أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسة

ما وراء نقل البنك المركزي إلى عدن..؟

يمنات

محمد الاحمد

يعدُّ قرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بنقل البنك المركزي إلى عدن أقوى استهداف لآخر رمز لوحدة اليمن الذي مزقته الحرب المشتعلة منذ ما يزيد عن عام ونصف.

فمع بدء العمليات العسكرية لدول التحالف ضد الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، اتفقت الأطراف المتصارعة وبرعاية دولية على بقاء البنك المركزي رمزا لوحدة البلاد، ليتولى إنفاق الميزانية العامة للدولة بصورة شاملة لكل المناطق والأفراد بعيدا عن ولاءاتهم. لكن، ومع فشل محادثات السلام الأخيرة في الكويت، لجأت الحكومة المعترف بها دوليا إلى استخدام هذه الورقة في المواجهة مع خصومها.

ولتحقيق الهدف السياسي من الورقة الاقتصادية، خاطبت الحكومة صندوق النقد الدولي بتجميد أرصدة وأصول البنك المركزي وإلغاء توقيع المحافظ محمد بن همام ونائبه. ولما تجاهل الصندوق هذا الطلب بإيعاز من مجموعة أصدقاء اليمن برئاسة بريطانيا، التزمت الحكومة الصمت. لكنها عادت قبل أسابيع إلى التصعيد ضد قيادة البنك واتهمتها بتبديد الاحتياطي النقدي، والسماح للحوثيين باستخدامه في تمويل عملياتهم العسكرية. وأعقب هذا التصعيد قرارٌ بإقالة محافظ البنك وتغيير مجلس إدارته ونقله إلى العاصمة المؤقتة عدن.

ولأن مجلس الأمن الدولي أكد في آخر بيان له عن الحالة اليمنية رفضه لأي خطوة انفرادية لأي طرف من أطراف الصراع، فإن الدول الراعية للتسوية في اليمن لم تحدد موقفا من هذه الخطوة حتى الان، على الرغم من جملة المبررات التي ساقتها الحكومة. غير أن دبلوماسيين أمريكيين وبريطانيين التقوا رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر، صدرت عنهم تعليقات تشير إلى استيائهم من هذه الخطوة التي ستزيد من تعقيد الصراع، خصوصا أنها أتت وسط تحضيرات تجريها الامم المتحدة لعقد جولة مهمة من مباحثات السلام استنادا إلى مقترحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التي رحب بها الطرفان المتحاربان في اليمن.

وبما أن الخطوة اعتُبرت إقرارا من الجانب الحكومي بعدم جدية الحديث عن حسم المعركة مع الحوثيين وأتباع الرئيس السابق عسكريا، فهي ستؤدي أيضاً إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتدهورة أصلا. إذ إن البنك، وقبل قرار نقله، أصبح عاجزا عن دفع رواتب نحو مليون ونصف مليون من موظفي القطاعين المدني والعسكري، وبالتالي لا يعرف أحد كيف ستتمكن الحكومة من توفير المبالغ الخاصة بالمرتبات أو الآلية التي يمكن بواسطتها صرف هذه المرتبات مع نهاية الشهر الجاري.

و إذا كان البنك قد حافظ على شكل هلامي لوحدة اليمن، فإن المواجهات المسلحة في أكثر من جبهة، والنزعة الانفصالية في الجنوب، ومنع أفراد ما يعرف بـ “المقاومة الجنوبية” المنحدرين من الشمال من دخول هذه المناطق وترحيلهم إن وجدوا، تثير أكثر من سؤال عن قدرة الحكومة على التواجد في عدن وجعلها عاصمة للدولة، وتفعيل قرار نقل البنك المركزي إلى هناك.

و في ظل تأكيد الطرف الآخر المسيطر على صنعاء أن البنك في صنعاء سيستمر في عمله، وأنه سيلجأ إلى صرف المرتبات للمناطق الخاضعة لسيطرته، ويترك أمر المناطق الأخرى للحكومة المقيمة في الرياض؛ فإن ذلك في حال حصوله سيوجه أعنف ضربة إلى وحدة الدولة اليمنية، وسيشرع الباب أمام صراع طويل وانتهاء عهد الدولة اليمنية الواحدة.

و لأن التوصل إلى حل سياسي سريع سيساعد على تجاوز هذه الخطوة ويمنع الذهاب نحو التقسيم، فقد عقد وزراء خارجية المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، والسعودية، والإمارات في نيويورك يوم 21 سبتمبر/أيلول 2016 اجتماعا جديدا، أعادوا فيه تأكيد التزامهم بإيجاد حل سلمي للصراع في اليمن والتخفيف من المعاناة الإنسانية للشعب اليمني.

وزراء خارجية الدول الأربع الفاعلة في الحرب ضد الحوثيين والرئيس السابق أعلنوا تأييدهم الكامل للمبعوث الخاص باليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد وخريطة الطريق التي اقترحها للتوصل إلى اتفاق شامل استنادا إلى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرارات مجلس الأمن الدولي، فضلا عن نتائج مؤتمر الحوار الوطني.

و رأى هؤلاء الوزراء أن الاتفاق المقترح مع ترتيبات أمنية وسياسية متسلسلة، سيوفر أساسا متينا لوضع حد للنزاع المسلح وتعزيز الاستقرار، ودعوا الأحزاب اليمنية الى العمل وبشكل وثيق مع المبعوث الدولي وعلى وجه السرعة للتوصل إلى اتفاق على هذا الأساس. لكنهم طالبوا الحكومة اليمنية و”أنصار الله”، وحزب “المؤتمر الشعبي” الذي يقوده الرئيس السابق بالقيام بكل ما هو ضروري لتحقيق انتقال سياسي سلمي ومنظم. ورفضوا الخطوات أحادية الجانب من قبل الطرفين، بما في ذلك الإعلان عن تشكيل المجلس السياسي الأعلى؛ لأنها لا تؤدي إلا إلى تقويض مسار التسوية.

و في تشديد على رفض الخيار العسكري، أعرب الوزراء الأربعة عن قلقهم إزاء الأوضاع الاقتصادية في اليمن والتطورات الأخيرة المرتبطة بالبنك المركزي. وأكدوا أهمية أن يعمل البنك المركزي لخدمة مصالح جميع اليمنيين، وهي كانت أقوى إشارة إلى رفضهم استخدام البنك من جانب الحكومة كورقة في الصراع.

و دعا الوزراء إلى عودة فورية إلى وقف كامل للأعمال العدائية، استنادا إلى ما تم الاتفاق عليه في 10 أبريل / نيسان الماضي بدءا من وقف لإطلاق النار لمدة 72 ساعة للسماح المبعوث الخاص للأمم المتحدة بالبدء بالتحضير للمحادثات. وأعربوا ايضا عن قلق خاص. ودعوا إلى وقف فوري لجميع الهجمات عبر الحدود على الأراضي السعودية، بما في ذلك الصواريخ البالستية.

و لتجنب المزيد من المعاناة الإنسانية والتدهور الاقتصادي، دعا وزراء الخارجية جميع الأطراف للسماح بالوصول الآمن والسريع ومن دون عوائق للإمدادات الإنسانية إلى جميع المحافظات المتضررة، بما في ذلك محافظة تعز، وتسهيل وصول الواردات الأساسية من الغذاء والوقود والإمدادات الطبية وتوزيعها في جميع أنحاء البلاد.

المصدر: روسيا اليوم

زر الذهاب إلى الأعلى