قضية اسمها اليمن

في أبين بعد رحيل “القاعدة” . . دمار شامل في النفوس والأبنية

 

بعد أيام من انتهاء الحرب بين قوات الجيش اليمني وأنصار تنظيم القاعدة في مناطق مختلفة من محافظة أبين، جنوبي اليمن، كانت ل”الخليج” جولة في المناطق المنكوبة التي دمرتها الحرب وتوابعها، بهدف التعرف إلى الأوضاع الكارثية التي عاشها سكان هذه المناطق، والوضع الذي تعيشه اليوم بعد خروج عناصر القاعدة منها بفعل الضربات التي وجهها إليها الجيش المدعوم برجال القبائل في إطار ما صار يعرف ب”اللجان الشعبية” .


انطلقنا من عدن، التي تبعد عن زنجبار أقل من 50 كلم، عند الصباح أقلتنا سيارة أجرة من منطقة الهاشمي، حيث المحطة الرئيسة التي ينطلق منها الركاب صوب أبين، عندما تجاوزنا نقطة العلم الشهيرة كان ذلك إيذاناً بالدخول إلى عالم أبين المدمر، فهذه النقطة، تعتبر الخط الفاصل بين عدن وأبين، والتي اختارها البريطانيون بعناية ونصبوا فيها علم المستعمرة البريطانية قبل سنوات من استقلال جنوبي اليمن العام 1967 فأطلق عليها الناس “نقطة العلم” .


في نقطة العلم وقفنا عند حاجز تفتيش عسكري، إلى أن أشار علينا عسكري منهك بإشارة تدل على السماح لنا بالدخول إلى أبين . في الطريق بدا لنا خط الطريق الساحلي الممتد على مد البصر طويلاً على غير العادة، وعلى جوانبه كانت أكوام الرمال الزاحفة وبقايا المعدات والآليات العسكرية المدمرة تتوزع على مسار الخط،شاهدة على معارك عنيفة، فمن خلف أكوام الرمال تبدو بعض هذه الآليات والمعدات محطمة وبعضه لا يزال يتهيأ للقطر .


عندما وصلنا إلى مدينة زنجبار، عاصمة أبين، كانت عيون القادمين إليها توثق آثار دمار مروع لم تتعرض له أبين طوال تاريخها . كان مبنى المحافظة الذي أنجز مع نهاية 2010 يحمل عنوان دمار المدينة، أما الشارع الرئيس المؤدي إلى دوار شقرة فإن المتجول فيه يلحظ حجم الدمار والحرائق التي طالت مباني الشقق السكنية المبنية من الحجر التي بناها الرئيس سالم ربيع علي في منتصف السبعينات لكوادر الحكومة، فقد نخرتها القذائف وهدمت أجزاء منها وأحالت بعضها إلى أطلال تصلح تماماً لأن يبكي عليها أحد شعراء الجاهلية وأهل أبين معاً .


كانت تحذيرات بعض السكان الذين هرعوا لتفقد بقايا مساكنهم أو من أسعفه الحظ تنصح القادمين الجدد بتوخي الحيطة والحذر من شراك المفخخات والألغام التي نصبها أنصار الشريعة قبل مغادرتهم المناطق التي كانت تقع تحت سيطرتهم، فقد كانت هناك آثار لخنادق محفورة عند مداخل المدينة من اتجاه اللواء 25 ميكا الذي تموضع في موقعه ولم يغادره إلا لماماً ومازال .


مع المحافظ العاقل


في ساحة الشهداء التي بنيت في عهد محافظ أبين الأشهر محمد علي أحمد، منتصف الثمانينات، ومن خلفها عمارات ثانوية زنجبار وأحياء “الفلوجة”، “باجدار” و”الصرح” تشير إلى أن حجم الدمار كان مهولاً . بدت الساحة وما حولها خالية من كل مظاهر الحياة، حيث إن المواجهات قد قضت على أسلاك وأعمدة الكهرباء وشبكة المياه والصرف والاتصالات، ودمرت فروع البنوك التي كانت أشد خراباً ودماراً وآثار قذائف الدبابات والمدفعية بادية في كل الأنحاء والشوارع، لكننا لم نلحظ تواجداً كثيفاً لأية قوة أمنية أو عسكرية عدا بعض أفراد اللجان الشعبية الذين دفع فضول بعضهم إلى التحقق من هويتنا عند التقاطنا بعض صور الدمار .


