أرشيف

الرغيف هو الزعيم..قائد الحراك الشعبي في عموم اليمن

مواجع الحاجة إلى الرغيف لا يستطيع الإنسان أن يتحملها طويلاً والأمر بات خطيراً،والفقراء وحدهم الذين يشعرون مبكرا بخطورة الحال القادم.

عند مرورك من أمام وزارة الدفاع باتجاه الشارع المسمى باسمها سيدهشك ذلك الزحام الشديد الذي أصبح مألوفاً منذ شهور، أبواق السيارات التي تعبر الخط لا تتوقف عن الزعيق تختلط معها أصوات متعالية من أشخاص يقفون في عدة طوابير أمام المؤسسة الاقتصادية، يتزاحمون جميعاً لغرض شراء (كيس الدقيق).

 الساعة ما تزال السابعة صباحاً،وهم قد أخذوا أماكنهم في الطوابير المتعددة،في انتظار المؤسسة الاقتصادية أن تفتح أبوابها،وتجدهم في صراع وجهاد في المحافظة على أماكنهم في الطوابير، أحدهم جلب أولاده الصغار معه حتى إذا تعب من الوقوف في الطابور،خلفه أحد أبنائه وهكذا يحافظون على دورهم.

 ثمة طابور خاص بالنساء تسمع أنينهن وخلافاتهن على بعد مسافة منهن إحدى النساء كان يرافقها طفلها تعبت من الوقوف والانتظار طلبت من طفلها أن يخلفها في الطابور تعترض امرأة أخرى قائلة (ما به الا يسير بين الرجال) تجيب عليها ( اتقي الله يا أختي عمره 12سنه عاده صغير أني تعبت من السناب) ثم تتدخل أخرى ويتطور الخلاف.

أبواب المؤسسة الاقتصادية في منطقة باب اليمن أصبحت مكاناً يشد الانتباه ويجبرك على قراءة وضع مأساوي،يوصلك إلى الحزن ومغادرة المكان وأنت ترثو هؤلاء المساكين الواقفين في الطوابير من الصباح الباكر وكل ما يريدون تحقيقه شراء (كيس القمح) بفارق سعر ضئيل.

أوجاع الطوابير

أصبح الناس على قناعة أن الحكومة لا تعول عليهم ولاتضرب حسابا لأوجاعهم ولا تناقش مشاكلهم ولا تبحث عن حلول تكسب من خلالها رضاهم.

هذا ما تبين من خلال اللقاء بالأشخاص الذين يقفون بالطوابير أغلبيتهم كان ردهم «ما عتفعلوا لنا من هو عاد يستمع من المسئولين كل واحد يبسر نفسه دولة».

(مرتضى مطهر) 46 عاماً من سكان أمانة العاصمة تدخل في الحديث معي وأنا أتلمس أوجاع الطوابير قائلاً  «الكيس الدقيق بثلاثة آلاف وخمسمائة ريال + تعطيل عمل وانتظار وجهاد + حق الحمالة والمواصلات وأنه أصبح يكلف ستة آلاف ومائتين ريال تقريباً وأحياناً يكون نوع الدقيق رديء مثل اليوم دقيق (السهول) هذا مليء بشوائب وما هوش نقي، تستطيع تقول دقيق درجة ثانية ومع هذا بنفس السعر ما فيش فرق» .

(عبد العزيز جميل) مدرس يسكن في أمانة العاصمة قال «لم يعد لنا خيار، علينا أن نشتري الدقيق الحاصل، جيد كان أم رديء، يقول بعض الناس أنهم يصرفون الدقيق الجيد لأصحاب الأفران وبعض التجار بسعر 6,000 ريال وأنا شخصياً أرى أن مبلغ مبلغ 6,000 سعر الكيس لأصحاب الأفران غالي بعد أن حددوا لهم الكيلو الروتي أو الرغيف 180 ريالا،لأنهم سيبيعون الكيس بـ 8,000 ريال وعليهم أجور عمال وديزل لهذا أصحاب الأفران لم يلتزموا والمواطن لم يطالبهم بالالتزام بالسعر الذي حددته لهم الدولة».

(عبد الرحمن القفوع) عامل 38 عاماً قال أيضاً «الكيس الدقيق وزنه فيه تلاعب؛ بعض الأكياس يكون وزن الكيس 48 كيلو ونادراً يكون 49 كيلو ما قد لقينا كيس وزنه 50 كيلو مضبوط».

(شوقي شائف) 40 عاماً موظف قال «الأسر التي تشتري الدقيق الأبيض هي لا تعتمد عليه كاملاً، احنا نخلطه مع الدقيق الأحمر الذي هو سعره أقل وإلا كانت مشكلة إذا كنا نستخدم الدقيق الأبيض صافي بدون خلط لكن الأفران هي التي تستخدمه صافي ولهذا ازداد الطلب عليه وارتفع سعره، ثم أضاف "أنا مثلاً أحياناً أشتري رغيف جاهز من السوق وإلا ما يكفينا كيس دقيق كل 15 يوماً. أصبح الدقيق هم كبير علينا، أقسم بالله أني في إحدى الليالي قمت من النوم أتفاقد السطل الذي نسكب فيه الدقيق وأعين كم باقي لي أيام وأجي أطوبر باب المؤسسة».

بيع المكان

(حسين ردمان) 50 عاماً عامل في القطاع الخاص قال«فوق هذا كله توجد ممارسات (تقرح القلب) يوجد أشخاص في الطوابير لا حاجة لهم في الدقيق وإنما يطوبر من أجل يبيع مكانه حين يصل مكانه قرب باب الصرف والطارفي يشتري منه بـ 200 ريال وهناك عسكر متفقين مع الصرافين حق الدقيق يصرفوا لهم الدقيق يبيعوه مباشرة للناس الواصلين واللي ما يشتوا يطوبروا بملبغ6,200ريال وكذلك يشتروا منهم بعض التجار، قبل أسبوعين (طفحت) ودخلت داخل المؤسسة أبحث عن مسئول أشتكي له ما لقيت إلا واحد جالس فوق مكتب شكيت له قال لي المؤسسة حق العسكر «وجحا أولى بلحم ثوره».

طابور النساء

طابور النساء أيضاً كان مزدحماً ومجرد أن هممت بالتصوير صاحت عجوز«أمانة لا تصور، عيب احنا نسوان سير لاعند المسئولين، بكرت معلق الشنطة فوق كتفك سع النصراني» ثم أضافت امرأة أخرى «للمه تجوا عندنا احنا مطوبرين من أجل لقمة لجهالنا سيروا عند المسئولين اسألوهم لو نسوانهم مطوبرات معانا هل كانوا با يرضوا بهذا الحال».

قال لي رجل مسن كان قريباً من طابور النساء «قد الحالة يعلم بها ربي، قبل أسبوعين إحدى النساء المطوبرات توفقت بشراء كيس ومن الفرحة وهي تسحب الكيس وتبحث عن صاحب عربية وكانت العربية خلفها فاصطدمت بالعربية من الخلف ودخلت قدمها اليسرى في إحدى أعمدة العربية ففقدت توازنها وسقطت فكسرت ساقها وصرخت بصوت عالي من الألم كان الموقف مغجع لم يعتاد الناس عليه في اليمن ولم يستطع الرجال الاقتراب من أجل إسعافها وهرت النساء وهن يتباكين من أجل حملها إلى الباص الذي سيتم إسعافها به، كانت تردد «يا رفقاه من لجهالي اتصلوا بأخواني وزوجي يشتغل في حضرموت عسكري مسكين الفقير يا ربي يموت وهو مهتان يا رفقاه جهالي عادهم صغار».

وأضاف هذا الشيخ المسن«المسئولين يستهينوا بغلاء الدقيق!! هو الخبز وهو الرئيس والقائد وهو الذي عا يخلي الشعب يتظاهر في الجنوب والشمال. الرئيس طيب بس قد هوه معمي من اللي جنبه مطلفسين بيكذبوا عليه هذا يكرهك وهذا ما يشتيك والدنيا سابره وهؤلاء كذابين بيصدق لهم وعيضيع كرهته الناس من تحت رؤسهم ولا كانو الناس كلهم يحبوه».

الأفران

بعد لقاءاتنا بالمواطنين زار موقع «يمنات» عددا من الأفران بأمانة العاصمة من أجل الوصل إلى الحقيقة ومعرفة حجم القضية وخطورتها.

وتبين لنا من خلال الزيارات الميدانية والإلتقاء بأصحاب الأفران أن أغلبية الأفران عازمة على الإغلاق وبعضها قد أغلقت أبوابها.

في منطقة شميلة قال يوسف علي الريمي صاحب فرن نشتري الكيش الدقيق من نوع السنابل أمريكي بمبلغ 6600 ريال ومطلوب منّا أن بيع الكيس ب 8000 ريال بزيادة 1400 ريال نصرف مقابلها إيجار محل وأجور عمال وضرائب محل وضرائب عن العمال وديزل وكهرباء أصبح العمل (ما يخارجش) خاصة الأفران التي تشتغل في اليوم أقل من خمسة أكياس.

ويضيف: أنا كان عندي فرن في مذبح يشتغل 4 أكياس في اليوم أقفلته وريحت نفسي،وفي منطقة الصافية قال أحمد منصور صاحب فرن كان عندي فرنين أغلقت واحد وباقي واحد أعمل فيه منتظرين فقط على أمل الوضع يتحسن أصبح عملنا مجرد مضيعة للوقت أرتفعت أسعار الدقيق بشكل جنوني ولم نرفع سعر الروتي أو الرغيف ومع هذا الدولة سعرت تسعير غير مسؤول ولم توجد حلول مقبوله للجميع.

لو الدولة توفر دقيق لمخابز بسعر دقيق المؤسسة بشرط أن يكون دقيق جيد دقيق السانل وتعفى المخابز  من الضرائب ممكن يحصل نوع من التحسن ونقول الحمد لله أن في اليمن لا يوجد أعتماد كبير على الأفران 100 ٪ وإنما 70 ٪ لأن أغلبية الناس ما زالت تخبز في البيوت وبعض المطاعم عندها مخابز خاصة مثل الرشوش، هذا خفف الضغط نسبياً ولاهناك أفران عديدة توقفت عن العمل.

وفي منطقة باب اليمن قال سعيد السعدي صاحب فرن نحن نشتري الدقيق من التجار والدقيق الذي نستخدمه هو نوع السنابل أما دقيق المؤسسة حتى لو اعطتنا سنرفض استخدامه لأنه دقيق ردئ، أنت تحسب أن المؤسسة تبيع بخساره أو ربح بسيط هي تبيع الكيس ب 5800 ريال من نوع دقيق السهول يخلي الخبز ناشف وليس نقي هو نوع أمريكي مثل السنابل بس درجة ثانية وربما ثالثة ومع هذا توهم المواطن أنها تبيع بأسعار رخيصة رغم أنه لا يستحق سعره أكثر من 4000 ريال.

في شارع الدائري قال مانع حمود صاحب فرن أن أسعار الدقيق ارتفعت بشكل وفارق كبير وتسعيره الدولة فهمها الأذكياء من أصحاب الأفران كانت التسعيرة هي ضوء أخضر لتلاعب وزيادة الربح فهي سعرت الكيلو 180 ريال ولم تحدد وزن الرغيف الواحد كم يكون وزنه وهي تعلم أن الأفران توزع الروتي والرغيف بالحبة يعني أعطت لصاحب الفرن حرية تحديد وزن الرغيف كان بإمكانها تحديد وزن القرص الروتي بــ 50 جرام وبسعر 15 ريالا، ولن يكون المواطن مظلوم الآن وزن القرص الروتي في السوق مابين 35 – 40 جرام وبعشرة ريال علاوة على أن الأفران الكبيرة حق مسؤلين التي تبيع الروتي الفرنسي القرص الصغير الذي يباع بعشرة ريال وزنه من 25 – 30 جرام يعني يصبح سعر الكيلو ب 400 ريال – المواطن متعود يشتري بالقرص ما يجيش بوزن الروتي أو الرغيف كذلك البقالات تشتري منا بالعدد، لو حددوا وزن القرص 50 جرام وراقبوا الوزن سيكون حجم الروتي كبير وثلاثة أقراض ستكون تكفي الشخص البالغ في الوجبه الآن يشتي الواحد 8 – 9 أقراص في الواجبة.

100  ألف سنوياً ضرائب لدولة

في شارع هائل قال قائد علي صاحب فرن نحن ننتظر أن تتحسن الأمور ولا بانغلق المخبز أشعار الدقيق أرتفعت والدولة ترفع الضرائب سنوياً أنا أدفع مبلغ 65 ألف ريال ضريبة ومبلغ 9000 ريال ضريبة عن كل عامل علينا ضرائب متنوعة يروح للدولة 100 ألف ريال سنوياً وايجار المحل 50 ألف ريال والمواطن أصبح مرهق مادياً والدولة لا تستطيع توفير دقيق مخابز بأسعار معقولة وبعد ذلك تفرض تسعيرة كل يوم يمر ونحن نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً من ارتفاع سعر الدقيق أو ينعدم أحياناً لأننا نستخدم دقيق من نوع خاص مثل دقيق السنابل وهذا النوع يعدم أحياناً بحكم  تزايد الطلب عليه، دقيق المؤسسة لا نستطيع إستخدامه لردائته .

المواطنين الذين يترددون على المخبز لشراء الخبز الأغلبية الساحقة لا تطالب الشراء بالوزن ونحن مستعدين للألتزام.

على الدولة أن تعفينا من الضرائب المتنوعة لأنها أصبحت تشكل إرهاق علينا خاصة بعد إرتفاع أسعار الدقيق تبعها أرتفاع إيجار المحلات.

إعادة  النظر

كنت أتمنى أن أذهب للجهات الحكومية لمناقشة هذه المشكلة المعقدة ولكن الجواب تكرر كثيرا في في غير مناسبة من خلال تبرير ذلك بارتفاع الأسعار عالميا .

ويرى اقتصاديون أنه يجب على الحكومة أن تعيد النظر في سياستها تجاه مادة القمح وهي قادرة على ذلك حتى من باب التخفيف الجزئي مما يعانيه المواطن الفقير والكادح مثل العامل الذي يعمل بالأجر اليومي على الأقل تحفظ ماء الوجه وتسلم هذا البلد من خسائر سيتكبدها عند ما يهيج المواطن وعندما يصل إلى طريق مسدود وثورة الخبز حتماً قادمة كما يقول المواطن محمد جميل.

زر الذهاب إلى الأعلى