فضاء حر

بين تجربتين إسلاميتين في مصر والجزائر: ديمقراطية مؤقتة من أجل ديكتاتورية دائمة

يمنات

يبدو أن الإخوان المسلمين في مصر في طريقهم إلى النجاح في ما لم تنجح فيه كليا جبهة الإنقاذ الإسلامية بالجزائر قبل عقدين: تبرير تدخل الجيش في الحياة السياسية وإجهاض التجربة الديمقراطية الوليدة في بلدهم.

دعوة وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي اليوم للقوى السياسية والإعلاميين والفنانيين والرياضيين لحوار سياسي موسع للخروج من الأزمة السياسية الحالية في مصر قد يكون أول تدخل عسكري في الحياة السياسية في مصر، وقد تكون تبعاته بالغة الخطورة على التجربة الديمقراطية الوليدة للتو في هذا البلد العربي والشرق أوسطي الهام. وعلى الرغم من الفوارق والاختلافات الكثيرة بين التجربتين الديمقراطيتين في مصر اليوم والجزائر قبل عقدين، إلا أن أداء الإسلاميين فيهما يبدو قاسما مشتركا كبيرا يدعونا للالتفات إليه.

فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر بأغلبية ساحقة في انتخابات 26 ديسمبر 1991 التشريعية فانقلب الجيش عليها بقرار ألغى الانتخابات في 12 يناير 1992، ووئدت تجربة الانفتاح الديمقراطي الوليدة حينها في الجزائر حتى الآن. وفاز الإخوان المسلمون بالانتخابات التشريعية والرئاسية في مصر بعد ثورة 2011، لكن من انقلب على التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر الآن هم الإخوان المسلمون أنفسهم من خلال الإعـــلان الدستوري (الدكتاتوري في الواقع) الذي أصدره الرئيس محمد مرسي ومن خلال الدستور غير التوافقي الذي تمضي الحكومة في عملية التصويت عليه السبت القادم رغم كل هذه الاحتجاجات الشعبية الرافضة له! ويبدو أن هذا قد فتح وسيفتح الباب واسعا أمام تدخل المؤسسة العسكرية المصرية في الحياة السياسية وإجهاض التجربة الديمقراطية المصرية الفذة بعد ثورة 25 يناير 2011.

 

بوادر هذا التدخل ظهرت اليوم في صورة دعوة من وزير الدفاع المصري لكافة القوى السياسية والمدنية للحوار الموسع في القرية الأولمبية التابعة لوزارته مساء غد الأربعاء للخروج بحل للأزمة الراهنة. ورغم الفوارق بينهما وبين لحظتي وظرفي بلديهما، إلا أن حضور الوزير عبدالفتاح السيسي بهذه الدعوة يذكرنا بحضور نظيره وزير الدفاع الجزائري خالد نزار في اللحظة الجزائرية قبل نحو عشرين عاما من لحظة مصر اليوم.

الانتفاضة الشعبية الجزائرية في 5 أكتوبر 1988 ضد الدكتاتورية والفساد والقمع والظلم السياسي والاجتماعي صنعت نقطة تحول كبرى في تاريخ الجزائر أدت إلى تغيير كبير في سياسة النظام الحاكم نتج عنه قرارات إصلاحية دعمت الانفتاح في المجالين السياسي والاعلامي. انفتح الباب الجزائري أمام التعددية الحزبية وحرية الإعلام، تأسست الأحزاب وصدر الكثير من الصحف.

وفي السياق نفسه، ظهرت الجبهة الإسلامية للإنقاذ على وجه الساحة كحزب إسلامي معارض وقوي حاز على نتائج مهولة في الانتخابات الديمقراطية التي شهدتها البلاد في مرحلة التعددية بعد انتفاضة اكتوبر 1988.

أول انتخابات نظمت في مرحلة التعددية كانت انتخابات المجالس البلدية الولائية التي افرزت فوزا كبيرا للجبهة الإسلامية للإنقاذ: 953 مجلس بلدي من اصل 1539 و32 مجلس ولائي من اصل 48 مجلس ولائي. وفي 26 ديسمبر 1991، فازت الجبهة الإسلامية في الانتخابات التشريعية بأغلبية ساحقة وصلت إلى 82 بالمائة أي بواقع 188 مقعدا من اصل 231 ووصلت الى مصدر القرار التشريعي.

لكن، وبخلاف ما سيحدث في مصر بعد عقدين، لم يكن موقع الرئيس شاغرا. كان الشاذلي بن جديد ما يزال رئيس الجزائر. غير أن هذا الصعود الديمقراطي للجبهة الإسلامية للإنقاذ لم يبقه في كرسيه سوى قرابة أسبوعين.

