فضاء حر

مصابو كورونا فى الوطن العربي .. تحليل جغرافي موجز

يمنات

أ. د محمد توفيق*

تشير كافة الشواهد الى ان فيروس الكورونا رغم نشأته الصينية وتحديدا فى احدى مقاطعاتها وهي مقاطعة يوهان، إلا أن هذا الفيروس انتشر فى الغالبية العظمى من دول العالم، حيث انه انتشر تقريبا فيما لا يقل عن 175 دولة اى ما يقرب من 90% من دول العالم تقريبا، و ذلك في أيام معدودات، و تكاد لا تخلو قارة من قارات العالم المعروفة قديمها وجديدها الا ويوجد بها الفيروس.

ومما يصيب سكان العالم بالخوف ان معدل انتشار هذا الفيروس كبير جدا فحسبما ذكرت منظمة الصحة العالمية انه فى الشهور الثلاثة الاولى من معرفة هذا الفيروس بلغ اجمالي عدد المصابين 100 الف وفى غضون 12 يوما، أى فى ثمن الفترة الاولى زاد العدد 100 الف اخرى، أى ان معدل انتشاره يفوق بكثير المتوالية الهندسية التى نعرفها بأضعاف مضاعفة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل توزيع او كثافة المصابين بفيروس الكورونا بنفس الوتيرة فى دول العالم المختلفة التى انتشر بها ام ان هناك اختلافات وتباينات مكانية من بقعة جغرافية الى اخرى على سطح الكرة الارضية..؟

وبدون شك فان الاجابة على هذا السؤال تحتاج الى العديد من الابحاث والدراسات الجغرافية التحليلية للخروج بإجابات مقنعة فى ضوء عدد من الفروض والتساؤلات التى من اهمها .. هل هذا المرض يتركز في نصف الكرة الشمالى بشكل واضح..؟ ام انه حكر على المناطق الباردة بشكل كبير..؟ ام انه كما اشار استاذنا السبعاوى ان هذا الفيروس يصيب فصيلة معينة من فصائل الدم دون غيرها..؟ ام انه فيروس للمناطق الحضرية والمتحضرة من مناطق الاستقرار البشري..؟ هذا بالنسبة للتوزيع المكانى للفيروس .. اما عن التساؤلات الخاصة بفصلية المرض فهى هل هذا الفيروس … فيروس شتوى وخريفى دون فصلى الربيع والصيف ام انه فيروس سنوى لاقدر الله..؟!!!

كل هذه التساؤلات سيجيب عنها الباحثون والعلماء بالتحليل والتفسير والشرح فى قادم الايام، كما سيتطرقون ايضا الى طرق انتشار هذا الفيروس ومحاور انتشاره وأنماط هذا الانتشار وأسباب تباينه من مكان لآخر وهكذا.

ولكون الجغرافيا كالاحسان بمعنى ان تبدأ بمنزلك اولا (وطنك) فها نحن سنعرض من خلال هذه الخاطرة الومضة لموقف فيروس الكورونا فى بيتنا الاكبر فى وطننا العربي، ولكن استسمحكم عذرا في ان تحليل هذا الموضوع وعرضه سيكون تحليلا بسيطا لطبيعة البيانات المتاحة، وطبيعة المتلقى، وطبيعة الوقت وطبيعة ان الموضوع باكمله ماهو الا خاطرة من الخواطركما ذكرت..

وعند تناولنا للموضوع فسوف نركز على اعداد المصابين بفيروس الكورونا فى كل دولة من دول الوطن العربي – الاعداد المطلقة مع ربط ذلك بعدد السكان ومساحة كل دولة من هذه الدول لاعطاء صورة عامة عن الفيروس في بلاد العرب ولتتضح الصورة سنعقد عدد من المقارنات بين بعض الدول العربية وغير العربية من ناحية وبعض الدول العربية وبعضها الاخر.

وقبل الخوض فى توزيع اعداد المصابين بالفيروس على الدول العربية ومعرفة اجمالى اعداد المصابين وتطور هذا العدد بمرور الوقت ستعطى لمحة ومضية عن جغرافية وطننا العربي فى فقرتين موجزتين.

وطننا تكونه 22 دولة منهم 10 دول افريقية الانتماء ، و12 دولة اسيوية الهوية يغطون معا مساحة قدرها 13.3 مليون كيلو مترمربع، يعيشون على ارضه طبقا لتقديرات 2018 م نحو 423 مليون نسمة، غالبيتهم فى الدول الافريقية بنسبة 61% والبقية الباقية فى الدول الاسيوية.

وهذا الوطن كتلة متماسكة من اليابس لا يفصل بينه سوى بحرنا الاحمر ويسوده مناخ جاف ولهذه البقعة من العالم سمات دينية وتاريخية واستراتيجية واقتصادية وسياسية قلما تتكرر فى اى بقعة من العالم.

وبعد هذه الاطلالة سنشير لأهم ملامح اعاد المصابين بفيروس الكورونا فى مختلف الدول العربية حتى 1/4/2020م وبيانها كما يلى:

– ان اجمالى عدد المصابين بالوطن العربي يقترب من تسعة الاف مصاب وهو عدد لا يكاد يذكر بالنسبة لإجمالي سكان الوطن العربي الذي سبق الاشارة اليه حيث لا تتعدى نسبة المصابين 0.001977 % من اجمالي السكان.

– تسجل السعودية اكبر عدد مطلق من المصابين بالفيروس بنسبة تقترب من 18% من عدد المصابين بالوطن العربي اى ما يقرب من خمس المصابين به.

– تلي المملكة السعودية عدة دول هي قطر، الجزائر، مصر، العراق، الامارات، لبنان، وتسجل كل منهم 9.3، 8.6، 8.5،8.3، 7.9،7.9 على الترتيب

– ان اقل الدول العربية تسجيلا للمصابين بالفيروس هى دول سوريا وليبيا والسودان والصومال حيث لم يتعد اعداد المصابين بأى من هذه الدول كل على حده 10 مصابين.

– بعض دول الوطن العربي لم تسجل اى حالات من حالات الاصابة بالفيروس وهى اربع دول هى : اليمن وجزر القمر وموريتانيا و جيبوتى.

ومما يلاحظ ان المصابين يتركزون فى الدول العربية ذات التبادل البشري الكبير سواء لاعتبارات دينية او سياحية او تجارية ويقل عددهم فى الدول شبه المغلقة بشريا اى انها حكر على سكانها فقط..

وبمقارنة اعداد المصابين بالوطن العربي ككل بعدد المصابين فى بعض الدول الاخري كالصين وايطاليا وفرنسا واسبانيا والولايات المتحدة الامريكية يتضح جليا مدي انخفاض اعداد المصابين بالوطن العربي، فماذا لو تمت مقارنة اعداد المصابين فى كل دولة من دول الوطن العربي كل على حده بأعدادهم فى الدول السالفة الذكر سيتضح ان الفارق كبير جدا جدا واننا دول بدون كورونا والحمد لله.

وحتى تتضح الصورة و يكتمل احد اركانها كان لابد من معرفة عدد المصابين فى كل دولة من دول الوطن العربي بالنسبة لعدد سكان هذه الدول او ما يعرف بمعدلات الاصابة بالمرض Morbidity Rate ، على اعتبار ان الاعداد المطلقة للمصابين – رغم اهميتها – إلا انها فى حاجة الى عناصر تحليلية اخري لزيادة الفهم والاستيعاب ومن ذلك يتضح:

– اختلاف الترتيب التنازلي للدول العربية بالنسبة لعدد المصابين بفيروس الكورونا المستجد لكل 100ألف نسمة فى كل دولة من دول الوطن العربي، عن الترتيب التنازلي لهذه الدول الذي يوضح الاعداد المطلقة للمصابين، مما يشير الى ان الاعداد المطلقة للمصابين لا تتناسب وأعداد السكان فى بعض الدول التى يوجد بها الفيروس؛ فبعض الدول ذات اعداد السكان الاقل لديها عدد كبير نسبيا من المصابين و العكس صحيح.

– تسجل البحرين ترتيب متقدم عند مقارنة عدد المصابين بها الى اجمالي السكان.

– تأتى كل من قطر ولبنان والكويت والامارات فى ترتيب تالى لدولة البحرين ومن الواضح ان كل هذه الدول لديها عدد سكان محدود وعدد غير قليل من المصابين بفيروس كورونا المستجد.

– رغم زيادة عدد المصابين نسبيا فى بعض الدول كالجزائر، مصر، العراق، إلا ان نسبة المصابين لكل 100 الف نسمة تكاد لا تذكر، ويعزى ذلك الى ضخامة عدد سكان هذه الدول

خلاصة الخاطرة:

من خلال التحليل الومضى السابق للكورونا فى العالم العربي يتضح ان الدول الاكثر اصابة بفيروس الكورونا هى تلك الدول ذات الاحتكاكات البشرية الكبيرة والتى يفد اليها اعداد ضخمة من السكان سواء لأسباب دينية كالسعودية او لأسباب سياحية كما هو الحال فى مصر ولبنان وتونس والمغرب والإمارات او لأسباب تتعلق بالعمالة الوافدة كما فى الكويت والبحرين او لقربها من بعض البؤر الرئيسية للفيروس كما هو الحال بالنسبة للعراق والبحرين..

وعليه فان الخاطرة تؤيد التقليل من عملية الحركة من والى هذه الدول بل وقفلها تماما، الى جانب المنع الحتمى من الاحتكاك والاختلاط البشري داخل الدولة الواحدة من خلال تفعيل العزل الطبيعى لمنع نقل العدوى بقدر الامكان لحين القضاء على فترة حضانة هذا الفيروس وهى فترة نسبية..!!!

* استاذ في جامعة سوهاج – مصر

المقال نشر على حائط الكاتب في الفيسبوك بتاريخ 5 إبريل/نيسان 2020

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى