قضية اسمها اليمن

شباب يلوّنون شوارع صنعاء وتعز: إلى “ربيع ألوان” وسط الدمار

 

يمنات – متابعات

في أحد مقاهي بيروت في شارع الحمرا، كنت أنا وصديقتي اليمنية التي أتت لزيارتنا في لبنان. راحت صديقتي تتطلع حولها بانبهار. سألتها: "ماذا بك؟" فأجابت: "ألوان.. لديكم الكثير من الألوان في بيروت".

من لم يعش في اليمن، وبخاصة في عاصمته صنعاء، لن يفهم انبهار الصديقة. فصنعاء يغلب عليها اللون الترابي الذي زاد من كآبته الدمار في بعض الشوارع بعد النزاع المسلح الذي وقع فيها. وسط هذه الألوان القاتمة، قرر أحد الشباب أن "يملأ الشوارع بالحياة".

لون  جدار شارعك

"معاً لنملأ شوارعنا بالحياة ونستبدل القبيح بالجميل.. من معي لتزيين شوارعنا باللون والحب والحياة؟.. سأنزل قريباً".

هذه الجملة التي كتبها مراد سبيع على صفحته في الفايسبوك، كانت بداية إنطلاقة حملة "لوّن شارعك". ووصلت أصداء الدعوة من مدينة صنعاء إلى مدينة تعز وألهمت الكثيرين لإحياء شوارعهم الميتة باستخدام الفرشاة والألوان.

مراد سبيع  راح ينزل وحيداً ليلون الشوارع ، يوماً بعد يوم.. الى أن قرر الشباب النزول معه.

يقول سبيع لـ  "NOW" إن "الوضع السيئ  للبلاد ومشاهد الدمار التي خلفتها الحرب كانت السبب الأساسي لانطلاق الفكرة، كل يمني يعاني من الدمار الحاصل وبالتالي كان لا بد من وجود شيء يساعد على محو تلك المناظر المؤذية، وقد خرجت فكرة (لون جدار شارعك) من هذا المنطلق".

مروان يمارس الفن التشكيلي منذ 2001، وهو يؤمن بأن الفنون بشكل عام  تحيي  روح السلام في بلد عانى الكثير مثل اليمن. ويتابع أن "الفكرة كانت جديدة وخارجة عن المألوف وبالتالي فقد واجهت صعوبات جمة، ولكننا اخترنا أن لا ندخل في هذه الصراعات والمهاترات لأننا نؤمن بأننا رسل فن وسلام". كذلك، خرجت الفتيات جنباً الى جنب مع الشبان وشاركن بالرسم والتلوين على الجدران. تقول مي ناصري إن "الاعتماد الأكبر كان في التنسيق على مواقع التواصل الاجتماعي. كنا نضع على صفحاتنا في الفايسبوك خبر النزول للرسم في يوم الخميس من كل اسبوع، ومن يهمه الأمر يأتي مع ألوانه ويرسم معنا حتى انتشرت الفكرة". تتابع مي أن "يوم الخميس كان بمثابة ملتقى شبابي، بالإضافة لمن كان يأتي من الاطفال والآباء والأمهات لرؤية الرسومات أو حتى للمشاركة".

أما سحر عبد الله فترى أن هذه الرسومات لم "تكن فقط تلون الشوارع وإنما كانت ترمم القلوب التي صدئت بعد نزاعات مسلحة أنهكت أرواحنا". تقول سحر: "شاركت في الحملة  منذ بدايتها على الرغم  من عدم  كوني  رسامة أو هاوية  فن. لكني أردت أن أشارك  من باب تشجيع  نشاط  شبابي  فني  وخلاق، وخلال عملي شعرت وكأني أُعيد ترميم روحي  بجدران  المدينة، إذ كانت أرواحنا  منهكة ومتعبة  من  أحداث  الفترة  الماضية، كانت  هذة  المشاعر  خليطاً  مشتركاً  بين  كل  أعضاء  الحملة  ما أدى  لاستمرارها  أربعة أشهر في أكثر من عشرة شوارع مع أن هذا لم يكن متوقعاً".

تكمل سحر: "سعدت جداً  لمشاركتي في نشاط مثل هذا فيه الكثير من الجمال الذي أثر في نفوس  المشاركين وغير المشاركين. هذا النشاط نشر ثقافة مختلفة، ثقافة فنية جمالية  تسعى إلى جمع  الناس وربطهم ببعضهم بعضاً، بدلاً من الشعارات التي  تعمل على تفريقهم وزرع الفتنة".

تعز "ألوان الحياة"

تعز، المدينة التي ضربت أكبر مثل في حب التغيير وكانت وما زالت المدينة التي تنبعث منها روح الثورة، وصلتها الألوان أيضاً عن طريق شباب وفتيات ُألهموا بما رأوه في حملة "لون شارعك" في صنعاء، فقرروا هم أيضاً النزول إلى شوارع مدينتهم وتلوينها بالحياة.

يقول صادق المقطري لـ"NOW" : "عندما خرج الشباب في صنعاء كنا اول فريق يخرج في تعز. ما جعلني أشارك في الحملة  هو حبي لمدينة تعز والرغبة في تغيير مزاجها العام بعد الحرب والثورة والألم التي عاشتها المدينة، والرعب الذي عاناه أطفالنا، والتشوهات والأحقاد التي كانت مكتوبة على الجدران".

يكمل المقطري: "بدأنا بنشر إعلانات على موقع الفايسبوك ندعو فيها الرسامين وساكني تعز بالمشاركة، ثم اخترنا شارعاً أسميناه باسم الفنان التشكيلي"هاشم علي"، وشارك الجميع في التلوين وعاشوا لحظات من الفرح. وعما إذا كانت هناك إعتراضات أمنية على الرسوم، أجاب المقطري: "في بداية الأمر كانت المحافظة وبعض الأجهزة الأمنية تتوجس خيفة منا لأنهم لم يكونوا على علم بطبيعة الرسومات. كان الخوف من أن يكون لرسوماتنا طابع سياسي، ولكن عندما رأوها وتبين لهم أنها فنية لا أكثر لم يعترضوا عليها".

حملات التلوين أبرزت الكثير من المواهب التي تستحق المتابعة والتشجيع، وأضفت روحاً من التفاؤل في قلوب من شارك فيها، ويرى سبيع الملهم الأول لهذه الفكرة، "إن على المدارس تشجيع الطلاب على الرسم، وعلينا أن نمحو القبح، ليس فقط عن الحيطان ولكن أيضاً من العقول".

المصدر: لبنان الأن – هند الارياني

زر الذهاب إلى الأعلى