمن

وبحضن أنغام الشائف ينام الليل في دعة حتى تعلن خيوط الفجر صافرة انطلاق مهرجان حياة جديد وهناك تحديداً قبل أن يفتر ثغر الصباح الحالم عن لآلى مبسمه وينفض قطرات الطل عن جفنيه نجد الشائف ضيفاً في عروش الندى ينسج من خيوط الشمس سجادة لفجر الهوى ويوزع (تصبيحاته) قبلاً ووروداً ونسمات تشارك البلابل عرس البكور وتلثم خدود الصبايا الواردات آبار الماء في سوائل الوديان وتسترق السمع لتجتلي من خلف نقاب الهمس والوشوشات بعضاً من أخبار الليل وأسراره.. وأول تحية تأتي من نصيب شاغل القلب الفتان ..

صباح الخير .. صباحك خير دايم

صباح الخير .. صباحك ورد باسم

صباح الخير.. خذ قلبي المسالم

صباح الطل في خدك لآلي..

صباح الخال فوق الخد حالي

صِبا كالفجر نبَّهني دعالي

صباح الحور والجرَّة والانهار..

صباح النور والبهجة والاخبار

كلام الليل عند البير دوَّار

وعلى غرار تعميم هذه الباقات الموزعة يحرص الشائف على ألاَّ يحرم الصبايا في حارات المدينة الحالمة تعز من نصيبهن في (التصبيحات) وذلك شأن من يرعى العهد ويصون الوداد مخصصاً في المقدمة أهيف حوض الأشراف طبعاً..

صباحك يا صبايا حوض الاشراف..

صباح اهيف نهب قلبي تحلّاف

خفيف الظل روحاني وشفَّاف

صباح المشرفات على العوينات..

صباح المرسلات بالأجينات

صبايا قاصرات الطرف عينات

صباح الخير واجنة فؤادي..

صباح الخير يا كل الودادِ

وشاور طرفها قبل الأيادي

وللحب يهب الشائف عود  هواجسه ليعزف له الحب بأنامل الحنان ما يروي ظمأ وجدانه ويعيد الخضرة إلى عوده الذي ذوى وتساقطت أوراقه في جدب خريف الهجر والحرمان .. والخطاب هنا يأتي في سياق التعبير بلسان حال الأرض للإنسان ..

هيت لك ياحب عودي.. فاستضي يخضر عودي

همَّ بي واهتم وجودِ.. يا اللي أغلى من وجودي

لا يطيق الهجر حالي.. لا تخلِّيني لحالي

رد لي تلك الليالي.. ما أحيلاها ليالي

في الكَفَل ياما تهايم.. تحت نهدي لك غنايم

فاملا من جوفي زمازم.. كل أيامي مواسم

ومرة أخرى يعودبكل الشوق ليفتح ذراعيه في نشوة أفراح عرس الإلتقاء طالباً من الحب أن يضمه في حضن الأحلام ويلملم أشتات روحه المتناثرة لحظة تجسد في أعماقه الشعور بكينونة الوطن.. إنها حالة توحد وامتزاج بين روح البشر وجسد التراب.. أشجان الماضي وآمال الحاضر..

ضمَّني ياحب لملمني وواسيني وعاتب

نير لي دربي وضوِّي لي الجوانب

لم يعد قرصان في الساحل

ولا في الباب حاجب

فابتسم يا ثغر حُقَّات.. وارتشف من عين مأرب

واسكب الأفراح كأسات .. وأدِرها للحبايب

ساعة العرس الذي ترجوه نفسي

ورؤى الماضي التي هزّت تباريحي وهجسي

تتداخل تمتزج تعصر وتحسي

هات لي بكره وأعطي اليوم أمسي

ضمني يا حب شوقاً واحتضن بالبهجة أنسي

وللعيد لم الشمل حضور  في تجليات شاعرنا ولفرحته مذاق لا تقاس بتلك التي ترسمها الصبايا في غيره بضحكات المباسم ونقشات الكفوف ..

