أرشيف

قطع الطرقات في عدن ضرب لثقافة الاحتجاج السلمي التي كرسها الحراك وثورة الشباب

عدن / عبدالرحمن احمد عبده

تسود وسط اهالي مدينة عدن حالة من الاستنكار الواسع لما آلت اليه الاوضاع من تدهور وانفلات أمني كبير لم تعهده من قبل، بعد ان باتت ظاهرة انتشار السلاح والاحتجاج بقطع الطرقات والشوارع وبروز العصابات ومجموعات الفوضى جزءاً من المشهد الذي يلف المدينة.

 

 

وقال مواطنون إن الانفلات الامني وارتفاع الحوادث الجنائية جراء انتشار الاسلحة وغياب أجهزة الشرطة المدنية جعلهم يعيشون في قلق دائم على حياتهم وافراد أسرهم، في ظل حديث عن سقوط نظام المخلوع صالح، وحديث مريب حول اعتزام مسلحي انصار الشريعة دخول عدن.

 

 

ويدلل هؤلاء على سوء الاوضاع الامنية ـ التي انعكست على كل مناحي حياتهم ـ بانتشار المجموعات المسلحة الفوضوية وعصابات التقطع والنهب وانتشار السلاح الذي بات يستخدم عند الخلافات الشخصية حتى البسيطة منها، وسقوط ضحايا من المواطنين عند تدخل القوات العسكرية في المدن، كما حدث مؤخرا في مديرية المعلا، عندما استهدفت تلك القوات مسلحين يتمركزون في احد المخازن التجارية قرب الميناء، فكانت النتيجة سقوط شهيدين وجرحى من المواطنين، فيما لم يكن هناك أي حديث عن مقتل او إصابة او اعتقال احد من أولئك المسلحين الذين ما زالوا يتمركزون في مكانهم.

 

 

تشويه ثقافة الاحتجاج السلمي

ويقول بعض المواطنين إن ثقافة الاحتجاج السلمي التي كرسها الحراك الجنوبي السلمي منذ 2007م والثورة الشبابية الشعبية السلمية أُلحق بها التشوه والضرر وأساءت اليها مجموعة ضئيلة ممن يحسبون على الحراك الجنوبي الذين لجأوا الى السلاح، وهو الاتجاه الذي غذاه وما زال نظام المخلوع صالح وبقاياه في السلطة المحلية بالمحافظة، ويأتي اتساع ظاهرة قطع الطرق الآن في عدن ضرباً لهذه الثقافة، وللحد منها لاحقا في أي وضع مقبل.

 

 

ويلاحظ المواطنون ان ظاهرة قطع الطرقات المستمرة في احياء عدن تزايدت في الآونة الأخيرة وباتت اسلوباً يتبعه كل من له مطالب لدى أجهزة الدولة بغض النظر عن سلامة هذه المطالب من عدمها، وزاد من ضرر هذه التقطعات استخدام السلاح من قبل من يقومون بها ومصاحبتها اعمال التخريب للممتلكات العامة في الشوارع وترهيب المواطنين.

 

 

يقول المواطن محمد عبد الرقيب السيد ان هؤلاء الشباب المسلحين معروفون لدى الجميع وقد حصلوا على الاسلحة من عبد الكريم شائف امين عام المحافظة مسئول حزب المؤتمر خلال العام الماضي ولا يستبعد ان تحريكهم الآن بحجج مختلفة لإقلاق الامن والسكينة العامة، يأتي ممن سلحهم ومن بقايا النظام الذين يستشعرون خسارة مصالحهم بعد التغييرات التي تحدث.

 

 

وكان المواطن محمد يعلق على قطع طرق رئيسية في الشيخ عثمان تربط بين جولة القاهرة وجولة السيلة وشوارع متفرعة منها يومي السبت والاحد، قام به شباب مسلحون من نفس المنطقة احتجاجاً على عدم الافراج عن زملاء لهم من سجن المنصورة المركزي، كما يقول احدهم، الذي أشار الى ان اوامر بالإفراج صدرت بحقهم.

 

 

المواطنة نور محمد عوض من جانبها تسأل: اين أفراد الشرطة المدنية؟ لماذا هم غائبون؟ هؤلاء الشباب فوضويون، حتى وان كانت لهم مطالب، هم يروعون المواطنين ويعرقلون حياتهم اليومية ولا يستخدمون اسلحتهم إلا في وجه المواطنين وعابري الطريق .. وقد رأيتهم بعيني وهم يفرون من تقاطع الطرق عند سماعهم الاعيرة النارية الصادرة من قوات الجيش التي حاولت فتح الطرقات!

 

 

تسرب في جهاز الشرطة

 

حول ظاهرة قطع الطرقات بالحجارة وأعمدة النور التي اقتلعها المسلحون في الطريق الممتدة من تقاطع السيلة مرورا بتقاطع القاهرة حتى جولة مصنع الغزل والنسيج والتهديد باستخدام السلاح ضد مركبات للمواطنين تحاول العبور، علق محافظ محافظة عدن في تصريح صحفي بالقول: إن الصعوبات التي تشهدها عدن نتيجة لافتقارها إلى القوة الأمنية الكافية،مشيرا إلى أن القوة الأمنية المحسوبة على عدن تقدر بخمسة آلاف وان هذا الرقم غير موجود عند قيام قيادة المحافظة بتفقد تلك القوة التي أصبحت تفتقر لها مراكز الشرطة، مشيرا الى انه بموجب الخطة الأمنية للمحافظة فانه سيتم توظيف قوة جديدة لصالح امن المحافظة وان ذلك يتطلب وقتاً, وأن القوات المسلحة تقوم حاليا بسد الثغرات في القصور الأمني الذي تشهده المحافظة.

 

 

التسرب الذي تحدث عنه المحافظ ليس إلا جانباً من الصورة الأمنية المنفلتة في عدن، حقيقة الأمر ان أقسام الشرطة مشلولة كلياً منذ العام الماضي وتغيب عن الشارع ولا يوجد تفسير لهذه الحال إلا بأن هناك قراراً مسبقاً بترك الحالة الأمنية تنفلت، وراءه متضررون من سقوط النظام وآخرون مستفيدون من هذا الانفلات بغية النهب والسطو والاستيلاء على الاراضي.

 

 

وبالرغم من الاحاديث المتكررة لمحافظ عدن ومدير الامن صادق حيد عن الخطة الأمنية في عدن، إلا انها لم تدخل الطمأنينة وسط الناس في ظل تصاعد الانفلات الامني مقابل نجاحات طفيفة تعلنها ادارة أمن المحافظة بين الحين والآخر.

 

 

يرى بعض المتابعين للحال الامنية تولي ادارة الامن وأقسام الشرطة عناصر من ابناء عدن كونها ستكون في حال تنفيذها خطوة جيدة بامكانها ان تساهم في معالجة الوضع الامني المتدهور في المحافظة، إلا ان الامر لا يحتمل المزيد من الانتظار، خاصة بعد دعوة المجلس المحلي للمحافظة “جميع ضباط وأفراد الأمن المنقطعين عن العمل خلال الأحداث الأخيرة 2011م إلى العودة لمباشرة أعمالهم في مراكز الشرطة وإدارة الأمن لتحمل مسئولياتهم وواجبهم الوطني تجاه المواطنين”، وهي الدعوة التي لا يبدو ان هناك أي تجاوب معها، باعتبار ان هؤلاء المنقطعين كان لزاما عليهم التواجد في مقار اعمالهم بصورة طبيعية ولا يحتاجون الى دعوات معلنة كهذه، فيما سبقتها دعوات غير معلنة لم يستجيبوا لها، بينما هم مطمئنون لاستلام رواتبهم شهريا وفي منأى عن المحاسبة. 

 

 

ضبابية الخطة الامنية

 

ويتضح من كل ذلك ان الضبابية تلف الحديث عن الخطة الامنية وكذلك أداء ادارة الامن العام واجهزتها وعلاقاتها ببقية الاجهزة الامنية والعسكرية الاخرى في المحافظة، وهناك التباس وغموض بالحملات الامنية التي اعلن عنها الاسبوع الماضي في بعض مديريات المحافظة، قامت بها ما تسمى وحدة او قوة الطوارئ والانتشار التي حاولت اقتحام وكر لمسلحين في المعلا قطعوا الطرقات ونهبوا باصات حكومية واحرقوها لاحقا، وحملات اعتقالات محدودة لناشطين قامت بها مجموعة أمنية يرجح انتسابها إلى قوة الطوارئ والانتشار.

 

 

ما تسمى قوة الطوارئ والانتشار تلك تحدث عنها بلاغ للمركز الاعلامي الامني التابع لوزارة الداخلية، بعد اقتحام المعلا مطلع الاسبوع الماضي، والملفت تردد انباء تشكك بتبعية هذه الوحدة لإدارة أمن عدن، وهو الامر الذي يزيد في ضبابية الاداء الامني في المحافظة والأهداف من بعض الحملات الامنية.

 

 

تجاه قطع الطرق باستخدام السلاح كوسيلة احتجاج ـ التي باتت مقلقة ومؤذية وتقود الى سقوط ضحايا ـ تغيب المكونات السياسية والمدنية الفاعلة في المحافظة والتي لا يبدو ان لها دوراً على الارض للمساهمة في الحد من هذه الظاهرة أو معالجة أسبابها، فهي مكتفية بالتعبير عن نفسها في محيطها المكاني ووسط نشطائها ومناصريها، وتظهر وكأنها بعيدة عن الهم الامني للناس، هذا ان لم تكن بعض تلك المكونات والقوى مستفيدة من الحال الامني المتدهور، في اطار التنازع بين مراكز قوى ونفوذ تلعب لعبتها في عدن والوطن عموماً.

زر الذهاب إلى الأعلى