العرض في الرئيسةفضاء حر

الامتحانات وعدالة المناخ

يمنات

أ. د محمد توفيق*

عدد من الأسئلة تلاحقني بمجرد عقد الامتحانات فى اجواء غير ملائمة، وربما كانت هي الدافع للكتابة فى هذا الموضوع منها: هل الامتحانات فى المناطق المدارية والحارة كغيرها فى المناطق المعتدلة والباردة..؟ وهل الامتحانات فى الشتاء كالامتحانات فى الصيف..؟ وبصورة أكثر تحديدا هل الامتحانات فى صباح الصيف كمثلها فى ظهيرته..؟ وهل الامتحان داخل مبني ثابت كمن يمتحن داخل مخيم مؤقت..؟وهل من يمتحن داخل مكان مكيف الهواء – كمن يمتحن فى غيره..؟؟

الإجابة عن هذه الأسئلة هي سر شغفي بالكتابة عن هذا الموضوع؛ لا سيما وانني تناولت – في موضوعي للدكتوراة، وفى عدد غير قليل من ابحاثي العلمية- العلاقة بين المناخ وراحة الإنسان الحرارية، وقد أثبتت النتائج المختلفة لهذه الدراسات ان للمناخ بعناصره المختلفة تأثير كبير وبصمة واضحة علي راحة الإنسان واستجمامه وترويحه وقدرته على ممارسة عمله وأنشطته وتركيزه، وبالتالي علي إجاباته التى تحدد مستقبله..!!

ولتقريب وتوضيح هذا التأثير نقول ان أجواء ومناخات الشتاء تختلف في تأثيرها على الإنسان وراحته مقارنة بأجواء ومناخات الصيف، وبشكل أوسع تعميما فان مناخات المناطق الباردة والمعتدلة تختلف فى أثرها على الإنسان مقارنة بالمناخات الدفيئة و المدارية والاستوائية.
ولكوننا ننتمي الى مناطق دفيئة وشبه مدارية فان أجواء الشتاءات لدينا غالبا ما تكون مفضلة ومحبذة لمعظمنا، لاسيما خلال النهار وان كنا نعاني قليلا أثناء لياليها من جراء الحمل الحراري السالب (البرد الشديد).

أما فى أيام الصيف الطويلة لاسيما صيوف (جمع صيف) هذا العقد من القرن الحالي، فان سكان المناطق المدارية يعانون بشكل كبير من الإرهاق، وربما الإعياء وتحديدا خلال نهاراته أو حتي فى بعض لياليه – ولكن بصورة اقل نسبيا.
وهذا الإرهاق الحراري يختلف من شخص لآخر – فى ضوء عدد من الظروف والمعطيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية – لكن القاعدة ان الكل يعاني و يشعر بالحمل الحراري الموجب والزائد.

وخلال هذه الأيام تقام امتحانات ابنائي الطلاب، ولكون عددهم كبير يصعب استيعابهم داخل المدرجات والقاعات والفصول، وحتي في الطرقات مرة واحدة، يتم اللجوء إلى امتحانهم على فترتين – أحداهما فى الصباح والثانية فى الظهيرة وقد يكون ذلك مقبول نسبيا لكن فى بعض الأحيان يتم امتحان بعض الطلاب فيما يعرف بالمخيم.

والمخيم لمن لم يمتحن به فى الصيف – فعليه ان يشكر الله علي هذه النعمة – لكون فكرته قائمة على تحديد مكان اللجان وحماية الطلاب من الأشعة المباشرة، غير انه يجمع الحرارة ويركزها بداخله إلى جانب دوره فى سكون الهواء وعدم تحركه – مما يزيد من الإحساس بصعوبة الجو رغم تزويده بالمراوح والتكيفات الصحراوية.
وبطبيعة الحال بعض الطلاب تقع لجانهم داخل الكلية بظلها الطبيعي ومراوحها الثابتة وربما التكيفات فى بعض الفصول والقاعات فى حين ان البعض الآخر منهم تقع لجانهم فى المخيم بظلاله الصناعية ومراوحه المؤقتة.

وبدون شك لا توجد عدالة مناخية فى ذلك، وما قد يترتب على ذلك من التمييز بين الطلاب، ولكن تخفيفا لهذا الأمر وتجنبا له، وحلا لتلك المعضلة غالبا ما يتم امتحان طلاب القسم الواحد فى مكان واحد تتشابه فيه الظروف البيئية المحيطة – تجنبا للتميز فيما بينهم.

ولكن بحثا عن راحة طلابنا الحرارية فى ظل ظروف مناخنا الصيفي الذي يزداد سوءا فصلا بعد الآخر سنسعي فيما هو قادم وفي حالة التوافق المؤسسي للعمل على تبكير بداية الفترة الصباحية لتبدأ في السابعة صباحا، وتأخير الفترة الثانية لتكون من الثالثة الي السادسة او من الرابعة الي السابعة مساء.

وفى حالة المرونة الإدارية والأكاديمية لا مانع من امتحان بعض أقسام الفرقة الواحدة فى يوم والبعض الأخر فى يوم آخر – على أن يتم امتحان الجميع فى مكان مريح مناخيا.

وكحل نهائي – يريح الجميع – لابد من اعداد مبني مستقل للامتحانات يستوعب الطلاب بشكل ما، على ان يكون هذا المبني مجهز بكل ما من شانه توفير الأجواء المناسبة لامتحان الطلاب، وبدون شك فان هذا المبني الى جانب دوره فى توفير المناخات المناسبة سيكون اقتصاديا وموفرا للتكاليف التى تنفق على تجهيزات الامتحانات المؤقتة ويمكن استغلاله فى أكثر من نشاط اخر طوال العام.

* عميد كلية الاداب جامعة سوهاج المصرية، واستاذ جغرافية المناخ

زر الذهاب إلى الأعلى