مرحا هلا ياعيد.. بمقدمك ياعيد

الحنا في الأيدي .. والبسمة في المبسم

والفرحة في المهجة .. تجري مجاري الدم

والحب كل الحب .. حب الوطن أقدم

ياعيدنا يا عيد .. ياعيدنا الأكبر

يا موكبي الغالي .. يامفخرة حِمْيَر

هل أخبرك نشوان عن امرئ القيس

حمُّوا الطبول..  ياعيد دُق النواقيس

ياعيد كيف العيد ما بيننا قيس

ولنا عودة مع الشائف إلى ليل الشجن والدموع.. عودة دربنا إليها الشكوى التي أرسلها عاشق السهر المهجور والمضنى من هجر خله.. وكما توقع للأسف هاهو الخوف يلج إليه من باب الراحة والأمان فلم يجد أمام عواصف أحزانه الشاردة غير ترديد دندنات الشكوى في مسمع الليل..

أبات الليل.. أشكو الويل..

مدامع مقلتي كالسيل

نفذ صبري وفاض الكيل..

وحن قلبي حنين العيل

لمن أشكو سواك وا ليل

وا ليل داني داني.. ذكَّرتني خِلاَّني

خلِّي هجرني باعني نساني..

قلبي تعبني وعاب بي زماني

كم قلت يا خوفي.. يا خوفي من أماني

وتهيج طيوف الذكرى أشجان الفرقة وأشواق التلاقي فيتخيل الشائف وجه الحبيب في صفحة السماء الحافلة بعناق الزواهر من خلف أستار السحاب..

طاب اللقا كلٍ لقى حبيبه..

وانا حبيب قلبي من أين اجيبه

لا صاحبه ردَّه ولا قريبه..

كم قد أشاروا لي بأن أسيبه

يا ذي السحاب أسائلك بالله..

قولي لمحبوبي أي حين ألقاه

طال الغياب والآه تتبع الآه..

ولو نساني يستحيل أنساه

أما الحبيب الهاجر (الطيف) فيستعطفه ويشرح له حالته مخاطباً ضميره مباشرة بالقول..

من حين غبت ما عشت يوم سالي..

ليلي معك أتخايلك قُبَالي

على خدودي الدمع كالآلي..

حتى حمام الدار رثت لحالي

وأمام آلام السهد وعذابات الافتقاد ماذا يملك العاشق غير الصبر والتأسي فهو الحسنة المريرة الباقية.. وتماماً كان هذا هو الحل الذي أختاره الشائف وأطال المقام في لظى احتمال تبعاته التي شرع يصف لنا ما ألحقته به من اليأس والضرر في قصيدة  فتحت أبواب الجحيم في وجه أيوب طارش من قبل بعض أرباب الفتاوى وكان موقف أيوب في المنتصف بين إشادات عبد الحميد الشائف وتعريضات عبد الحميد كشك..

دع الكف كفِّي.. خَلِّي الحس يكفي..

مالي طب يشفي.. ما قد مر يكفي

مُقَدَّر لي ومكتوب..  أعيش العمر متعوب

صابر صبر أيوب

حبيبي اليد باليد.. علاقة ند للنَّد

نخلِّي مزحنا جد.. خطوط اليد والخد

بها غالب ومغلوب.. شوف القلب متعوب

ولخيبة ظنه بقراءة الكف والطالع كما لاحظنا يطرح توجساته من القادم بصيغة علامة استفهام عريضة على جبين المجهول مسلِّماً أمره للحبيب ومتأسياً بحكاية أن (الحلو لا تكتمل حلاوته) ولو كان المحبوب نحلة..

ما قدري لا أدري.. ولا في اليد أمري

بسرِّي وجهري.. لك سلمت عمري

حبيبي أحب محبوب.. شوف القلب متعوب

بعض النوب تعطي.. بعض النوب تحبس

تتعرَّى وتلبس.. وترشف طل نرجس

وفوق الكل يعسوب.. صابر صبر أيوب

كذا في الناس حَسِّسْ.. من يُوفي ويُبخِس

بدري لا تغلِّس.. لا تحزن وعرِّس

لأن العمر محسوب.. وهذا القلب متعوب

وبصوت الشجن الفنان الراحل عبد الخالق قباطي الذي تغنى بالعديد من قصائده يسمعنا الشائف صدى ترحيباته المعطرة إحتفالاً بوصول (فريخ العقب) إلى داره..

