قضية اسمها اليمن

أسوأ 72 ساعة \ تاريخ اليمن.. غيّبت رئيسين وصعدت بصالح إلى كرسي الحكم

 

المستقلة خاص ليمنات 


كشف ما وراء أشهر الأحداث المرعبة في تاريخ اليمن ليس الهدف منها إشعال فتيل الثأر وتوريثه ولكن من أجل فضح هوية اليد التي ظلت خلال العقود الماضية تعبث بالدم اليمني دون حسيب أو رقيب فمنذ فجر ثورة 26 سبتمبر والدم يسيح والجاني يتخفى والسر المكنون يتوارى في أروقة الروايات المتعددة لكل جريمة يتم ارتكابها فمن قتل قائد الثورة علي عبد المغني ومن قتل الزبيري ومن اغتال الحجري والنعمان والقائمة تطول قد يكون الشارع الشعبي يعرف عدوه لكن هذا العدو المجرم لم يقدم إلى المحاكم.. ولم يتهم قضائياً.. وفي هذه الأيام تحل علينا الذكرى ال 37 لأسوأ ثلاثة أيام عاشها اليمن في تاريخه وربما لم يشهد العالم لها مثيلاً ففي 24 يونيو يُقتل رئيس في صنعاء وبعده بيوم واحد فقط أي في 26 يقتل رئيس أخر في عدن فما الذي شهدته اليمن خلال 72 ساعة من شهر يونيو 1978م هذا ما سنحاول استقراءه في العرض التالي..


                                                                                                                                      < فهيم المقرمي <

 


قبل ظهيرة 24 يونيو 1978 هزَّ العاصمة صنعاء انفجار شديد استهدف الرئيس أحمد حسين الغشمي وأودى بحياته.. وما تزال عملية الاغتيال هذه يكتنفها الغموض إلى اليوم رغم التسريبات المقصودة من أجهزة السلطة في الشمال أو الجنوب والقصة الرسمية تقول أن الرئيس الغشمي استقبل في مكتبه مبعوثاً جنوبياً خاصاً من قبل الرئيس سالمين وأن الغشمي طلب من مدير مكتبه على حسن الشاطر مغادرة المكتب حتى يختلي بالمندوب مهدي أحمد صالح تفاريش والذي قام بفتح حقيبة كان يحملها فانفجرت في داخل المكتب ونقلت الغشمي وتفاريش إلى العالم الآخر في أول عملية انتحارية يشهدها الوطن العربي وقد ذهب مؤيدو هذه الرواية إلى نشر وصية قيل أنها لتفاريش، بالإضافة إلى شريط تسجيل يحمل نفس المضمون ويعترف فيها تفاريش بأنه سوف ينفذ العملية خدمة للوطن والرفاق.. وحسب مصادر هذه الرواية فإن الرئيس سالم ربيع علي كان قد اتصل بالغشمي في الليلة التي سبقت العملية وأبلغه أنه سيرسل له مبعوثاً إلى صنعاء ورسالة من المعتقلين الشماليين في الجنوب بالإضافة إلى كشف بأسماء بعض اللاجئين من أحداث الحجرية في عدن والذين سوف يتم إعادتهم إلى صنعاء وقالوا إن سالمين أكد للغشمي أنه يريد أن يكون لقاؤه بمبعوثه على انفراد ولا يرغب بأن يعرف أحد بطبيعة المحادثات بينهما وتذكر مصادر هذه الرواية أن سالمين كلف صالح مصلح حليفه الاستراتيجي ووزير الداخلية بترتيب نقل هذه الرسالة واختيار الرسول الذي سيقوم بنقلها وبحسب الشريط الذي زعموا أن صالح مصلح يحتفظ به فإنه قد أختار مهدي تفاريش الذي كان يعاني كما قيل من مرض السرطان في مراحله الأخيرة ولا أمل في علاجه ولهذا فإنه تطوع لنقل حقيبة مفخخة لقتل الغشمي وعلى خلاف ذلك تأتي رواية أخرى لتقول أن تفاريش لم يكن مكلفاً من قبل سالمين بنقل الرسالة للغشمي وأنه تم تغيير المبعوث مع حقيبته في مطار عدن وأن ذلك المبعوث الذي كان قد كلفه سالمين بنقل الرسالة قد اختفى إلى الأبد.

 


الدور الألماني


ومن الجدير ذكره حسب هذا الرأي أن مخابرات ألمانيا الشرقية اشتركت في التخطيط للعملية وهي التي قامت بحقن مهدي تفاريش قبل نزوله من طائرة اليمن بمطار صنعاء بإبرة مخدرة تمنح النشوة والجرأة وهي التي جعلت تفاريش يشعر بأنه سيقوم بعمل عظيم وبطولي أما روسيا فقد ذكروا أنها شاركت في تقديم العبوات المتفجرة التي اغتالت الغشمي.


مؤامرة شمالية


ولكن هذه الرواية هناك من يكذبها ويقول أن مهدي تفاريش كان مجرد ضحية وأن الحقيبة التي يحملها تم استبدالها في مطار عدن حيث كان يحمل رسالة حقيقية وتم تغييرها برسالة متفجرات بينما قال آخرون أن الحقيبة تم تغييرها في مطار صنعاء وأن هناك مؤامرة شمالية استهدفت اغتيال الرئيس الشمالي مستدلين بعدم إصابة أحد في الحادث وخروج مدير مكتبه علي حسن الشاطر وعدم حضوره اللقاء وهو أمر استثنائي في مراسيم كهذا أن يكون اللقاء مغلقاًً بين الرئيس ومبعوث حامل الرسالة لأن اللقاءات المغلقة لا تكون إلا بين الرؤساء أو الزعامات الكبيرة..


 ويذهب منير الماوري إلى أن قصة الحقيبة التي تم تبديلها هي من اختراع إذاعة صنعاء ويؤكد هذا محاولة صالح إظهار براءته من دم الغشمي من خلال مراوغته عند توليه الحكم بأنه يريد فقط الحكم لمدة أسبوعين لينتقم من قتلة الغشمي وهو ما دأب عليه صالح في أنه يقتل القتيل ويمشي بجنازته.. إلاّ أن البعض يرى أن صالح قد رد الصاع صاعين للغشمي لأن هذا الأخير بعد قتله للحمدي توجس من صالح وحاول اغتياله عبر كمين بعد دعوته للمقيل في منزله بمنطقة ضلاع همدان لكن صالح نجا منه عندما ترك سيارته وطلب من سائق الغشمي أن يوصله في حين الكمين كان ينتظر سيارة صالح.


ويرى كثير من المحللين إلى أن لعلي عبد الله صالح دوراً كبيراً في اغتيال الغشمي وأن هناك مؤامرة تم نسجها بين الشاطر وعلي عبد الله صالح ومحمد خميس وأن الحقيبة تم تغييرها في صنعاء وأن علي عبد الله صالح كان ينتظر النتيجة في تعز. ويشير هؤلاء المحللون إلى أن علي عبد الله صالح كان ممتعضاً من الغشمي لأنه أبقاه في تعز ولم يعطه أي منصب أعلى مما كان عليه في عهد الحمدي بل أن الغشمي كان حريصاً في الأشهر الأخيرة في ابعاد صالح عنه لأنه كان يعتبره الخطر الأكبر الذي يهدد عرشه ولم يكن الغشمي يعلم بأن الشاطر على تفاهم كامل مع علي عبدالله صالح وهذا ما أكدته الأيام حيث ظل الشاطر الشريك الأقرب والأكبر لصالح خلال 33 عاماً.. كما أن نشر وصية تفاريش بعد عشرين عاماً من الحادثة في صحيفة 26 سبتمبر الذي يرأس مجلس إدارتها علي حسن الشاطر يأتي ضمن التعاون الوثيق بين صالح والشاطر في محاولة طمس الحقائق ويعتبر الشاطر هو الصندوق الأسود لعملية اغتيال الغشمي وكثير من العمليات الأخرى لأنه هو من استقبل مهدي تفاريش بالمطار صباح 24 يونيو 1978 فلماذا لم يتم تفتيش الحقيبة إذا افترضنا فعلاً أنها جاءت ملغمة من عدن وهو أيضاً من رافق تفاريش إلى الرئيس ثم لماذا خرج من المكتب ولماذا لم يصب بأي أذى بل يقال أنه منع محمد خميس من تفتيش الحقيبة ولماذا حدث الانفجار بعد خروج الشاطر مباشرة هل كان تفاريش حريصاً على حياة الشاطر؟ لماذا لم يفجرها مباشرة عند وصوله؟


لماذا سالم ربيع متهم


استغلت كثير من القوى في الشمال والجنوب ما تردد أن سالمين حلف يميناً يوم دفن الحمدي أنه سينتقم من قتلته قبل أن يمر عام على الحادثة التي هزت اليمن في أكتوبر 1977م وعند اغتيال الغشمي قالوا أن سالمين أبر بيمينه.


(الأمير نائف يتهم صالح)


تتحدث الأخبار أن الأمير نائف بن عبد العزيز و
لي العهد السعودي الذي توفى مؤخراً كان على علاقة وثيقة بالرئيس أحمد حسين الغشمي ولذلك فإن علاقة الأمير نائف مع علي عبد الله صالح سيئة ومتوترة لأن الأمير يعتقد أن لصالح يداً في مقتل الغشمي واعتبر ما حدث أنه كان بتنسيق بين صالح وقيادات جنوبية.. بل أن الأمير نائف كان يرى أن مقتل الغشمي كان ضمن خطة بين صالح وبعض قيادات الجنوب يتخلص من خلالها (علي عبدالله صالح) من الغشمي ويتخلص (القادة في الجنوب) من سالمين.

 

من هو أحمد حسين الغشمي..


– أحمد حسين الغشمي من مواليد 1941 في ضلاع همدان إحدى الضواحي القريبة من العاصمة صنعاء التحق بالقوات المسلحة بعد 26سبتمبر 1962 وتولى مهاماً قيادية وعسكرية أهمها قائداً للمحور الغربي ثم الشرقي ثم رئيساً لهيئة الأركان العامة ونائباً لرئيس مجلس القيادة في عهد الحمدي.

زر الذهاب إلى الأعلى