فضاء حر

ادفنوا الثورة ولا تدفنوا روح الثائر

 

يمنات

لم تكمل الثورة ثورتها.. لم تستطع أن تخلق في الجمهور المتحلق حول شاشتها فعل ثورة, لم تحول أعينهم إلى كاميرات تلتقط المشاهد غير مجردة, لم تلهمهم حالة تثوير, وراء كل ما يقال ما لم يقل, ووراء كل ما تم ما لم يتم, لم تلهمهم القدرة على إكمال الناقص من المشهد, ما جعل صورتها ناقصة تماما, وقد تكون خالية فاقدة المعنى.. الروح.

حين تضامن جرحاها مع جرحها, لم تخلق بينهم وبين الشارع لغة تفاهم, ظن الشارع أنه يتضامن معهم, حتى هم سموه متضامنا, لم تخبر حتى جرحاها أنهم هم من يتضامنون مع هذا الشارع.

لم تستطع هذه الثورة أن تقنع جرحها وجرحاها أنهم يشفقون على بؤساء لم يتمكنوا من التقاط ثورة تسكن بينهم دون حراك بانتظار أن يلتقطها أحدهم.

ذهبنا جميعا للتضامن, والتقطت لنا صور تذكارية, لم تلتقط مشهداً لثورة تربض قريبا منا بانتظار أن تكمل مشهداً بدأته منذ أمد. ذهبنا للتعاطف.. مع من تعاملنا معهم من موقع الأصحاء مقابل المرضى, والأغنياء مقابل الفقراء.

وهم لم يستوعبوا دروهم, هم شكوا ألينا معاناة جراحهم, مع وزير يدعى قلبه صخر, يعمل في دكان عجوز اسمه باسندوة. دكان شراكة لمن تسلق على جرحهم, ونما حوله كفطريات كريهة الرائحة سيئة الأثر.

أخبرونا أنهم يطلبون من هذا الدكان أن يهب لهم الدواء, لم يقولوا لنا إن التخلص من هذا الدكان هو الدواء لجراحاتهم وجراحات ثورة, لم يسألونا كيف أمكننا السماح بتحويل حلم ثائر مات على ذات جدار بناه اللصوص, إلى مذكرات تحتاج لوساطات أولئك اللصوص ومن يمت لهم بصلات حتى يوقع عليها, لتشفى جراحهم؟

تقف الثورة مثخنة الجراح أمام خزانة مال ذات أبواب متعددة, أبواب يهب وباب يحرم, الأبواب الواهبة, تحمل كلمة سر كمغارة علي بابا, ولكل واحد من الأربعين كلمة سر بوابة, إلا الثورة وجرحاها بوابتها موصدة, لا سر لها ولا علاقة تربطها بمغارة علي وأربعينه.

البوابة التي خصصت لثورة وشعب, لم توقع على اتفاقية دول النفط, ولم تحاصص في حكومة الوفاق, ولن تشارك في الحوار الوطني, لأنها ببساطة لم تشترك في الحصانة.

الثورة سيسري عليها قانون العدالة الانتقالية, لأنها لم تحصن نفسها بشعب يدرك أن جرحه كرامة, وأنه لن يقبل الهبات, بل سينتزع حقه.

أيتها الثورة الجريحة, ارفضي أن يداوي جرحك, من خوّن أبناءك, ارفضي أن يداويه من اشترط أن يحمل حاملوا هذا الجرح بطاقات حزبية وقعت على الاتفاقية الخليجية, ليسمح لهم بلعق جروحهم, من أرسل جنده ليسبوهم ويقذفوهم ويضربوهم, اطلبي ثأرهم أولا.. حاكمي من أراد لهم الموت, من لم يوجعه جوعهم وبردهم وإضرابهم النار في أجسادهم.

ارفضي تذاكر سفر تريد تهريب غضبك الى خارج حدود الروح, وأموالاً تريد تبييض ضمائرهم الخربة. موتي غير مدينة لهم بشيء, لا تسجلي جرائمهم ضد مجهول, لا تخوني الذاكرة.. وليحفظ الرئيس ملايينه التسعة؛ فقد يحتاجها لرشوة القادمين لحواره, وليحتفظ رئيس الوزراء بتذاكره؛ فقد يحتاجها للترفيه عن مشائخه وعساكره (أسياده), وليحتفظ وزير المالية بتوقيعاته؛ فقد يحتاجها ليحمي جسده رصاص المشائخ الذين يقتحمون مكتبه, وليحتفظ كل الوزراء والوزيرات بتعاطفهم, لأنهم سيحتاجونه, بالتأكيد حين يقررون التحدث إلى ضمائرهم.

أيتها الثورة موتي ولا تتسولي.. أيتها الثورة إما أن تكتملي ثورة أو أن تدفني بذرة لثورة, قد تنمو عند هطول الكرامة, وحين تقلب تربتها روح التثوير. موتي قبل أن تقتلي روح ثائر كأحمد سيف حاشد.

صحيفة الأولى

زر الذهاب إلى الأعلى