يا فريخ العقب مالك على الحيد تلعب..

بس يكفي عذاب بس بس فالموت أقرب

يا فريخ العقب يا معتلي فوق الانكاب..

أنت أنت الطلب يا ألف أهلاً ومرحب

ويدعو الحمام أن تشاركه طقوس الفرحة في حضرة ضيف السرور الواصل..

يا حمام ازجلين اليوم عندي حبيبي..

قد وصل في السحر زائر وحقق نصيبي

يا طيور غرِّدين وباركين لي وهنَّين..

إفرحين وارقصين ميلادنا اليوم الاثنين

من روائعه الشهيرة

الشطر الأول

باسم الله اسم الله العلي

عروسنا بين الحُلي

اتعوذي ألا بسملي

أمّ العروسة وكِّلي

يا ساعة الزهره اقبلي

يا شمسنا هيّا اقبلي

من ضوء نورك حوّلي

دوري وطوفي واحجري

بنيّتي لا تغضبي

كما الحذر أن تلعبي

حّبيه وأهله قربّي

زيدي على حسنك جمال

بالعفّه والغنج الحلال

صباح الخير وإصباحه

صباح صبّح على الأحباب

صباح من جاء معانا طاب

شَرَقْ اليوم بالباكر

معاني بحرها زاخر

لدّري دارهُ عامر

وصيفات العروس سيرين

شباب العمر ولّى دين

ألا غنّين معي قولين

يا صباح الرضا على مشارف بلادي

يا بكور افرحين وزيّنين النوادي

والشباب.. الشباب الأسد أهل الأيادي

يا حسود افْتكِدْ سوّي لقلبك عزيمه

والعطايا قسام ما هيش حبيبي بقيمه

هدّنين له واوبهين لا يميل”

هدّنين له فقُليبي دليل

كم بهن من معنّى قتيل

صونها صون ما انتاش بخيل

هودنه حان وقت القطوف

والغواني قائماتٍ وقوف

يا بني العم.. من يعاود يعود

وعُريفه ما بين عنبر وعود

واسُعَيْدْه سُعْدَ سَعْدَ السعود

الشطر الثاني

مولى الولايه والولي

لا واللّواحض تبتلي

محوطه لا تخجلي

وجّهزيها واسألي

وقارني لا تغفلي

على الكواكب وانقلي

إلى النجيمات انزلي

وعرّسي له واحجلي

وأحذري ميل اللسان

بالسرِّ فإن السِّر مصان

كما يحب بدر الزمان

شلّي حميدات الخصال

لا بالأماني والمحال

صباحٌ أنت مصباحه

وقفل أنت مفتاحه

وطاب الحي وشرّاحه

مخبا أصبح لنا ظاهر

وضوَّى نجمها الزَّاهر

مشوِّق كم شجس صابر؟

مَلِهْ مُو عادله قولين؟

تعيب الهجر بين اثنين

وسبحان من جمع قلبين

الشيوخ والشباب حتى الذي بالمزابي

زغردين وارقصين على أصول الجرابي

بالسيوف البرع والشرح يشتي جنابي

فرحنا عندنا واللّيل كلّه وليمه

والرجال.. الرجال أهل القلوب السليمه

  هدّنين له فالغصونُ تميل

واللّواحض يا حبيبي تطيل

 والملاحه للعروسه دليل

فالأمانه الله عليها وكيل

هودنه هودنوا له يا ضيوف

والزغاريد تختلط بالدفوف

وزبيبه والجواد من يجود

وزبيبه والجنى بالخدود

ونصيبه في عًريش النهود

زر الذهاب إلى الأعلى