في مبنى جديد وبعيد عن أطلال المدينة المدمرة، وعلى ساحل بحر العرب يتواجد محافظ المحافظة جمال العاقل، بالقرب من المبنى وعلى الأسوار تلاحظ أكياس الرمل وحراسات أمنية تتحقق بعناية عن هوية أي قادم، وبحسب موعد سابق معه دخلنا إلى مكتب المحافظ المتواضع، حيث يدير الرجل، شؤون محافظة “خربة” من بين كل هذا الركام . يقول المحافظ في حواره مع “الخليج”: “وجدنا كل شيء مدمراً، وبدأنا في العمل من الصفر أو ما دونه، حجم الأضرار والدمار أكبر مما توقعنا، فقد طال الدمار كل شي تقريباً، البشر والأرض وأهلك الزرع والضرع، ونحن في الوقت الحاضر بصدد عمليات حصر أولي للأضرار والخسائر في الأرواح والممتلكات بالتنسيق مع بعض المنظمات الاقليمية والدولية، خاصة أننا بلد ذو إمكانيات محدودة” . ويضيف: “نعمل حالياً على إعداد النماذج الخاصة بالحصر وبدعم من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والتي بدورها قامت بدعوة المنظمات الدولية لأن تكون شريكة في إعداد نماذج الحصر وفقاً لآلية دقيقة وعلمية بعيداً عن المبالغة والارتجالية وبالتالي نريد أن نختصر المسافات بالاستناد إلى المعايير والخبرات الدولية، قد يحتاج هذا الأمر إلى بعض الوقت لكنه سيقودنا صوب الاتجاه الصحيح” .


عندما سألنا العاقل عن أولوياته بعد إعداد الحصر والمسوحات أجاب قائلاً: “كل الأشياء تسير بخطوط متوازية، وبالتالي فإن تصفية الألغام والكهرباء والمياه والاتصالات تعد كلها أولويات لاتقبل ان تسبق بعضها بعضاً لكن هذا يعني أن المهمة كبيرة والعزيمة يجب أن تكون أكبر” . وأضاف: “بدأنا في إعادة أبراج الكهرباء من أجل مد الكهرباء للمواطنين، بخاصة في جعار وتأمين عودة ضخ المياه إلى المدينة بحكم أن حجم الدمار لم يكن كما هو في زنجبار وتواجد الوحدات الأمنية واللجان الشعبية مع إعادة إنشاء وتموضع للوحدات العسكرية بالقدر الذي نسعى إلى إعادة تطبيع الأوضاع، من خلال نزع الألغام والمتفجرات ومخلفات الأعمال القتالية، هذه كلها تعد أولويات لاتقبل التأجيل” .


لا وقت للخلافات


يعتقد محافظ أبين جمال العاقل أن الوقت اليوم لا يسعف أحداً للدخول في متاهات تقييم ما تحقق من إنجازات خلال الفترة التي أعقبت طرد عناصر القاعدة من المحافظة، ويقول إن المحافظة أمام كارثة حقيقية يجب أن يتداعى إلى حلها الجميع، ويضيف قائلاً: “نحن اليوم أمام كارثة حقيقية ومسألة تقييم ما تم إنجازه ليس ضمن أولوياتنا على الأقل في الوقت الحاضر، إذ لا مجال ولا وقت للخلافات، نترك للآخرين تقييم الوضع، لكن ما يجب أن يفهم، أننا جميعاً مكرسون إمكاناتنا لخدمة المواطنين” .


تجربة اللجان الشعبية


يثني محافظ أبين على تجربة اللجان الشعبية، التي كانت سنداً للجيش في معركته ضد عناصر تنظيم القاعدة، ويقول المحافظ جمال العاقل في حديثه مع “الخليج” إن اللجان الشعبية برزت كحاجة ملحة وضرورية لمواجهة الأوضاع الصعبة التي عاشتها أبين، وقد أثبتت وعي المواطن وادراكه لمخاطر التطرف وأفكار الإرهاب التي يعاني منها العالم اليوم ونحن جزء منه وعلى هذا الأساس مثلت مديرية لودر مركز انطلاق اللجان الشعبية، وهذا شرف كبير للودر وأبنائها بمختلف توجهاتهم” .


عن نتائج اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد في عدن لمناقشة أوضاع أبين وإعادة إعمارها يؤكد المحافظ العاقل أن الاجتماع ناقش استئناف نشاط المستثمرين وتذليل الصعوبات التي حالت أمامهم، ومنها مصانع الاسمنت بمنطقة أحور، وتمخض الاجتماع عن إنشاء صندوق إعمار أبين برأسمال تأسيس قدره 10 مليارات ريال يمني، كمساهمة من الحكومة، إلى جانب ما يتلقاه الصندوق من مساهمات من الأشقاء والأصدقاء ورجال المال والأعمال والمغتربين .


أحوال النازحين


في زيارتنا إلى محافظة أبين، التقينا عدداً من أعضاء الوحدة التنفيذية لشؤون النازحين . يقول أحد أعضاء الوحدة التنفيذية لشؤون اللاجئين في أبين عن شكاوى النازحين من عدم وصول الإمدادات الغذائية “نحن نفهم شكاوى أهلنا النازحين وبالتأكيد عمل كهذا سيسوده الإرباك، لكن مسألة العبث أو التسويف أو التلاعب بمتطلبات النازحين عمل غير مقبول أبداً، ومع ذاك هناك جهود تبذل نقدرها، لقد حصرنا اللاجئين في مكان محدود وتم التعامل معهم بشفافية، وبالتالي أي خطأ في حال نازحي أبين نقف أمامه للتصحيح وليس للمكايدة السياسية أو غيرها” .


المصدر: الخليج – أحمد يسلم صالح

زر الذهاب إلى الأعلى