"في 11 يناير 1992، اعلن الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد اسقالته فجأة من رئاسة الدولة (يعتبر الكثير انه دفع إليها بضغط من الجنرالات)". وطبقا لموقع ويكيبيديا، فقد "اتبع ذلك انتقال السلطة إلى المجلس الأعلى للدولة الذي كان في يد العسكر برئاسة وزير الدفاع خالد نزار الذي اتخذ يوم 12 جانفي 1992 قرار إلغاء الانتخابات واتبع بإعلان حالة الطوارئ بسبب انهم رؤوا ان فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ هو تهديد للتجربة الديموقراطية الفتية خصوصا بعدما كانت الجبهة قد ابدت رغبتها في ادخال كثير من التعديلات على الدستور ليوافق الرؤية الإسلامية للحزب، إضافة إلى استغلال الخطاب العنيف والتحريضي لبعض رموز الحركة خصوصا من الذين التحقوا بالجبهة بعد عودتهم من الجهاد في أفغانستان والذين كانوا تبنوا الاتجاه الصدامي مع الدولة نتيجة ما حدث قبل الانتخابات من مضايقات للحزب وهو ما استغله النظام ضد الجبهة الإسلامية لتخويف الشعب مما قد يحدث بعد استلامهم للحكم".

المخاوف الافتراضية التي استخدمها وزير الدفاع الجزائري خالد نزار دون أية وقائع وأي واقع قبل 20 عاما لا يحتاجها وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي اليوم رغم مباركة الرئيس الإخواني محمد مرسي له. فقد تكفل الإخوان المسلمون بتوفير كل المبررات والحجج ومهدوا الطريق كله أمام المؤسسة العسكرية المصرية للانقلاب على الديمقراطية وإعادة مصر إلى الديكتاتورية العسكرية وإن بتحالف مع الإسلاميين هذه المرة.

الإعلان الدكتاتوري الذي أصدره مرسي ثم تراجع عنه جزئيا منحه سلطات مطلقة وغير مسبوقة في تاريخ مصر. فلم يسبق أن تجرأ رئيس قبل مرسي على وضع سلطة القضاء في يده على هذا النحو في تاريخ مصر ما بعد ثورة يوليو 1952، بدءا من جمال عبدالناصر ومرورا بأنور السادات وانتهاء بحسني مبارك. والدستور المزمع التصويت عليه صيغ من قبل الجمعية التأسيسية التي حصن مرسي قراراتها بالإعلان الدكتاتوري، وهي جمعية معظمها من الإسلاميين.

 

ويغلب على خطاب الإخوان وحلفائهم السلفيين الداعي للتصويت على الدستور المصري الجشع الإستحواذي على السلطة بمساعدة تعنت وصلف مدعومين بتحريض تكفيري وإرهابي إسلامي متطرف لا يدفع إلى أي اتجاه آخر سوى اتجاه الاحتراب الأهلي الهادف إلى تسليم سلطة ورقبة الشعب المصري لقبضة العسكر.

 

يبدو أن مشكلة الإسلاميين مع الديمقراطية أعمق مما نعتقد. فهم يستخدمونها كســـلَّم مؤقت للوصول الى السلطة، ثم بمجرد وصولهم إلى قمة هرم السلطة يكون أول ما يفعلونه هو إسقاط الســلّم الديمقراطي "المؤقت" أرضا. لكن هذا السلم لن يسقط على رأس الشعب فقط بل على رأسهم أيضا، ولعل هذا هو حكم الدكتاتورية.

القاسم المشترك الذي يقودنا إلى نتيجة مأسوية بين تجربتين في مصر والجزائر يقول التالي: يبدو أن الإسلاميين لا يوفرون جهدا في صنع الانتكاسات الديمقراطية للشعوب والبلدان التواقة للحرية في شتى الظروف والمحطات التاريخية من خلال استخدامهم الديمقراطية كســلَّم مؤقت من أجل الوصول الى الديكتاتورية. وحين لا يستغل العسكر شعاراتهم الفارغة من أجل إحراز الانقلابات الدكتاتورية على التجارب الديمقراطية الوليدة، فإن الإخوان المسلمين أنفسهم يوفرون للعسكر كل المبررات الكافية للانقلاب على الديمقراطية من خلال استخدامهم (الإسلاميين) لكل المواد والماكينات الديمقراطية المتوفرة في عملية "سَـــــفْـلَـتَـــــة" الطريق السريع إلى الديكتاتورية.

من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى