العرض في الرئيسةفضاء حر

ماذا تبقى من الأمم المتحدة؟

يمنات

د. عبد العزيز المقالح

  1. أعتقد أنه آن الأوان لتصحيح وضع المنظمة الدولية التي تحمل اسماً حالماً وبعيد المنال هو “الأمم المتحدة” والاعتراف بأنه لم يبق شيء منه يستحق البقاء.

    وقبل التصحيح المطلوب يحسن نقل مقرها إلى دولة لا يكون لها أدنى نفوذ أو تأثير على قراراتها، وأزعم أن هذا قد صار مطلباً عالمياً باستثناء دولة المقر الحالي بعد أن نجحت بمرور الوقت في تحويل هذه المنظمة الدولية إلى إدارة تتبع وزارة الخارجية، فضلاً عن أن مئات القرارات المجمع عليها لا تجد طريقها إلى الصدور إلاّ بموافقة دولة المقر، أما التنفيذ فمتروك للظروف وحدها؛ والمئات من القرارات المجمدة في أدراج هذه المنظمة، وأغلب هذه القرارات تتعلق بالقضية الفلسطينية مما أساء وما يزال يسيء إلى منظمة أممية كان من شأنها حل القضايا الكبرى والتخفيف من التوترات القائمة بين الشعوب. وفي ميثاقها ما يكفل للبشرية حياة مستقرة تجعل من هذه الأرض القلقة واحة خالية من كل أشكال التنازع والعدوان.

    وهناك ما يسنه الإجماع على أن هذه المنظمة الدولية هي السبب في استشراء الصراعات الدائرة في كثير من شعوب العالم، وأنها تتحمل وزر ملايين الضحايا إذ كان في مقدورها أن تستخدم بعضاً من حقها المنصوص عليه في الميثاق الأممي المتفق عليه بالإجماع وأن لا تترك الأمور تصل إلى ما وصلت في أكثر من مكان ومنطقة في العالم، وأن تدرك أن ضحايا الصراع والاحترابات هم الأطفال والنساء والعجزة. وما يثير الفزع يتمثل في تلك القرارات التي تصدر عن هذه المنظمة ولا تجد من يعطيها أي التفات وكأنها صادرة عن قسم شرطة في أية مدينة من مدن العالم الثالث. يضاف إلى دواعي الفزع ذلك الصمت المريب الذي تمارسه هذه المنظمة تجاه تجاوزات غير مسبوقة تمس أبسط حقوق الإنسان التي تأخذ الجزء الأكبر من ميثاق الأمم المتحدة الذي أثبتت الأحداث الراهنة أنه صار حبراً على ورق ولم تعد حتى هذه المنظمة تتذكره أو تنظر إلى بنوده الواضحة والملزمة.

    لقد كان لهذه المنظمة في بداية ظهورها شأن كبير وأفادت من الازدواجية العظيمة في تحقيق بعض الإنجازات، وكان لها مواقف حاسمة في بعض الشؤون الدولية لكنها تحولت إلى منظمة روتينية مدجّنة، واتجهت في المراحل الأخيرة إلى العناية بالعائدات المالية والترقيات في الوظائف وتفريخ منظمات صغيرة تابعة لا معنى لها ولا جدوى. ولعل الانصراف إلى هذه الأمور الإدارية والانشغال بها قد أنسى المنظمة العالمية واجبها ودورها في النظر بحزم وموضوعية إلى الحروب الدائرة هنا وهناك، وإلى التوازن الظاهر منها والخفي بين بعض الدول الكبرى وما قد تؤدي إليه من خلل في التوازنات والتمهيد لحروب من الوزن الثقيل أو بالأحرى حروب لا تبقى ولا تذر، وكل ذلك يحدث على مرأى ومسمع من منظمة عالمية مهمتها تذويب الخلافات والحفاظ على أمن العالم وسلامته.

    ولعل أسوأ ما ارتكبته هذه المنظمة التي بات تغييرها من الضروري بمكان اختيارها لمبعوثين وموفدين من الدرجة العاشرة لفضّ النزاعات القائمة في أكثر من بلد، وقد تابع العالم بقدر من الاستغراب والسخرية دور هؤلاء المندوبين الذين ظهروا فجأة ولا تاريخ لهم في بلادهم أو في المنظمة. وهذا الاختيار العشوائي شكَّل إساءة بالغة لدور الأمم المتحدة من خلال الجهل المطلق الذي يبديه مبعوثيها تجاه القضايا الساخنة والتي كانت تتطلب شخصيات ذات مستوى فكري وسياسي وما يزال العالم يتذكر باحترام مبعوثين أجلاء أمثال: فالدهايم، ورافق بانش، وكوفي إنان، والأخضر الإبراهيمي وغيرهم. والمقارنة بين هؤلاء والمبعوثين الذين أفرزتهم المنظمة في السنوات الأخيرة تؤكد سقوط الدور المناط بالأمم المتحدة وتجاهلها لما يحدث في المناطق المتوترة وما يستدعيه الحال من تأثير وحسن اختيار.

المصدر: خبر

زر الذهاب إلى الأعلى