أحداث صعده.. تعبير عن فشل التنمية
ما حدث ويحدث في صعده وربما سيحدث في مناطق أخرى ، ما هو إلا تعبير واضح عن أزمة فشل النظام الممتد عن توظيف التنمية بأبعادها المختلفة في اجتثاث أسباب التخلف ، وعجزه عن كسر حلقاته واجتثاث ارثه ، وتراثه ، وقهر مخلفاته سواء أكان ذلك على صعيد كل ساحة الوطن ، أو على صعيد صعده ، وبقية المحافظات المماثلة الأكثر تخلفا ، وخطرا على امن واستقرار البلد .
وما جرى ويجري من أحداث دامية مؤسفة مؤلمة في صعده ، من توترات ، واضطرابات ، واحتقان وتوثب على أكثر من صعيد وفي غير إقليم وبقعة ، إنما هو ثمرة مرة ، وحنظل علقم ونتيجة لتخلف الحالة الاجتماعية ، والاقتصادية وغياب المشروع الوطني للدولة المدنية الحديثة العصرية المتجاوزة لنظام الأسرة والقبيلة ، والجماعة التقليدية السلفية ، وهو كذلك محصلة من محصلات العبث بحقوق المواطنة المتساوية والتوزيع غير العادل للثروة وعقابيل النهب ، والسلب ، والعدوان السافر .
ولو انه قد تم ترسيخ وتعميق سياسات التنمية الكلية ، والاستفادة من مفهوم الحرية ، واليات الديمقراطية والقبول بالتداول الديمقراطي السلمي للسلطة ، لامكن اليوم وفي وقت مبكر من عمر النظام المديد أن يقضي على ذلك التخلف العتيد المزمن ويتخلص من أثاره وآثامه ، ومخاطره ، واحتقاناته ، ولتمكن بالتالي من إخراج بعض تلك المحافظات الأكثر تخلفا من ميراث و تراث ذلك الفكر التاريخي الكابح للتطور ، والحداثة ولغادرت الأمة ظلمات كهوف السذاجة والبدائية ، والتحجر والمألوف ، المدمج بالشعوذة ، والدجل والخرافة ، والتجديف الذي ما انفك يعيد إنتاج فكر بدائي ساذج ، يفرز منتجات دعوات العرقية ، والمذهبية والتفوق ، والوشائج الوهمية التي لا يقرها عقل ، ولا يسندها شرع ، ولا يدعمها قانون ، ولا يقبل بها نظام مجتمع مدني ناهض .
إن درجة تطور وعي تلك التكوينات التقليدية ، البدائية ، الساذجة لما قبل مرحلة الدولة ، الكامن بقوة التخلف والعادة والعرف ، والتراث والتفضيل السياسي الذي لقيته مثل تلك الدعوات في ظروف سياسية واقتصادية متخلفة وفي ظل مراحل تطور حكم الإمامة البغيض ، ما برح ذلك الإرث يمنح تلك الشرائح والفئات بذلك الاعتقاد بالتفوق والامتياز ألمناطقي ، والعشائري والمذهبي ويدفعها دوما إلى المطالبة بحقوق وامتيازات على الوطن خارج نطاق شروط المواطنة المتساوية والإنتاج . طالما هي بقيت تعيش حالة ذلك التخلف الثقافي والاقتصادي والوطني . ولن تبرح دعواها تلك وتتجاوزها إلا بإزالة ركام ذلك التخلف المديد وستظل تصر على التمسك بذلك الادعاء المتميز الذي انشاته الصدفة التاريخية ، ووطنته سياسات التفرقة العنصرية ، والمذهبية والطائفية ، وعمقته ظروف وعوامل اقتصادية ، وجغرافية قاسية الأثر على فكر وسلوك ، وطبيعة حياة هذه الفئات .. ولن يتخلى هولاء عن ذلك الوهم الكاذب ولن يغادروا ذلك الموقع إلا بتغيير نمط الحياة البدائية الساذجة ، القاسية ، وتحديث وعيهم الاجتماعي والوطني والحضاري وترقية فكرهم المتحجر الرتيب وتهذيب سلوكهم البدائي ، وإدماجهم في محيط العملية الاجتماعية ، والإنتاجية وإدخالهم ضمن معادلات ضرورات تحديات العصر ، ومتطلباته وذلك بنقلهم حضاريا إلى مستوى حديث من التمدن والتطور والعلاقات الاجتماعية لما بعد مرحلة الدولة ، ضمن إطار مجتمع حديث متطور يقوم على جهاز الإنتاج والانتماء والولاء للوطن القوي الواحد عوضا عن الانتماء للقبيلة ، والعشيرة ، والموز ، والجماعة ، والنسب والدن ، والمذهب . وذلك عبر استخدام واستغلال مختلف أدوات ، ووسائل ، وقوى ، واليات التحديث والتمدن المادية منها والفكرية .
إن ما حدث ويحدث في صعده مرشح أن يحدث بصورة مقاربة ، وربما اكبر في مواقع ، ومناطق أخرى مشابهة ، وهناك من الشواهد والاحتقان ، والتوترات ، والقلاقل القاطعة يقينا ما يؤكد احتمالية تفجر إحداث واضطرابات مماثلة في غير مكان .وطالما بقيت هناك تكوينات تقليدية بدائية مسلحة لما قبل الدولة ، ما فتئت لا تعترف بوطن بالمعنى الحديث للكلمة وتقاوم الدولة ، ولا تخضع للنظام والقانون ، ولا تسهم في الدورة الإنتاجية الاقتصادية ، وتدعي نصيبا في الوطن، والثروة خارج نطاق حدود شروط الإنتاج فان اليمن لن تعرف الأمن والاستقرار ، والتطور، لاسيما في ظل نظام مركزي يتسم بالفساد والضعف ، والتردد يفتقر إلى الشرعية الدستورية والديمقراطية ،ويقوم على قاعدة الفساد وشرعية القوة .
إن إبقاء بعض تلك المحافظات المتسمة بدرجة عالية من البدائية ، والتخلف متعدد الوجوه ، هو ما دفع ويدفع ، وسيدفع إلى مثل تلك الاضطرابات ، والهبات ، والتمردات ، والسؤال هنا لماذا يترك النظام حال تلك المحافظات بدائيا ورثا ، ومتخلفا بأكثر من اللازم مما يهدد الوطن بالخطر ، وما هو سر ذلك اللغز ؟وعلى النظام القائم وكل الشرفاء والوطنيين أن يدركوا ويستوعبوا الدروس والعبر والعظات من كل تلك الإحداث في صعده وفي بعض المحافظات ، وان يتعلموا من تجربة الدولة القاسمية ( 1635 -1685م ) ودروسها ما يمنع الأخطار المحدقة بالوطن ويحافظ على وحدته ، وتقدمه .
إن أنجع السبل لكسر طوق التخلف الموروث الذي يهدد وحدة وتقدم الوطن يكمن في تخصيص اكبر قسط من حصة التنمية للمحافظات الأكثر تخلفا عبر إنشاء شبكة من الطرقات ، وتوفير اكبر قدر ممكن من خدمات الصحة والتعليم ـ والكهرباء والمياه والصرف الصحي ، وإقامة منظومة واسعة من الصناعات ، والحرف ، والمهن وفتح مقرات ، وأجهزة للدولة المركزية و توسيع قاعدة نظام الحكم المحلي ، وتطبيق حقوق المواطنة المتساوية ، وإشاعة الديمقراطية وتكريسها عمليا ، والسعي الواعي المبرمج لنزع السلاح وإدماج هذه القبائل والعشائر والتكوينات الاجتماعية البدائية في النسيج الاجتماعي الوطني . وذلك من شانه أن يعجل من عملية إزاحة ستر التخلف ، وسدف الظلمات ، وإخراجهم من خلف أسوار قلاع العزلة ، والتعصب وفكر الرتابة وان يدفع بهم إلى المساهمة في العلمية الإنتاجية الاقتصادية ، واجتذاب الاستثمارات المختلفة مما يفتح فرص لنمو الناتج المحلي الوطني ، ويعوض النفقات الموظفة في تنمية هذه المحافظات الشديدة التخلف