باب الجنة بمصراعين

أسترعى إنتباهي ما توصل إليه الشيخ عبدالمجيد الزنداني القيادي البارز في حزب التجمع اليمني للإصلاح من معرفة مقاس المسافة بين مصراعي باب الجنة ، وأعتبر ذلك بانه آخر ما توصل إليه العلم في الإعجاز النبوي وذلك بحسب الحديث الذي جاء في صحيح مسلم: عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " …. والذي نفسُ محمد بيده إن مابين المصراعين من مصاريع الجنة لكَما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبُصرى" والمعجزة كما قال الزنداني في مؤتمر صحفي عقده مؤخراً ، هي أن المسافة متطابقة بين مكة وهجر ، ومكة وبُصرى ، وطول مساحة الباب كما ذكر 1273 كيلو متر ، حيث أنه من المتعذر على الرسول محمد (ص) أن يعرف هذا التطابق في ذلك الزمان الذي لم يكن يتواجد فيه مسح جوي أو آليات حديثة للقياس.. كما أفاد الشيخ الزنداني.
لكن بعد متابعتنا للقصة كاملة وجدنا أن طريقة إحداثيات الجي بي إس على الشبكة العنقودية تحدد المسافة بين مكة وهجر على انها 1210 كيلو متر ، وبين مكة وبُصرى 1272 كيلو متر ، أي بفارق 62 كيلو متر أو 38 ميل. وهو فرق كبير نسبة إلى معنى التطابق أو الإعجاز الحقيقي الذي أكد عليه الزنداني ، وهذا يعني ـ إن كان الحديث ـ حديث صحيح فربما أنه كان من باب التقريب المجازي ليس إلا ، وليس التطابق المادي ، وهذا التقريب جائز للإستدلال ـ والحديث النبوي مليء بالتصوير والتشبيه ـ فبالإمكان ، في زمن الرسول محمد (ص) او حتى ما قبل هذا التاريخ ، قياس المسافة بالتقريب وذلك من خلال رحلات التجار المتواصلة لنقل البضائع شرقاً إلى البحرين وما جاورها التي تقع فيها هجر ، وشمالاً إلى سوريا التي تقع فيها بُصرى. إذن أين هو الإعجاز في ذلك؟؟!
هذا بالإضافة إلى أن هذا الحديث يتناقض مع حديث آخر عن الرسول لو سلمنا بالتطابق المادي لنصوص القرآن والحديث وهو: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قال الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين مال عين رأت ولا أذن سمعت ولاخطر على قلب بشر" و يتنافى أيضاً مع النص القرآني الصريح وهو {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم "وجنة عرضها السموات والأرض" أعدت للمتقين} آل عمران 133.
إذن فالشيخ الزنداني وأمثاله ومن لف لفيفهم قد وضعوا المسلمين في حيرة من أمرهم ، وهي كيف يمكن أن تكون الجنة مال عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، بينما ان المسافة والصفة لباب الجنة بمصراعين قد تم تحديدهما بهذه الدقة وهذا التطابق الذي أظهره لنا الشيخ الزنداني في مؤتمره الصحفي !!؟ فيما القرآن الكريم يقول أن "الجنة عرضها السموات والأرض" فكيف لنا أن نستوعب أن نصل إلى مفهوم محدد عن الجنة التي عرضها السموات والأرض كما جاء في القرآن الكريم إذا كانت في حالة تساوق مادي مع مسافة بابها المحدد والثابت والمعلوم شديد الصغر ـ كما طرح الشيخ الزنداني ـ نسبة إلى مساحة ليس لها حدود وهي عرض السموات والأرض؟!!!.
بيد أنه عندما تابعنا تاريخ هذه القصة وجدنا أنها ايضاً ليست جديدة ، كما قال الشيخ الزنداني ، بل أنه قد تم نشرها قبل سنوات عديدة ، لكنه أصر في حديثه ، بأن الإعجاز العلمي عملية يومية وأن ثمة جديد يأتيه كل يوم في إشارة ضمنية إلى حداثة هذه القصة التي يقوم حالياً بنشرها وإطلاع الناس عليها بمن فيهم رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي خلال مقابلته الأخيرة له حيث قال بأن الورقة الصفراء التي كان يحملها بينما كان يتحدث إلى الرئيس كانت هي نفس الورقة التي تشرح تفاصيل الإعجاز وليست قائمة الأسماء بعناصر القاعدة كما رُوج لذلك من قبل الصحافة. لاحظوا ـ نفس الورقة التي تحمل تفاصيل الإعجاز بحسب الزنداني لها علاقة بعناصر القاعدة!!!.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، هو .. ما أهمية التوقيت للإعلان عن هذه القصة المفركة والركيكة في هذا الظرف بالذات الذي تمر به عموم البلاد من تفجيرات ومفخخات وعمليات إنتحارية يقوم بها مراهقون تتبناهم تنظيمات إرهابية لإغتيال بعض الشخصيات وقتل المواطنين ، خاصة عندما نسمع الزنداني وهو يؤكد لنا بأن "نعلم بأن الذي أخبر بالمسافة بين مصراعي باب الجنة صادق وأن خبره على مابداخل الجنة أيضاً صادق" أي التأكيد بإصرار على وجود الجنة وما فيها من وعود جاء ذكرها في القرآن والسُنة ، وكأن ثمة من يشكك أو يشك بوجود الجنة أو ما تحويه ، ويحتاج إلى نوع من التأكيد والطمأنه والدعم المعنوي والنفسي ليقوم بعزم وجدارة بما تم تكليفه به من إرهاب وهو مطمئن على مستقبله.
ولسنا هنا بصدد تكذيب الحديث أو ماشابه ذلك ، ولكننا بصدد التساؤل عن أسباب الترويج له في هذا الوقت بالذات وإستغلاله في حكاية مفبركة رغم المرور عليها أعوام طويلة!.. خاصة عندما نعرف أنه ليس فيها إي إعجاز أو أي شئ من هذا القبيل.
فما أردت بهذا الإعجاز مثلا ياشيخ ، فكم كان حريٌ بك ، وما كان أحوجنا بدلاً عن ذلك بأن تعجزنا وتذكرنا ـ خاصة في هذه الأيام العصيبة التي تمر بها بلادنا ـ بشئ عن عذاب جهنم ـ قرآنياً أم نبوياً ـ معجزة تُرهب بها المجرمين تتعلق بعذاب النار وعقوبة كل من يفسد في الأرض ويقطع الطريق ويمارس الخطف والإرهاب ويسرق وينهب المال العام والخاص ويغتصب أموال الناس وبيوتهم وأراضيهم ، ويحرض ويخطط لعمليات الإغتيال والقتل المتعمد ويستخدم الأطفال دروعاً بشرية ويخرب شبكات النور والكهرباء وغير ذلك من العمليات الإجرامية التي تستهدف الإنسان. كان من باب أولى تذكيرهم بعذاب جهنم وبئس المصيرعلى أن تبشرهم بالجنة وبنات الحور أم أنكم تؤمنون بالجنة وتكفرون بجهنم؟ {إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون}.