أرشيف

السعودية تنتقم.. الوجه الحقيقي لنظام تدمير الحضارات

ستمر أجيال كثيرة قبل أن يستوعب اليمنيون حقيقة ما تفعله بهم الشقيقة الكبرى لبلادهم.. ستظل الأسئلة عائمة في غيوم داكنة تلف الأفق إلى أمدٍ غير معلوم.. غير أن وخز الألم وقسوة الشعور بالظلم قد تدفعان أعداداً متصاعدة من الناس لمعرفة الحقيقة بأسرع من كل التوقعات اليائسة، أو المتشائمة بتعبير أدق.

محمد سلطان

 

انظروا ماذا يفعل الاخطبوط

صورة العلاقة المشوهة ما تزال غير مكتملة الملامح، لكن ليس من الصعب أبداً إدراك ما تحمله من بشاعة وسواد، إذ لا تنتهي حكاية من الألم حتى تبدأ أخرى أشد ألماً وأنكى..

 

وقبل أن نستعرض بعض ملامح صورة هذه العلاقة يتوجب تقديم بطاقة تعريفية بطرفي المتراجحة التاريخية، تساعد في فهم ما يحدث..

الطرف الأول:

دولة في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية تسمى اليمن، وأطلق عليها بلاد العربية السعيدة.. يمتد عمرها التاريخي إلى ما قبل آلاف السنين، تستمد تسميتها من موقعها الجغرافي وخصوبة أرضها واعتدال مناخها وناسها الطيبين.

الطرف الثاني:

دولة تمتد لتشمل وسط وشرق وشمال شبه الجزيرة العربية عمرها بضع وثمانون سنة تدعى السعودية وتعود تسميتها إلى لقب الأسرة التي تحكمها منذ ثمانية عقود، وطوال عمرها التاريخي لم يحكمها حتى الآن سوى أب وعدد من أبنائه المباشرين.. وهي الدولة الوحيدة في العالم التي ولد حكامها قبل ميلادها، وبالتالي فإن سن كل واحد منهم أكبر من عمرها- باستثناء إسرائيل التي لا نعترف نحن العرب بها كدولة.

 

السعودية باعتبارها حديثة العهد والنشأة وفقاً لامتدادها التاريخي القصير، تستند على رؤية خاصة بها في علاقتها مع الآخرين وخصوصاً مع جيرانها، حيث ترى أن مصدر قوتها يكمن فقط في ضعف الدول المحيطة بها، وتريد أن يظل جيرانها مجرد دويلات صغيرة تلجأ إليها لحمايتها.

 

وفقاً لهذا المعيار وجد النظام السعودي أن حجم اليمن أرضاً وسكاناً وحضارة، يمثل خطراً كبيراً على هذه الرغبة، لذا يتوجب عليها بث الصراعات الداخلية المناطقية والمذهبية والقبلية والحزبية، لتفكيك الدولة اليمنية الواحدة، وتحويلها إلى دويلات، وكيانات صغيرة ومتناحرة، وليس مجرد شمال وجنوب فحسب- كما يتوقع البعض..

 

تسعى السعودية- وفقاً لمراقبين دوليين- إلى فرض الوصاية الكاملة على البلاد والعباد، لتظل كافة المكونات تابعة لها وتسبح بحمدها.. ومن أجل ذلك تقوم بدفع الأموال لمشائخ ونافذين وتشكيلات سرية لزرع القلاقل والفتن والصراعات، ولو كانت هذه الأموال قد خصصت لمشاريع تنموية واقتصادية لأحدثت نهضة تنموية وازدهاراً اقتصادياً واسعاً.. غير أن الفارق الواسع بين الغايتين، هو الذي حدد مصير الوسيلة.

 

معاداة النظام الجمهوري

 

يعتبر النظام السعودي أكثر الأنظمة في العالم وأشدها عداوة للنظم الجمهورية، ومنها الجمهورية في اليمن، حيث تسعى للقضاء على هذا النظام، باعتباره النظام الجمهوري الوحيد في شبه الجزيرة العربية، واثبت ذلك بشكل مقيت ومستفز ومثير للسخرية، من خلال دعوة (المغرب والأردن) النظامين الملكيين الوحيدين عربياً خارج الخليج وذلك للانضمام إلى دول مجلس التعاون الخليجي، لتحويله إلى ناد للتعاون الملكي المخول بخدمة العروش الوراثية والحفاظ عليها- في حين أن اليمن منذ أكثر من عقدين وهي تسعى للانضمام إلى المجلس غير أن نظامها الجمهوري جعل ذلك مستحيلاً.

 

والمثال الآخر على عداوة السعودية الشديد للنظام الجمهوري حربها الشرسة عبر وكلائها الملكيين عقب ثورة سبتمبر والتي استمرت أكثر من سبع سنوات، بذلت فيها الرياض كل جهد تستطيع لإسقاط النظام الجمهوري وإعادة حكم الأئمة وتدمير المبادئ الديمقراطية المرتقبة في اليمن.

 

أموال النفط تحبط ثورة التغيير

 

نعلم جميعاً كيف القت السعودية بثقلها وسخرت إمكانياتها الكبرى من أجل وأد ثورة التغيير السلمية، وعرقلت عملية التغيير ووقف إلى جانب النظام خوفاً من إسقاطه.

 

وللنظام السعودي من وراء هذه الاستماتة في الدفاع عن نظام علي صالح والهجمة الشرسة ضد الثورة دوافع كثيرة، منها الخوف من ذات الثورة.. يقول المحلل المصري عادل الجوهري: “السعودية تريد إحباط الثورة اليمنية، لأن مجرد وجود نظام حكم ثوري وديمقراطي إلى جوارها، يعني بداية لرياح تغيير عاتية على نظام سياسي عتيق”..

 

أما الكاتب محمد قسني فيرى أن “الثورة اليمنية في حال نجاحها ستصنع بلداً مستقلاً ذا كرامة، وسيضعف النفوذ الأجنبي السعودي الأمريكي، حيث لن يقبل أحد أن تبقى اليمن مزرعة سعودية، أو أن يبقى حاكمها بواباً في القصور السعودية، أو شحاتاً في دواوينهم..ولن تكون اليمن في حال نجاح ثورتها موضعاً للابتزاز السياسي..

 

لقد استطاعت السعودية تحجيم الثورة بمبادرتها الخليجية، واستطاعت تشويه صورة الانتخابات الديمقراطية بانتخابات توافقية أشبه بالبيعة في الأنظمة الملكية، كما أن السعودية استهدفت الدستور كمنجز لليمن أكثر من مرة من خلال نشر الفوضى والانفلات وتشجيع الاحتكام إلى الأعراف القبلية، وعملت على تغييب الدولة وإضعافها وتفكيكها عبر أطرافها النافذة..

 

وكان من مرامي وأهداف السعودية من وراء المبادرة تعطيل العمل بالدستور وتحقق لها ما أرادت.

 

وعملت السعودية من خلال وقوفها ضد الثورة على إبقاء النظام الذي سلمها أكثر من ثلث الأراضي اليمنية باتفاقية لم يتم استفتاء الشعب عليها، كما عملت على الحفاظ على شخصيات نافذة من مشائخ وعسكر، والتي تتقاضى مخصصات ورواتب شهرية من الرياض لحماية مصالحها.

 

ومن أهداف النظام السعودي من خلال إفشال ثورة التغيير تعزيز ثقافة وسلوكيات القبيلة منعاً لأي تطور حضاري.

 

احتراف التدمير والتفجير

 

للنظام السعودي سجل حافل بسياسات زعزعة الأمن والاستقرار في دول كثيرة، ومنها اليمن إما عبر استخدام ثقلها لدى الدول الغربية أو عبر تنظيم القاعدة..

 

فبعد أن دمرت دولة العراق عبر أمريكا أولاً، ثم تنظيم القاعدة بعملياتها الإرهابية، وحولت لبنان إلى حظيرة طائفية وعملت على إيجاد الصراعات في أكثر من دولة وتريد إيصال سورية إلى حالة الصراع لتدمير حضارتها العريقة.. هاهي تقوم بتنفيذ كل ذلك على الأراضي اليمنية للقضاء على تاريخها الحضاري الممتد لآلاف السنين والذي تنظر إليه السعودية على أنه مجرد إرث لأمم بائدة عاقبها الله بالهلاك وان الانتساب إليها كفر وردة.

 

تعتبر السعودية صانعة محترفة للتنظيمات التفجيرية ومنها القاعدة، ومن خلال أشخاص وخبراء وضباط في مخابراتها الخاصة، يقومون باستقطاب العناصر وتدريبها، ومن ثم العودة إلى مناصبهم عبر ما يسمى بالتوبة والعودة إلى جادة الصواب من خلال برنامج شهير يطلق عليه “المناصحة” و “العوفي” نموذج لذلك..

 

كما تندمج السياسات السعودية في إطار سياسات غربية (أمريكية- اسرائيلية) لتنفيذ أجندات خاصة في المنطقة.. وقد قالت كاتبة سعودية شهيرة إن “السعودية عبارة عن شركة.. رئيس مجلس إدارتها يعرف تماماً ما ينبغي أن تكون عليه سياسة الشركة”.

 

كما كشفت وثائق دولية جديدة استخدام السعودية للقاعدة لتنفيذ مخططات خاصة..

 

الرياض- تل أبيب.. تدمير قرى

مؤخراً تناقلت وسائل الإعلام خبراً مفاده أن السعودية قامت بتدمير أكثر من 8 قرى لتقيم عليها جدارها العنصري الحدودي، وهي نفس السياسة التي تقدم عليها قوات الاحتلال الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد كشفت وثائق ويكليكس الشهيرة أن الاستخبارات السعودية تلقت مساعدات من الموساد الاسرائيلي بطريقة سرية.. وذلك يؤكد الارتباط الوثيق بينهما.

 

هكذا يرونها عارية

 

من مصلحة النظام السعودي أن يظل المجتمع تحت هاجس القاعدة وعنفها السابق، إذ أن حالة الذعر هي الوحيدة التي تكفل السيطرة التامة على المجتمع الذي يفقد قدرته على التمييز بين الحقيقة والوهم.. أصبحت القاعدة وخطرها استراتيجية تضمن أمن النظام..

د. مضاوي الرشيد- كاتبة سعودية

الحقيقة أن هذه العائلة السعودية هي أساس العنف في العالم الإسلامي، لأنها اعتمدت لضمان استمرارها في الحكم على منطق التطرف والمزايدة على الآخرين، وذلك من أجل قمع أية حركة معارضة داخلياً، ومواجهة الآخرين خارجياً.

آلن جويه- مدير سابق للمخابرات الفرنسية

 

السعودية تريد رئيساً مفصلاً على مقاس الرياض، تريد حاكماً هزيلاً في صنعاء يبصم لهم، تريد أن تتحول اليمن إلى نظام تابع وخانع يسير في ركب آل سعود، وأن تستمر اليمن كدولة فاشلة ينهشها الفساد، وينخر عظامها الفقر، وتستمر صنعاء في مهنة الاستجداء والتوسل، وترسل أبناءها للعمل في المزرعة السعودية.

رجب سالم الزبيدي- كاتب يمني

 

الوصية: “إذا نهض اليمن فاقرأوا على مملكتكم الفاتحة”

يلخص الكاتب والمحلل العربي الكبير محمد حسنين هيكل الدوافع التي تقف وراء العداء السعودي لليمن ووقوفها ضد الثورتين سبتمبر والتغيير بقوله: “السعودية قامت بدعم نظام الرئيس علي صالح المتناقض وغير الحامل للمشروع النهضوي، رعباً وتخوفاً من شيء اسمه اليمن السعيد، وتنفيذاً لوصية والدهم المؤسس – عبدالعزيز- “إذا نهض اليمن فاقرأوا الفاتحة على مملكتكم”.

 

ويضيف هيكل: “أنا قلق جداً ولابد أن أعترف بصراحة بهذا القلق الذي ينتابني من الدور الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في اليمن، ولابد أن تُسلّم أن اليمن هي القوة القادمة المؤثرة في شبه الجزيرة العربية، سواءً بالحجم السكاني، أو الإمكانات، أو الموقع.. إلى آخره.

 

وأتصور أنه مع الأسف الشديد بعض اخواننا في السعودية قد يهيأ لهم أنهم إذا لم يستطيعوا أن يقودوا هم الآخرين، فلابد أن يعطلوهم”!!

زر الذهاب إلى الأعلى